محمد فؤاد يكتب: فزاعة "حطب"
أولي اهتماما كبيرا بملفات الفساد ومتابعة تدخلات أجهزة الدولة المعنية لمواجهتها، وأكون حريصا على الاطلاع على نتائج التحقيقات وغيره في سير هذه القضايا، وعادة ما كانت الأمور تجري في مسارها الطبيعي، حيث يتم اكتشاف شبهة فساد ومخالفات، ثم تحقق النيابة أو الأجهزة المعنية ويحال الأمر إلى المحكمة المختصة، لتصدر حكمها.
إلا أنني توقفت متأملا في واقعة شبهات المخالفات المالية والإدارية العديدة في اللجنة الأولمبية، فأجهزة الدولة المعنية تكتشف الأمر وتصرح به علنا ويكون لديها المستندات التي تثبت المخالفة، ومع ذلك لا يتم إحالة الأمر إلى الجهات المعنية بالتحقيق والمحاسبة.
فمثلا عندما كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن اللجنة الأوليمبية المصرية في دورة الألعاب الأوليمبية بالبرازيل عن قيام اللجنة بصرف بدلات سفر ومصروف دون إرفاق كشوف توزيعها مستوفاة التوقيعات للتأكد من صحة صرفها، مستعرضا وقائع تؤكد وجود مخالفات مالية وشبهات فساد في تعاملات اللجنة، لم يتم إحالة الأمر إلى النيابة مباشرة للتحقيق.
بل أن الأمر تطور، وهددت اللجنة الأولمبية من خلال رئيسها هشام حطب، بعقوبات دولية على مصر حال التحقيق في هذه المخالفات، وكأننا نتحدث عن فساد داخلي لسفارات إحدى الدول الأجنبية، في مصر، وليس هيئة مصرية تصرف من الموازنة وتخضع للجهات الرقابية وسلطات التحقيق. فصار التهديد بالشطب فزاعة متداولة حين يقترب الحساب.
الغريب أن وزارة الشباب والرياضة وهي الجهة المعنية بإحالة الواقعة إلى النيابة العامة يبدو أنها خافت من تهديدات اللجنة الأولمبية، وامتنعت عن التحقيق في الأمر وإحالته إلى النيابة المختصة، ورفض الوزير السابق خالد عبد العزيز، التحرك بعد تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات.
تحركت برلمانيا من خلال أدواتي الرقابية في هذا الأمر، وقدمت طلبات إحاطة وأسئلة، وضغطت في سبيل مناقشة القضية داخل البرلمان، ورغم ذلك كانت المماطلة من قبل وزارة الشباب واضحة وغير مبررة تماما خاصة مع إتاحة القانون التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية باللجنة الأولمبية.
كان الأمر عجيبا لدرجة مقلقة، فهناك تقرير يستعرض مخالفات للجنة مصرية، صرفت أموالا بالمخالفة للقانون من موازنة الدولة، وعليها شبهات فساد، ولم تقدم هذه اللجنة تبريرا لهذه القضية، بل جاهرت برفض التحقيق معها والتهديد بعقوبات على مصر، وأيضا وزارة الرياضة رغم اعترافها بالمخالفات لم تتحرك قضائيا للتحقيق فيها ومحاسبة المخالفين.
ظل الأمر مستمرا طوال لفترة طويلة دون جدوى أو تحقيق في الأمر، حيث نجحت اللجنة الأولمبية في إرهاب الدولة ومؤسساتها، وبالفعل صدرت توصيات من لجنة الرياضة في البرلمان بإحالة القضية إلى النيابة.
وبعدما جاء الدكتور أشرف صبحي، وزيرا للرياضة وعد بالتحرك في هذا الأمر، بعد ما تملكتنا حالة من الاعتقاد بالفعل أن اللجنة الأولمبية هي دولة داخل الدولة، وليست هيئة أو لجنة تتبع الدولة المصرية.
ما زاد الأمر غرابة، هو تسبب مخالفات اللجنة في تجميد عضوية اتحاد رفع الأثقال المصرى دوليًا لمدة سنتين، وغرامة وصلت إلى 200 ألف دولار، ورغم ذلك لم يسأل أحد اللجنة الأولمبية أو يحاسبها!
استغربت كثيرا من الوضع، وأذكر أنني تساءلت في إحدى جلسات البرلمان لمناقشة القضية، عمن يحمي هشام حطب واللجنة الأولمبية، فمخالفاتها المالية لا نحقق فيها، وتسببها في تجميد عضوية اتحاد الأثقال لا نحاسبها عليه.
ومع طول الأمد، قررت تقديم استجواب حول مخالفات اللجنة الأوليمبية وتداول الأمر لما يزيد عن العامين دون تحقيق، استعرضت فيه بطء الوزير في اتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة تجاه تعديات اللجنة وسيطرتها على الاتحادات وإهمال إدارتها لها، مما أضاع هيبة الدولة المصرية وحقوقها في الحفاظ على الرياضة بمصر.
بالفعل مكانة وهيبة الدولة المصرية كانت في خطر بسبب ممارسات هذه اللجنة وتحاميها بالاتحاد الدولي لمنع التحقيق ضدها في مخالفات مثبتة بتقارير رسمية، ولله الحمد مؤخرا تم إحالة القضية للنيابة العامة للتحقيق فيها، وهو الأمر الذي تأخر كثيرا بشكل يعادي توجهات الدولة ومؤسساتها نحو مواجهة الفساد.
أطمح دائما أن في هذا العصر، لا أحد فوق القانون فكما قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".