السفير علاء الحديدي يكتب: الشرق الأوسط فوق صفيح ساخن
ثلاثة أحداث جسام مرت بهم السعودية خلال أقل من ٤٨ ساعة فى الإسبوع الماضى. الحدث الأول كان إطلاق صاروخ باليستى من اليمن فى اتجاه الرياض، الحدث الثانى كان إعلان رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى استقالته من الرياض، والحدث الثالث كان حملة اعتقالات غير مسبوقة فى تاريخ السعودية طالت ١١ أميرا وعددًا من الوزراء الحاليين والسابقين ورجال أعمال من وزن الوليد بن طلال وصالح كامل وغيرهما. كل حدث من هذه الأحداث الثلاثة كفيل وحده بإثارة من القلاقل والتبعات ما يستوجب التوقف عنده بالبحث والتحليل، فكيف يكون عليه الأمر وقد اجتمعت هذه الأحداث فى آن واحد وداخل مدينة واحدة، هى الرياض. فما هو الرابط الذى يجمع بين هذه الأحداث الثلاثة بجانب اشتراك الرياض فيهم جميعا؟ وماذا يعنى ذلك بشأن وضع السعودية فيما يحدث من تطورات بالمنطقة؟ وأخيرا ما هو تأثير ما يحدث داخل الرياض على مجمل الأوضاع فى الشرق الأوسط؟
ولنبدأ بالصاروخ الذى انطلق من اليمن على العاصمة السعودية الرياض وقيل إنه كان يستهدف مطار الملك خالد قبل أن يتم اعتراضه وإسقاطه دون أن يتسبب فى إحداث أى إصابات بشرية. والمرجح أن هذا الصاروخ كان رسالة إيرانية موجهة للملكة بأن الرياض ليست فى مأمن من الأيدى الإيرانية التى تستطيع الوصول إلى قلب الدولة السعودية فيما لو أقدمت الرياض على خطوات تصعيدية جديدة تستهدف إيران أو أحد حلفائها. وهى «الرسالة» التى اعتبرتها السعودية بمثابة إعلان حرب عليها، حيث نقلت وكالة الأنباء الرسمية السعودية عن الأمير محمد بن سلمان قوله فى اتصال هاتفى مع وزير الخارجية البريطانى بوريس جونسون «أن ضلوع النظام الإيرانى فى تزويد ميليشيات الحوثيين التابعة له بالصواريخ يعد عدوانا عسكريا ومباشرا من قبل النظام الإيرانى، وقد يرقى باعتباره عملا من أعمال الحرب ضد المملكة».
تواكب مع ما سبق إعلان رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى استقالته من الرياض، محملا حزب الله مسئولية هذا القرار، ومتهما إيران فى ذات الوقت بالتدخل فى الشئون الداخلية لبلاده. وقد قيل الكثير فى معرض تحليل هذه الاستقالة وأسباب إعلانها من الرياض وبعد ٢٤ ساعة من لقاء الحريرى فى بيروت مع على أكبر ولاياتى والذى يشغل منصب مستشار المرشد الإيرانى للشئون الدولية. وكان وزير الدولة السعودى لشئون الخليج العربى ثامر السبهان قد صرح بأن السعودية ستعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب على السعودية بسبب وجود حزب الله فيها. فهل تنتهز إسرائيل فرصة استقالة الحريرى هذه والاتهامات السعودية لحزب الله، فضلا عن الرغبة الأمريكية الجامحة فى تقليص قوة حزب الله، من أجل محاولة القيام بتوجيه ضربة عسكرية قاصمة لحزب الله تختلف هذه المرة عن الضربة السابقة التى حاولت إسرائيل القيام بها فى عام ٢٠٠٦؟ وهو الأمر الذى يعززه ما يتواتر من أنباء عن طلب كل من السعودية والكويت والبحرين من رعاياهم مغادرة لبنان، وبما ينذر بتجمع سحب حرب قادمة فى منطقة الجنوب اللبنانى.
نأتى أخيرا لما أطلق عليه وبحق الزلزال السعودى، والمقصود هنا حملة الاعتقالات غير المسبوقة التى شهدتها المملكة تحت دعوى محاربة الفساد وطالت عددا من المعارضين أو الممتعضين لتولى الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد، وهو ما عد خروجا على التقاليد المتبعة فى المملكة والعائلة بحسم جميع الخلافات الداخلية فى إطار الأسرة بالتوافق والترضية، وعدم خروج هذه الخلافات إلى العلن. ولذلك كان الإقدام على خطوة الاعتقالات هذه يعنى أن الخلافات داخل الأسرة قد وصلت إلى الدرجة التى لم يعد معها اتباع الأسلوب السابق مجديا. وتظل أسباب هذه الخلافات ومداها طى الكتمان حاليا على الأقل، ولكن من المؤكد أنه لولا الدعم الذى حظى به العاهل السعودى وولى العهد من الرئيس ترامب شخصيا (كما وضح من إحدى تويتاته) لما كانا ليقدما على مثل هذه الخطوة وبهذه الطريقة. وهو ما يثير التساؤل حول أسباب هذا الدعم الأمريكى ومداه؟ هناك أولا التحالف المشترك ضد إيران والذى تم تكريسه خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض فى شهر مايو الماضى. ولكن هذا وحده غير كاف لأن تلقى الولايات المتحدة بكامل ثقلها السياسى خلف القيادة الحالية فى الرياض وما تتخذه من إجراءات قد يرى البعض فيها نوعا من المخاطرة والمقامرة التى يمكن أن تؤثر على استقرار المملكة والمنطقة؟
السبب الثانى لهذا الدعم الأمريكى غير المحدود، يرتبط بالتطورات الخاصة بشركة النفط الوطنية السعودية «أرامكو»، والتى تقدر قيمتها السوقية ما بين ٢ إلى ٤ ترليون دولار، ولتجعل منها أغنى شركة فى العالم. وقد سبق وأن أعلنت المملكة عن خطتها لطرح ما قيمته نحو ٥٪ من قيمة الشركة فى اكتتاب دولى عام، من المنتظر أن يكون الأكبر فى تاريخ العالم. ومن المعروف أن ترامب يرغب فى أن تتم عملية الطرح هذه داخل الولايات المتحدة ومن خلال بورصة نيويورك لما سيمثله ذلك من مكاسب للبورصة والشركات الأمريكية، وهو الأمر الذى تتردد معه السعودية نظرا لتخوفها من الحجز على أسهم الشركة فى حال قيام مواطنيين أمريكيين برفع دعاوى قضائية ضدها فى إطار قانون «جاستا» الذى يمنح أقارب وممثلى ضحايا ١١ سبتمبر هذا الحق. وتشير المصادر الأمريكية إلى قيام ترامب بمخاطبة القيادة السعودية بشكل مباشر فى هذا الأمر، ومن المرجح الاستجابة لهذا الطلب الأمريكى بشكل أو آخر، قد يكون من بينها طرح الجزء الأكبر من هذه الأسهم فى سوق نيويورك.
أخيرا، يمكن القول بأن هذه التطورات هى نتيجة لعملية انتقال السلطة فى السعودية لقيادة جديدة تبحث عن الشرعية والدعم الخارجى، قيادة خرجت عن كل الأعراف السابقة وعملت على تكريس شرعية جديدة على أسس مغايرة عما كان سائدا من قبل. فداخليا، خرجت عن مبدأ التوافق والتراضى الذى حكم السعودية منذ نشأتها، وعملت فى المقابل على توسيع قاعدة الحكم الجديد وخاصة بين الشباب من خلال سلسلة من الإجراءات والإصلاحات التى طال انتظارها. وخارجيا، فقد سعت إلى تعميق الشراكة والتحالف مع الولايات المتحدة وتصعيد المواجهة مع إيران وحلفائها من الحوثيين وحزب الله. وهنا لابد وأن نسأل فى هذا الإطار عن جدوى المراهنة على الدعم الأمريكى من ناحية، ومن ناحية أخرى عن ردود الفعل المتوقعة من جانب بعض القوى المحلية فى السعودية أو القوى الإقليمية المناوئة للرياض وعلى رأسها إيران. وهل ستقف جميع هذه القوى مكتوفة الأيدى، أم تنوى القيام بتحركات وإجراءات مضادة؟