شيماء جلال تكتب: السيسى وعبد الناصر جمعتهما الأحلام وفرقتهما الوسائل
" يارب أكون زيه، كان شخصية عظيمة، وكان يحب مصر"..
بهذه الكلمات وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيس الراحل
جمال عبد الناصر، عندما سألته الإعلامية لميس الحديدي، وقتما كان السيسي مرشحاً للرئاسة،
مضيفا أن "تشبيهي بعبد الناصر كبير، مستوى ومقام وقدرة، وإمكانيات فى عصره خارج
كل الحسابات".
لم تكن تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي عن
عبد الناصر، ففي أثناء افتتاح قناة السويس الجديدة قال إن "ناصر" تولى المسؤولية
في زمن ثورات التحرر من الاستعمار، التي كان هو أحد أبطالها بقيادته لثورة يوليو المجيدة،
التي أنهت عصوراً من السيطرة الأجنبية على مقدرات هذا البلد، وأعادت حكم مصر لأبنائها
ووضعتها على طريق المستقبل والحرية والتنمية .
ووصف السيسي "عبدالناصر" بأنه "رجل من
أخلص أبناء مصر، اجتهد وفق محددات عصره ومقتضيات الزمان الذي عاش فيه، وكان حريصاً
في كل الأحوال على مصلحة هذا الوطن وحريته وكرامة شعبه».
ولكن بعيداً عن المحاولات الإعلامية لخلق صورة ذهنية
للسيسى بوصفه قرينا لعبد الناصر، ما هي أوجه الشبه والاختلاف فعلا بين الرئيسين، خصوصاً
إذا عرفنا أن عبدالناصر والسيسي عسكريان مُخلصان حاولا بناء مصر في ظروف عصيبة، جمعت
بينهما الأحلام في بناء مصر في ظروف عصيبة، بينما فرقتهما الوسائل في تحقيق ذلك.
الإعلام
«الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كان محظوظ، لأنه كان
بيتكلم والإعلام كان معاه».
يرى السيسي
أن نموذج الاعلام الناصري "إعلام الستينات"، هو النموذج الأمثل للإعلام الداعم
لرئيس يقود دولة فى وقت الحرب.
وكان إعلام الحقبة الناصرية يلقي الضوء على الانجازات
والتنمية ودعم التوجه العام للدولة الاشتراكي، وخلق حالة من الزخم والاصطفاف الشعبى
خلف ناصر، فدعمه قلبا وقالبا، ووقف بجواره حتى في عثراته السياسية والعسكرية.
وربما ما يحدث الآن فى سوق الإعلام هو محاولة لاستنساخ
إعلام ناصر، لتحويله إلى اتجاه الشحن المعنوي والرسائل التي تصب فى اتجاه دعم الدولة
ومؤسساتها وتلعب على وتريات الانتماء الإقليمي، والتكافل الاجتماعي، والبناء الأسري
وهي النغمة المسيطرة مؤخراً على أغلب الإنتاج الدرامي، المدعوم من الدولة.
الإخوان
لا يخفى على أحد أن علاقة عبد الناصر وجماعة الإخوان
أحد أهم المحطات فى تاريخ ناصر، بدأت علاقة السيسي وجماعة الإخوان، ببداية شبيهة لعلاقة
ناصر والجماعة أيضاً، فكما اقترب الجماعة من مجلس قيادة الثورة بعد أن تمكن الضباط
الأحرار من السيطرة على السلطة، وإلغاء الأحزاب السياسية، وأظهروا تأييد شديد للثورة
منذ يومها الأول، مع وجود اتصالات مكثفة بجمال عبد الناصر، وباقي أعضاء مجلس قيادة
الثورة، ومثلت ثورة يوليو فرصة كبيرة من وجهة نظر الجماعة، للوصول للحكم، أوعلى الأقل
للمشاركة فيه بجانب مجلس قيادة الثورة.
ومع محاولات الجماعة فرض رؤيتها على ناصر، والتي كان
من بينها فرض تطبيق الشريعة، حسب رؤيتهم، ومع مقاومة ناصر لتلك المطالب، لم تحصل جماعة
الإخوان على أية مكاسب سياسية لوقوفها بجانب ثورة يوليو، فلم تنجح في القفز على السلطة
بشكل تام، أو حتى في الحصول على جزء من كعكة الحكم، وهو ما كان له أثره على خلاف الإخوان
مع النظام القائم وقتها.
