انهيار الليرة واحتجاجات ضخمة في تركيا ضد اعتقال منافس أردوغان

في تركيا، تمتد جذور الغضب الذي يُحرك الاحتجاجات إلى ما هو أبعد من اعتقال السياسي المعارض إمام أوغلو، فقد تدفق ما يقرب من 15 مليون شخص من أعضاء حزب الشعب الجمهوري وغير الأعضاء، الذين شكلوا الأغلبية العظمى، إلى مراكز الاقتراع في جميع أنحاء البلاد إما لانتخاب أو تأييد إمام أوغلو، ولم تقتصر تداعيات الأزمة التركية على الساحة السياسية، بل امتدت لتطال الاقتصاد لتسجل الليرة أدنى مستوياتها منذ 2020، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.
وأدلى أوزغور أوزيل، زعيم حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، بصوته في انتخابات تمهيدية لدعم رئيس بلدية إسطنبول المسجون أكرم إمام أوغلو كمرشح لحزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في إسطنبول.
وكانت محكمة تركية قد أصدرت، أمس الأحد، حكمًا بسجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، المنافس السياسي الرئيسي للرئيس رجب طيب أردوغان، على ذمة المحاكمة بتهم فساد، في خطوة أشعلت أكبر احتجاجات شهدتها البلاد منذ أكثر من عقد.
وقال اتحاد الصحفيين الأتراك يوم الاثنين إن السلطات التركية اعتقلت تسعة صحفيين غطوا احتجاجات ليلية في عدة مدن احتجاجًا على اعتقال إمام أوغلو، وفقًا لشبكة يورونيوز، ويأتي قرار إرسال إمام أوغلو إلى السجن بعد أن انتقد حزب المعارضة الرئيسي وقادة أوروبيون ومئات الآلاف من المتظاهرين الإجراءات ضده ووصفوها بأنها مُسيّسة وغير ديمقراطية.
مع تطورات قاعة المحكمة، كانت هناك دلائل على أن مشاكل رئيس البلدية كانت تُحفّز المعارضة ضد حكومة أردوغان، التي تحكم تركيا منذ 22 عامًا.
زأفاد حزب الشعب الجمهوري أن ما يقرب من 15 مليون عضو وغير أعضاء، والذين شكلوا الأغلبية العظمى، تدفقوا إلى مراكز الاقتراع في جميع أنحاء البلاد إما لانتخاب أو تأييد إمام أوغلو كمرشح له في انتخابات رئاسية مستقبلية، وقد يشير تصويت غير الأعضاء، الذي تجاوز 13 مليونًا، وفقًا لحزب الشعب الجمهوري، إلى أن إمام أوغلو، البالغ من العمر 54 عامًا، يتمتع بدعم شعبي واسع يتجاوز أتباع الحزب. وقال رئيس الحزب إن ذلك يُظهر الحاجة إلى انتخابات مبكرة.
ويقول محللون إن الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي تجتاح تركيا ربما تكون ناجمة عن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول المعارض، لكنها تعكس شعورًا أوسع نطاقًا بالإحباط، وقال يوكسل تاسكين، النائب عن حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي: "هناك غضب عارم. الناس ينزلون إلى الشوارع تلقائيًا. بعض الشباب يُسيّسون لأول مرة في حياتهم".
وجاء اعتقال رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو، أقوى منافس سياسي للرئيس رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء، قبل أيام قليلة من تسمية حزب الشعب الجمهوري له رسميًا مرشحًا له في الانتخابات الرئاسية لعام 2028، وأثارت هذه الخطوة موجة احتجاجات امتدت في غضون 48 ساعة إلى أكثر من ثلثي محافظات تركيا البالغ عددها 81 محافظة، بما في ذلك معاقل حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان، مثل منطقة قونية المركزية، بالإضافة إلى طرابزون وريزي على البحر الأسود.
