هل تنجح مصر في السودان حيث فشل الآخرون؟
في الجهود المبذولة لمعالجة الأزمة السودانية، هناك إجماع على أن الحل الوحيد القابل للتطبيق يكمن في وقف فوري لإطلاق النار، والعودة إلى طاولة المفاوضات وبدء عملية سياسية وتتردد أصداء هذه الدعوة للعمل بين المواطنين السودانيين، والاتحاد الأفريقي، الذي تدخل سابقًا للتوسط في المفاوضات، ومصر، الدولة المجاورة الرئيسية الأكثر تضررًا من النزاع المسلح المستمر في السودان.
ووفقًا لصحيفة آراب نيوز، لا يؤدي هذا الصراع إلى تفاقم أزمة اللاجئين فحسب، بل يثير أيضًا مخاوف بشأن التهديدات الأمنية عبر الحدود التي تشكلها الجماعات المسلحة ومهربي الأسلحة والمتاجرين بالبشر، إلى جانب التداعيات على أمن مياه نهر النيل.
ومع تحول تركيز القوى المتصارعة على نحو متزايد نحو الاضطرابات الداخلية في السودان، وخاصة التحركات الأخيرة للقوات من دارفور باتجاه الخرطوم، فقد تزايد خطر إهمال مسألة أمن الحدود مع مصر.
وعلى الرغم من تدابير الرقابة الصارمة التي تتخذها مصر على طول حدودها مع السودان التي يبلغ طولها 1276 كيلومترا، لا تزال هناك مخاوف واضحة بشأن احتمال استغلال الجماعات المسلحة التي تسعى إلى التسلل إلى الأراضي المصرية للفراغ الأمني.
ونظرًا لهذه المخاوف الملحة، اضطرت القاهرة إلى تكثيف جهودها لقمع الصراع في السودان، كما يتضح من موجة النشاط الدبلوماسي الأخيرة المحيطة بالأزمة، بما في ذلك زيارة عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني السابق، إلى القاهرة في 8 مارس.
وقد اجتذب وفد حمدوك من تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية، أو التقدم، مستوى كبير من الاهتمام خلال زيارته، مما يعكس الاهتمام المشترك بمعالجة فترة ما بعد الفترة الانتقالية للأزمة السودانية.
وحدد إعلان أديس أبابا، الذي وقعه التقدم وقوات الدعم السريع في أوائل يناير، بشكل خاص الأحكام المصممة لحماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
وأتاحت زيارة الوفد السوداني لمصر فرصة للطرفين للحوار وتبادل وجهات النظر. بالنسبة للقاهرة، فقد مثّل ذلك فرصة لدمج رؤى التقدم في صياغة مبادرة جديدة. وبالنسبة لبرنامج التقدم، كان ذلك بمثابة فرصة لتوضيح خارطة الطريق الخاصة به للتغلب على الأزمة والتأكيد لمصر على التزامها بتعزيز العلاقات الثنائية الإيجابية.
ومن خلال الاستفادة من نفوذها الإقليمي وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة، تهدف مصر إلى المساهمة في الاستقرار والأمن في السودان.
وشدد حمدوك، خلال مؤتمر صحفي بالقاهرة، على مواءمة رؤية التقدم مع رؤية السلطات المصرية، إلى جانب ضرورة عملية الحوار السياسي وإنشاء جيش موحد للحفاظ على استقرار السودان وسلامة أراضيه.
علاوة على ذلك، ألمح إلى إمكانية استضافة القاهرة اجتماعًا بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، قادة القوات المسلحة السودانية المتنافسة وقوات الدعم السريع على التوالي، لبحث سبل إنهاء الصراع بينهم.
ويفسر بعض السياسيين المصريين استقبال القاهرة لحمدوك على أنه إشارة محتملة للانفتاح على التعامل مع قوات الدعم السريع. ويؤكدون أن مصر تظل متقبلة للحوار مع جميع الأطراف المعنية بالأزمة، بينما تظل ملتزمة بدعم شرعية المؤسسات العسكرية المعترف بها ومنع فرض سيطرة الميليشيات.
وبينما تبحر مصر في دورها في معالجة الأزمة، توفر المشاركة الدبلوماسية والمبادرات الإستراتيجية الأمل في إحراز تقدم نحو حل سلمي. ومن خلال الاستفادة من نفوذها الإقليمي وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة، تهدف مصر إلى المساهمة في الاستقرار والأمن في السودان.
ومن خلال مبادراتها الدبلوماسية الأخيرة، برزت مصر كلاعب رئيسي في معالجة الأزمة المعقدة في السودان، حيث تكثف جهودها للتوسط في السلام هناك وقبل اجتماع محوري في القاهرة أواخر فبراير بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والبرهان، الذي يرأس بالإضافة إلى قيادة القوات المسلحة السودانية مجلس السيادة الانتقالي، تركزت المناقشات على رؤية الأخير لإنهاء الصراع. الصراع وتعزيز السلام المستدام في السودان.
في 6 مارس، استضافت العاصمة المصرية اجتماعًا حاسمًا للجنة رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي بشأن السودان، والتي التقت بممثلي حزب المؤتمر الحاكم السابق في البلاد لوضع استراتيجية لسبل حل الصراع، الذي تقترب الذكرى السنوية الأولى له في 15 أبريل كما عقدت القاهرة أيضًا مؤتمر الأزمة الإنسانية في السودان في نوفمبر 2023، مع التركيز على جهود الإغاثة.
تؤكد مثل هذه المشاركات الدبلوماسية التزام مصر بمعالجة الوضع المتدهور في السودان، وإدارة علاقاتها مع أصحاب المصلحة الرئيسيين. ويعطي نهجها لحل الأزمة الأولوية لإنهاء النزاع المسلح، واحترام سيادة السودان ووحدته، والحد من التدخلات الخارجية مع الحفاظ على سلامة الدولة السودانية.
ويتزامن تجدد النشاط الدبلوماسي المصري في الآونة الأخيرة مع ركود واضح في الجهود الدولية لحل الأزمة السودانية. وإلى جانب الجهود التي تبذلها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وهي كتلة تجارية تضم ثماني دول في شرق أفريقيا، ومبادرة من الدول المجاورة، والتي حققت تقدمًا محدودًا نحو وقف الصراع، كثفت مصر أيضًا محاولاتها الأحادية الجانب لإيجاد حل.
وقد تفاقمت خطورة الوضع بسبب الأزمة الإنسانية المتصاعدة في السودان، والتي أدت إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى مصر، مما أدى إلى مزيد من الضغط على موارد القاهرة وسط أزمة اقتصادية مستمرة.
دفع المأزق في السودان مصر إلى تطوير مبادرة جديدة في محاولة للتغلب على أوجه القصور السابقة وحشد الفصائل السودانية على أمل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة. وتسعى القاهرة إلى تحديد ومعالجة العقبات والتحديات الأساسية التي أحبطت المبادرات السابقة، بهدف إحداث تغيير تحويلي في مسار الأزمة.
وأعادت التطورات الإقليمية والدولية السودان إلى قائمة الأولويات الغربية، خاصة وسط تصاعد التوترات الأمنية في جنوب البحر الأحمر والعلاقات المزدهرة بين السودان وإيران ويشير تعيين الولايات المتحدة مبعوثًا خاصًا إلى السودان إلى زيادة المشاركة الأمريكية في جهود المصالحة، مما يوفر فرصة للقاهرة لإعادة تنشيط المبادرات الإقليمية وصياغة نهجها تجاه الأزمة السودانية وفقًا لذلك.
وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال هناك عوائق عديدة تعيق تحقيق تسوية سياسية شاملة في السودان. ويشكل استمرار النزاع المسلح، الذي تفاقم بسبب التدخلات الخارجية والطبيعة المجزأة للقوى السياسية السودانية، تحديات هائلة لجهود الوساطة.
إن المواقف الراسخة للجهات الفاعلة الرئيسية، بما في ذلك البرهان وحميدتي، إلى جانب الدعم الخارجي لكلا الجانبين، تزيد من تعقيد احتمالات الوقف الفوري للأعمال العدائية.
ومع استمرار الصراع الذي طال أمده، تجد مصر نفسها تتصارع مع ضغوط اقتصادية وسياسية وأمنية متزايدة. إن الطريق إلى مستقبل السودان في مرحلة ما بعد الصراع يتوقف على ظهور جبهة مدنية متماسكة مؤيدة للديمقراطية، إلا أن الطريق أمامنا يظل محفوفا بعدم اليقين.
وعلى هذه الخلفية، تشكل المساعي الدبلوماسية المصرية ركيزة أساسية في الجهود المبذولة للتغلب على تعقيدات الأزمة ورسم مسار نحو السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة.