محمد فؤاد يكتب: تفاحة نيوتن الفاسدة
يبدو أن التفاحة هذه المرة لم تسقط بجوار نيوتن حتى يتأمل الموقف بتدبر، بل سقطت على رأسه مباشرة حتى أفقدته توازنه الفكري، وخرج علينا بمقترح لن يقلب الدنيا ويرفعه إلى عنان السماء كما فعل قانون الجاذبية، ولكن قلبها ضده واستشعر البعض شططا في طرحه وفساد مقترحه على كافة الأصعدة.
فالكاتب "نيوتن"، بجريدة المصري اليوم، المشهود لها ببصيص حرية الرأي والتوجه في الوسط الصحفي والإعلامي برمته، خرج علينا بمقترح غريب للغاية، يطالب خلاله بوضع استثنائي لشبه جزيرة سيناء بعيد عن الدولة المصرية كفكرة النظام الفيدرالي، فيكون محافظها هو رئيس جمهوريتها ولديها حكومة خاصة بها وشرطة تحميها وحدها بل وقوانين تسري عليها فقط.
وحتى لا أتجنى على صاحب المقال، فما طالب به تحديدا هو استحداث وظيفة حاكم سيناء يكون المسؤول عنها ومدة حكمه 6 سنوات وأن تكون مهمته أكبر من مهمة المحافظ أي تكون له صلاحيات أوسع وأكبر من صلاحيات المحافظ، نظرا لمساحتها وما تحتويه من كنوز سياحية اقتصادية.
حجة الكاتب فيما اقترحه، كما فهمت، أن كنوز سيناء كثيرة وموقعها فريد، ومستقبلها باهر، ولكن وجودها في حدود الدولة المصرية بحكومتها المركزية وقوانينها التي من الممكن أن تعرقل عملية التنمية فيها، قد يبطء التنمية فيها، ومن ثم فالوضع الفيدرالي هو الأنسب لها، بحيث تتحرر مما قد يكبل ويعيق تنميتها و هو طرح شبهه بمقاطعة باڤاريا الألمانية.
قد تكون حجته صابها بعض المنطق، إلا أنه فاتها أهم عنصر يحكم الأمر في سيناء، وهو وضعها الاستثنائي فيما يخص الأمن القومي ورغبة الكثير من دول العالم المعادية في فصلها عن أرض الوطن بل ودخولها في مشروعات إقليمية لحل القضية الفلسطينية على حساب أرضها، المخضبة بدماء الشعب منذ فجر التاريخ.
لا أعلم ما دار في عقل الكاتب وقت كتابة مقاله، ولكنه ببساطة يقدم حلم كبير لأعداء الوطن بسهولة للغاية، بعد أن ظلوا ما يقارب القرن يسعون من أجله، بطرحه فكرة الاستقلال الجزئي لسيناء، وفي ظني أنه لم يحسب قط تبعات ذلك أو لم يستوضح الفكرة التي يحاول فتح مجال لتطبيقها في مصر بشكل عام.
استوقفني أيضا ردود الفعل على هذا المقترح، ومنها ما وجدت فيه التفنيد القائم على منطق ووعي وحكمة، ومنه تحديدا ما تفضل به المهندس أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، وهو زميل عزيز أفخر بصداقته الشخصية، والذي تعرض لمضمون المقال بالتفنيد على النواحي السياسية والاقتصادية والدستورية وخاصة الأمنية.
وأيضا ما تفضل به الدكتور طارق فهمي، أستاذ السياسة، والذي أكد أن فكرة المقال تثير إشكاليات ليست في وقتها، وتحول سيناء إلى قضية استثمارية بحتة و هو طرح لا يمكن قبوله كون قضية التعمير مهمة الدولة في المقام الأول.
إلا أن رأيا آخر لشخص يدعي كونه سياسيا واقتصاديا وكاتبا وهو في الأصل من واقع التعامل معه "على قده أوي"، وهو بالمناسبة خرج من نفس مدرسة السجيني، بحزب الوفد، فسارع كعادته على عمى طائش وعجالة واضحة ورغبة مستميتة في أي مشهد يظهره، وأعلن تأييده التام للمقترح الذي خرج به نيوتن، بل وكتب مقالا يمتدحه ونشره في نفس الجريدة بعنوان: سيناء.. نمر أسيوي.. كيف؟.
كان في استطاعتي كنائب برلماني لدي الصلاحيات والأدوات الرقابية والبرلمانية أن «أعاقب الطرح»، كما يبدو أن المجلس الأعلى للإعلام سوف يفعل من خلال التحقيق معه وغيره، ولكن بالنظر إلى أن ما طرحه نيوتن، يخضع تماما لحرية الرأي والتعبير، فتراجعت عن الفكرة وفضلت الرد عليه في مقال مناوئ لما طرحه، خاصة وأنه من الأفضل في دولتنا التي تدافع كثيرا عن ذلك ألا يتم التعرض له بالعقاب، ولكن بالتفنيد القائم على حكمة ووعي.
كفى بحرية التعبير والرأي عبثا، خاصة وأن مفهومها الطبيعي هو حرية الشخص في التعبير عن مقترحه ورأيه، وهو بالضبط ما فعله نيوتن، فحتى إن صاب مقترحه جانب من العطب وأيضا السذاجة -بحسن أو بسوء نية-، فحقه ألا يتم التعرض له بعقاب، أو الدعاوى القضائية الساخنة ولكن من لا يوافقه المقترح فحقه أيضا الرد عليه، فالفكرة تقارع بالفكرة.
سيناء قد عانت ولا تزال تعاني الكثير من الأوجاع والصعاب بحشد من أعداء طمعوا فيها، إلا أنها سوف تظل جزء غالي من أرض الوطن، لا يمكن تحت أي طرح أن نبعدها عن مركزية السلطة في دولتنا، ولكنها أيضا تحتاج رؤية وإستراتيجية وفكر مختلف لتطويرها واستغلال ثرواتها الهائلة وتحقيق الأمن والاستقرار لمواطنيها.