رغم حظر الاحتجاجات والتواجد الأمني المكثف، نزلت حشود غفيرة من المتظاهرين إلى الشوارع، بمن فيهم العديد من طلاب الجامعات الذين لا يُنظر إليهم عادةً على أنهم منخرطون في السياسة، وتُعدّ هذه الاحتجاجات الأكبر في تركيا منذ المظاهرات الحاشدة عام ٢٠١٣، التي بدأت في حديقة جيزي بإسطنبول احتجاجًا على هدمها وانتشرت في جميع أنحاء البلاد تقريبًا، وقال كمال جان، الصحفي ومؤلف العديد من الكتب عن المجتمع التركي: "كان الشعور بالفخ، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وحتى ثقافيًا، منتشرًا بالفعل".
وأضاف أن اعتقال إمام أوغلو أثار رد فعل قويًا، "خاصة بين الشباب القلقين على مستقبلهم في بلد تُقيّد فيه الحريات بشكل متزايد. إنه رد فعل يتجاوز إمام أوغلو بكثير"، وتابع: "نحن أبناء "المُغيرين" الذين كبروا الآن"، هذا هو شعار رفعه العديد من المتظاهرين الشباب، مستخدمين مصطلحًا قديمًا صاغه أردوغان لوصف متظاهري حديقة جيزي عام ٢٠١٣ عندما كان رئيسًا للوزراء.
وقال إلهان أوزغل، المسؤول عن العلاقات الخارجية للحزب: "الأمر لا يتعلق بحزب الشعب الجمهوري فحسب، بل بالجميع. السؤال هو: هل ستعيش تركيا في ظل نظام استبدادي أم دولة ديمقراطية؟" وفي محاولة لتسليط الضوء على الطبيعة غير الحزبية لحركة الاحتجاج، دعا حزب الشعب الجمهوري جميع الأتراك، وليس فقط أعضاء الحزب، للمشاركة في تصويته التمهيدي الرمزي يوم الأحد، حيث كان من المقرر اختيار إمام أوغلو مرشحًا رئاسيًا للحزب، وأضاف أوزغل أن الحكومة سعت إلى عرقلة الانتخابات التمهيدية، لكن المنظمين كانوا مصممين على إقامتها.
كما أعلن حزب الديمقراطية الديمقراطية (DEM)، وهو الحزب الثالث في البرلمان، دعمه للاحتجاجات التي استمرت لثلاث ليالٍ متتالية أمام مبنى بلدية إسطنبول، وأوضح النائب إبراهيم أكين من الحزب الديمقراطي الديمقراطي: "إنهم يحاولون، باستخدام القضاء، إعادة تشكيل المعارضة بهدف ترسيخ النظام".
وتتهم الحكومة حزب الديمقراطيين الأكراد بانتظام بالارتباط بحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي أدرجته أنقرة على القائمة السوداء كجماعة إرهابية.
ولكن في الأشهر الأخيرة، سعت الحكومة التركية إلى إنهاء الصراع المستمر منذ عقود، وفي الشهر الماضي، حثّ عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني المسجون، مقاتليه على إلقاء أسلحتهم وحلّ أنفسهم.
وتابع جان: "لسنوات عديدة، سعت الحكومة إلى تقسيم المعارضة، أو إبقاءها منشغلة بقضاياها الداخلية. وقد نجحت عدة مرات. لكن هذه المرة، أحبطت المعارضة هذه الاستراتيجية" وبحسب غونول تول، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، فإن جهود الحكومة "لإثارة الخلاف" بين الحزب الديمقراطي الحر وحزب الشعب الجمهوري من خلال مبادراتها السلمية تجاه حزب العمال الكردستاني قد فشلت فشلًا ذريعًا، بعد أن عارض الحزب الديمقراطي الحر بشدة اعتقال إمام أوغلو.
وقال جان: "يبدو أن الحكومة الآن ترى إلى متى ستستمر موجة السخط هذه، على أمل إضعافها من خلال الضغط وحظر الاحتجاجات والاعتقالات"، وإذا رضخت المعارضة لتهديدات السلطات التي تتهمها باستفزاز الشارع، وأعطت انطباعًا بضعف عزيمتها، فستزيد الحكومة الضغط، ويبدو أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة.