التاريخ السياسي لمؤسس "كأس الأمم": برلماني أيام الملكية وأول وزير لثورة يوليو
عبد العزيز عبد الله سالم.. هل قرأت أو سمعت هذا الاسم يومًا؟ إنه ببساطة المهندس المصري الذي أسس بطولة كأس الأمم الإفريقية قبل أكثر من نصف قرن، ومؤسس وأول رئيس للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وأول ممثل للقارة السمراء في المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي "فيفا".
وبجانب كل هذه الأدوار المجهولة للكثيرين، فإن الرجل أيضًا صاحب تاريخ لافت في تاريخ مصر، وخصوصا عندما أصبح وزيرًا في فترة تحول سياسي واجتماعي مع بدايات الخمسينيات، بخلاف مساهمته في الحياة العامة أيام الملكية.
في السطور التالية، نستعرض التاريخ الحياتي والسياسي للأب المؤسس والمنظّم للكرة الإفريقية، التي باتت تحظى حاليا بثالث نسب متابعة عالمية في كل دورة من بطولتها الأبرز، كأس الأمم، والتي ستنطلق في مصر بعد أيام.
خريج زراعة..
درس في كامبريدج.. ومارس الكرة والتجديف
في مركز
"أبو كبير" بمحافظة الشرقية، وُلد عبد العزيز سالم عام 1895، وفي
الزقازيق تلقى تعليمه الأساسي قبل أن يلحتق بكلية الزراعة، وكان عضوًا بفريق كرة
القدم بالكلية، بحسب الكاتب ياسر أيوب.
بعد ذلك سافر
إلى بريطانيا ليستكمل تعليمه بجامعة "كامبريدج"، وهناك أيضا مارس
الرياضة، لكنه كان في فريق التجديف بالكلية العريقة.
بعد عودته إلى
مصر - ونعتمد هنا على السيرة الذاتية له على موقع وزارة الزراعة – خدم
"سالم" فى وزارة المعارف، ثم استقال من وظيفته في 23 أكتوبر 1920 لانتخابه
بمجلس النواب، وبعد 8 سنوات عاود الكرة وتخلى عن وظيفته مرة أخرى عندما اُنتخب
مجددا بالمجلس.
نائب في البرلمان لدورتين.. ووزير لمرتين بعد 23 يوليو
في الأول من أبريل 1931 عُيّن عبد العزيز سالم بوزارة الزراعة لمدة سنتين، قبل أن يُنقل إلى وزارة التربية والتعليم وظل بها حتى مارس 1938 عندما عاد إلى "الزراعة" من جديد وتحديدًا إلى مصلحة الأملاك الأميرية، وظل بها إلى أن عين وكيلا مساعدا للوزارة فى الأول من مارس 1946، قبل أن يُحال للمعاش في نوفمبر 1949.
بعد أقل من
ثلاث سنوات، عاد عبد العزيز سالم إلى الحياة العامة مرة أخرى، لكن في عهد جديد،
وبعد قيام ثورة 23 يوليو وإزاحة نظام الملك فاروق، عندما اُختير وزيرًا للشئون
البلدية والقروية في وزارة علي ماهر باشا، من 24 أغسطس 1952 إلى 6 سبتمبر من نفس
العام، قبل أن يشكل محمد نجيب وزارة خالصة للثورة ويختاره أول وزير في حكومته،
ويقلده حقيبة الزراعة، في الفترة من ٧ سبتمبر حتى ٩ ديسمبر من ذات العام، وهي
الفترة التي شهدت تطبيق قوانين الإصلاح الزراعي الشهيرة بعد ثورة يوليو، وإن كان الرجل لم يعمِّر في الحكومة كثيرًا. كما تولى
"سالم" منصب نقيب الزراعيين في فترة من حياته.
أول رئيس لـ"الكاف".. وأول إفريقي بـ"الفيفا"
في تلك السنة،
كان عبد العزيز سالم على موعد مع منصب من نوع آخر، سيكون بوابة لتخليد اسمه في
سجلات الكرة الإفريقية، إذ تولى رئاسة اتحاد الكرة المصري من 1952 إلى 1954،
وبرغم أن موقع
اتحاد الكرة يقول إن "سالم" أنهى فترته رئيسًا لـ"الجبلاية"
في 1954، فإنه دوره الإفريقي المؤثر كان في العام 1956، عندما اجتمع في لشبونة
بالبرتغال، على هامش مؤتمر الاتحاد الدولي للعبة "كونجرس الفيفا"، مع
أفارقة آخرون ليضعوا الملامح الأولى لأول اتحاد رسمي للقارة السمراء.
في ذلك العام،
وتحديدا في شهر يونيو، عرضت أربع دول أفريقية، هي مصر والسودان وإثيوبيا وجنوب
إفريقيا، كانت مشاركة في الاجتماع الدولي للعبة، فكرة تأسيس الاتحاد الإفريقي لكرة
القدم لأول مرة.
وعليه، اجتمع
في أحد فنادق لشبونة، عبد العزيز سالم ومحمد لطيف، من مصر، وعبد الحليم شداد وبدوي
محمد وعبد الحليم محمد من السودان، وفريد ويل من جنوب إفريقيا، وقرروا الشروع في التنفيذ.
بعد ذلك بعام
واحد، أقيمت أول بطولة لكأس الأمم الإفريقية بالسوادن، وشارك فيها ثلاثة منتخبات
هي مصر والسودان وإثيوبيا، إذ اعتذرت جنوب أفريقيا في اللحظات الأخيرة على خلفية
نظام الفصل العنصري الذي كان قائمًا بها آنذاك.
أقيمت البطولة
من مباراتين فقط وفازت بها مصر التي رفع لاعبوها أول كأس لـ"الكان"،
والتي حملت اسم الأب المؤسس للمسابقة، المصري عبد العزيز سالم، لتكون بمثابة
الإعلان الفعلي عن تأسيس الاتحاد الإفريقي.
وبدوره، اعترف
الاتحاد الدولي "فيفا"، خلال اجتماعه بمدينة برن السويسرية، باتحاد
القارة السمراء، وأصبح من حق إفريقيا تعيين أول ممثل لها في اللجنة التنفيذية
للاتحاد الدولي، واختير عبد العزيز سالم بالطبع للمنصب.
وفي 8 يونيو
1957، تم التوقيع رسميا على القانون الدستوري للاتحاد الإفريقي لكرة القدم
"كاف"، واختير أيضًا عبد العزيز سالم أول رئيس له، وضم الدول الأربع
المؤسسة.
حاليا، وبعد
أكثر من 60 سنة على ذلك التاريخ، يضم الاتحاد 54 دولة عضو، ويقع مقره الرسمي في
مصر، بلد عبد العزيز عبد الله سالم، المهندس والوزير والنقابي والأب المؤسس
للمسابقة التي ستقام على أرض بلاده في نسختها الـ33 بعد أيام معدودة، للمرة
الخامسة في تاريخها.