هذه القصة تكاد تكون متطابقة مع بدايات العلاقة بين
السيسي والجماعة، وقت توليه مسؤولية جهاز المخابرات الحربية، عقب ثورة 25 يناير
2011، فقد كان السيسي وقتها يلتقي الأحزاب والقوى السياسية على اختلاف ألوانها، وكان
من بينها جماعة الإخوان، التي على الرغم من عدم إعلان موقفها بوضوح في بداية الثورة،
إلا أنها استطاعت أن تركب أمواج الثورة بعد الاطمئنان إلى سقوط حسني مبارك، وكان لها
قواعدها الشعبية المنظمة وقتها، بل الأكثر تنظيماً بين كل القوى السياسية، ما سهل وصولها
إلى قصر الاتحادية فيما بعد.
المشروعات التنموية
ويتلاقى السيسى وناصر فى رؤيتهما التنموية، حيث خاض
كل منهما معركة بناء عقب مرحلة عصيبة، لم يكن انتباه النظام الحاكم فيها موجهاً سوى
للمصالح الضيقة، فاهتمام الأسرة الملكية لا يختلف عن اهتمامات جماعات المصالح فى عهد
مبارك وما تلاه من عام الجماعة.
وفي حين اعتمد عبد الناصر على قرارات التأميم، اتجه
السيسي إلى "الدين المحلي"، وبذلك استمر ناصر على نهجه في البناء الاجتماعي
والاقتصادي والتنموي، فى بناء المصانع والمشروعات القومية سار السيسي، إلى وضع خطة
تنموية كاملة على كل الأصعدة بداية من بناء الاقتصاد وزيادة مستهدفات الإنتاج المحلى
وخفض عجز الموازنة، والبنية التحتية، والإسكان، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.
أفريقيا
الاتجاه إلى أفريقيا وترميم ما تهدم من جسور الوصل لمحيطنا
الإقليمى، طريق واحد سار فيه كلاهما أيضا.
ودعمت ثورة يوليو، الثورة الجزائرية وكذلك نضال شعب
تونس، وكفاح شعب المغرب إضافة إلى ليبيا والسودان، وامتد الزحف التحررى إلى شرق إفريقيا،
حيث الصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا، وشرق إفريقيا، الصومال، وغينيا، وأوغندا، وتنزانيا.
ومنذ تولي الرئيس السيسى منصبه عام 2014 فإنه وضع الملف
الإفريقى في بؤرة اهتمامه، بكل ما فيه من تشابكات وتعقيدات سياسية وعسكرية انعكست على
استقرار القارة السمراء بكل ما يعنيه ذلك من اضطرابات جيوسياسية تؤثر بالتبعية على
الأمن القومى المصرى فى محيطه الإقليمى .
وقد عهد السيسى إلى مجموعة من الملفات المهمة والملتهبة
سياسياً وعسكرياً إلى جهاز المخابرات العامة بجانب وزارة الخارجية، للعب أدوار الوساطة
المحايدة بين الأطراف المتنازعة داخلياً، أو
تقديم الدعم السياسي والأمني لإنهاء الاضطرابات
والنزاعات المسلحة .
ويدعم السيسي جهود الحكومة النيجيرية فى مجال مكافحة
الارهاب والتطرف، ومكافحة الأنشطة الإرهابية لتنظيم بوكو حرام، وتقدم مصر دعمًا غير محدود في المجال العسكري والأمني
لكل من تشاد والجابون
وأعلن الرئيس إنشاء "صندوق ضمان مخاطر الاستثمار
في إفريقيا"، بهدف تشجيع المستثمرين المصريين لتوجيه استثماراتهم لإفريقيا، والمشاركة
في تنمية القارة والاستفادة من الفرص الهائلة المتوافرة في قارتنا.
وتضخ مصر استثمارات مصرية ب 8 مليار جنيه من الاستثمارات
فى القارة السمراء.
السياسة
الخارجية
على مستوى السياسة الخارجية فإن الأوضاع السياسية فى
الفترتين التاريختين مختلفة كلياً، في الحقبة الناصرية كانت حرب الاستقطاب بين قطبين
عالميين مشتعلة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة.
كان ناصر حاسماً فى توجهاته التى لم تكن تحتمل وقتها
سياسة "مسك العصا من المنتصف"، فكان تحالفاً واضحاً وصريحاً مع الجانب السوفيتي
الذي دعم مصر دعما عسكريا فى وجه الحلف الأمريكى وما يتبعه من إسرائيل ودول أوربية.
مع اختلاف الظرف التاريخى، فإن السيسي على العكس يسعى
إلى علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، تحكمه أجندة مصالح مصرية، يتخللها انحياز عروبي
وإقليمي.