نص كتاب الأزمة بين الخشت والطيب «2».. 10 سمات للعقل المغلق
في الفصل الثالث من كتاب "نحو عصر ديني جديد"، يحدد رئيس جامعة القاهرة، محمد عثمان الخشت، أبرز سمات العقل المغلق، فيقول: "يستئثر بالحقيقة، ويزعم أنه وحده الذي يعرف الحقيقة، ويرفض فتح قنوات للحوار مع الآخر، إذا قرر فتح حوار يرفض تقديم أي تنازلات، لا يدخل في عهد إلا إذا كان ضعيفًا ومضطرًا، وعندما يقوى يقوم بنقضه على الفور".
يتابع الخشت في تحديد سمات الشخص المغلق فيقول: "التقية هي سلاحه الذهبي في خداع الأخرين، وأنه لا يبحث عن الأرضية المشتركة مع التيارات الأرخرى، كما ينغلق على نظام قيم معين بصورة جامدة، وثقافة التسلط، حيث الرغبة في التحكم التام في الأخرين، وفرض أخباره ورغباته وطريقة حياته عليهم، يعتبر المخالفين له على الباطل المطلق أو كفرة".
تطرف الديني والعلماني
يوضح الخشت أن التطرف والانغلاق ليسا مقصوران على تيار دون الأخر، فهو فكرة تجدها عند الديني والعلماني، على حد سواء؛ يقول: "موقفهما ينطوي على تعصب؛ لأن كلًا منهما ينحاز إلى آرائه بشكل مطلق، وينفي الأخر، ولا يقبل مناقشة أفكاره، وهذا ما يمكن أن نلمسهفي موقفهما من الدين. ومع أهمية الدين القصوى، فإن الخطاب الديني يبدو في وضع يتميز بالخلط والإلتباس؛ نتيجة صراع الإخوه الأعداء؛ حيث يجد المسلم نفسه بين تيارين متصبين أصبح لهما السيادة في الجدل الجاري على مختلف الساحات، أعني تيار التطرف العلماني وتيار التطرف الديني؛ إذ يتصرف التيار الاول وكأن الله غير موجود! بينما يتصرف التيار الثاني وكأن الإنسان غير موجود! بمعنى أنه ينزع من الإنسان كل فاعلياته ومسئولياته ومواهبه".
وعن أسباب التجمد وعدم الإقبال على التجديد كفكرة، يحدد الخشت عدد من تلك الأسباب، ويقول إن التقليد عقبة كبرى أمام التجديد الديني، وأنه السبب في بناء قصور الوهم التي تعيق النظر والتواصل مع الواقع الحي، يتابع الخشت: "المقلد لا يرى الفكر الديني إلا بناء حديديًا غير قابل للتطور والتحديث، وغير قابل لإعادة الفهم وفق ظروف الزمان والمكان وما يستجد من أحوال أو يتبدل من متغيرات".
يوضح رئيس جامعة القاهرة، أن القرآن ضد فكرة التقليد بحجة التقليد في حد ذاتها دون برهان حاسم، فالحق مقياس نفسه، وفق معاير الواقع والعقل البرهاني والوحي المبين، ويتابع قائلًا: "اليقين المستند إلى التقليد مرفوض وضد نصوص القرآن الذي يرفض بوضوح تقليد السابقين دون الاستناد إلى براهين محكمة تحمل الحق في ذاتها".
نموذج عالمي
ينتقد الخشت الفجوة الواسعة بين الإسلام والمسلمين، فيقول إن الإسلام قرآنًا وسنة صحيحة يقدم نموذجًا عالميًا للدين الذى يلائم الطبيعة الإنسانية، ويعترف بالتنوع الكونى والإنسانى، ويعتبر التعددية سنة إلهية، ويميز بوضوح بين البشرى والإلهى. إلا أن المسلمين يخلطون بين موروثاتهم الاجتماعية التى ورثوها من بيئتهم والتصور الإسلامى النقى المستمد من القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة، وهم يخلطون بين العبادة الحق والعبادة المزيفة، فلا يزال الكثيرون منا يقيمون علاقتهم مع الله من خلال الطقوس والمظهر فقط، وينسون المعاملات والصدق والالتزام والدقة وإتقان العمل.
يتابع الخشت: "يخلط كثير من المسلمين بين معتقدهم الدينى ومواقفهم السياسية ذات الطابع الإنسانى المتغير، إن الإسلام يشتمل على أصول تحقيق العدل والإنصاف، هذا شىء لا شك فيه، لكن الخطر يكمن فى أن يعتبر البعض أن مواقفهم السياسية المتغيرة والمرتبطة بالمصالح الشخصية والأيديولوجية والطبقية التى ينتمون إليها هى تعبير عن الإسلام الخالد نفسه".
يحذر رئيس جامعة القاهرة من خطورة عدم التمييز بين الثابت والمتغير فى الأحكام الشرعية، وبين قطعى الدلالة من النصوص وظنى الدلالة منها، وبين المحكم والمتشابه فى القرآن، وأيضًا عدم التمييز بين الأحاديث المتواترة والأحاديث الآحاد، والأحاديث صحيحة النسبة إلى الرسول الكريم والأحاديث الضعيفة والموضوعة كذبًا عليه، صلى الله عليه وسلم.
مشروع حداثى لم ير النور
يحدد الدكتور الخشت، الأسباب التي زادت الفجوة بين المسلمين والإسلام، وأن السبب في ذلك التعليم القائم على الحفظ والتلقين لا الفهم والتدبر، فيقول: "المصيبة أن من يحاول الفهم لا يُعمل عقله، إنما يستعير فهم الأقدمين أو يستورد فهم الغرب!"
يتابع الخشت: "تتمثل إشكاليات الفجوة فى الإشكاليات الآتية: لماذا يحصر المسلمون أنفسهم فى جانب ضيق: نصف الجسد الأسفل، الجنس، الزوجات، الطقوس.. بينما رؤية الإسلام أوسع من ذلك بكثير: الكون، الإنسانية، الحضارة، التاريخ، العدالة الاجتماعية، الإنصاف؟، لماذا يفهم البعض تعاليم الله على أنها تعاليم شكلية حرفية تتعلق بالظواهر أكثر ممّا تتعلق بالبواطن؛ ومن ثم حوّلوها من تعاليم للروح والجسد معًا إلى تعاليم للجسد فقط، وحوّلوها من تعاليم للسلوك إلى تعاليم للمظهر والشكليات بوجه عام؟"