محمد فؤاد يكتب: بطاطين الأحزاب ودورها السياسي
تأصل الدور الخدمي للأحزاب تدريجيا حتى طغا على دورها الرئيسي المعني بالمشاركة السياسية، ووصلنا إلى مرحلة متأخرة للغاية نقيس فيها التواجد الحزبي في الشارع بعدد البطاطين التي يوزعها مع دخول فصل الشتاء، وكم الكراتين التي يوزعها مع شهر رمضان الكريم، ونقارن بين الأحزاب بمقدار مساهمتها في توفير سلع بأسعار رخيصة للمواطنين وحل أزمات البطاطس والليمون وغيره.
أعلم أن احتياجات الإنسان يعلوها المأكل والملبس وفق هرم ماسلو، وأن تحقيق الذات يأتي في قمة الهرم، ولكن الأزمة جاءت مع تفضيل الأحزاب اللعب على الاحتياجات الجسدية للمواطن حتى تكسب تعاطفه وتأييده وتشعره بتواجدها في الشارع ومساهمتها في حل همومه، وتجاهلت أي حديث عن مشروع سياسي قوي يستطيع أن يخلق تضامن معها ويحقق للمواطن احتياجاته في المشاركة السياسية بكافة مستوياتها.
انتقدنا جميعا ممارسات الماضي القريب لكسب أصوات الجماهير في الانتخابات من خلال توزيع الزيت والسكر، ولكن يبدو أن هذا المرض انتقل إلى الأحزاب الأخرى، التي لم تعد تعرف الفرق بين الحزب السياسي والجمعية الخيرية، وتحول نشاطها تدريجيا لينصب على توزيع الكراتين والبطاطين وإقامة المعارض، دون أن دور سياسي حقيقي على أرض الواقع.
ومن تبعات ذلك، اختفاء الأيدلوجيات الخاصة بالأحزاب، فلم يعد اليمين في صف اليمين ولا اليسار في موضعه، بل أن الجميع يتسابق في مسألة تجاهل السياسة تماما والتركيز على الدور الخدمي، ولهذا الأمر سببان لا ثالث لهما، أولهما عدم امتلاك مشروع سياسي حقيقي يجذب انتباه المواطنين، والآخر، تراجع الاهتمام بالسياسة من قبل المواطنين في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعايشونها.
فشلت جميع الأحزاب في استغلال الحراك السياسي بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ولم تقدم أي مشروع يسترعي انتباه المواطنين ودعمهم، في انعكاس واضح للإفلاس الفكري، بما سبب ابتعاد المواطنين عن السياسة تدريجيا، وبما دفع الأحزاب للتركيز على مسألة الخدمات حتى تفرض نفسها على الشارع، كأنها موجدة وتمارس دورا، حتى وإن كان لا يعنيها.
فبعد أن آملنا خيرا في انتهاء فكرة توزيع الزيت والسكر، مع حل الحزب الوطني واختفاء الجماعات من المشهد، يبدو أن هذا الأمر تأصل وأصبح أساسيا في عمل الأحزاب وتواجدها في الشارع، بل أن الأمر يتطور بشكل مبالغ حتى وصلنا إلى تنظيم معارض كاملة وتوفير سلع ومنتجات بأسعار مخفضة والتنافس في ذلك.
أعلم أن التجربة الحزبية انتهت تماما مع فترة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وأن غالبية الأحزاب التي ظهرت مع تولي الرئيس السادات إما صنعتها الدولة وأجهزتها وحددت لها إطارها، أو اقتصرت فقط على النخب، ولكن هل يعقل ألا يستطيع حزب أن يبني نفسه خلال 50 عاما؟، أم أن الإفلاس السياسي هو السبب في الوصول إلى هذا الوضع الذي لن يتأثر إطلاقا إذا تم حل جميع أحزابه.
الأزمة تطورت إلى أن الانضمام إلى الأحزاب لا يتأتى عن اقتناع بمشروعه السياسي ولكن بمقدار غنى الحزب وما يصرفه في سبيل توفير الخدمات للمواطنين فقط، بما يعطي مؤشر لإفساد الحياة السياسية بشكل كامل وابتعاد الأحزاب عن ممارسة دورها الحقيقي، خاصة وأنها لا تجد صيغة للتفاهم مع المواطن في الشأن السياسي تستطيع من خلالها استقطابه.
اهتمامات الأحزاب التي ابتعدت عن السياسية، تأصلت في بداية هذا الأسبوع أثناء مناقشة قانون الإدارة المحلية رغم أهميته وحاجة الدولة إليه، حيث صُدم جموع الشارع برفض حزبي لخروج القانون و لسبب واحد وهو عدم استعداد الأحزاب للمشاركة في الانتخابات، فهي لم تعد تهتم بتأهيل كوادر سياسية تخوض بها الانتخابات، خاصة وأن كل همها الآن هو ضم من يستطيعون الصرف على خدمات الحزب للمواطنين. و كأن الشراكة في الحكم لم تعد هدف سياسي فأكتفت الأحزاب بالظهور في اللقطة بدل من صنعها.