كيف تؤثر الحرب الإسرائيلية في غزة سلبيا على الاقتصاد المصري؟
قال محللون إن الاقتصاد المصري يتضرر يومًا بعد يوم بسبب تداعيات الحرب الانتقامية الإسرائيلية على غزة والتوترات المتصاعدة في البحر الأحمر، بل وتتفاقم هذه التحديات بفِعل الحرب، مع اقترابها أكثر فأكثر من الحدود المصرية وسط تهديدات إسرائيلية باقتحام رفخ الفلسطينية.
توقعات سلبية للسياحة
تجذب الأهرامات والمتاحف والمنتجعات والآثار في مصر الزوار من جميع أنحاء العالم، وكانت السياحة منذ فترة طويلة مصدرًا رئيسيًا للدخل القومي وفي عام 2022، عمل ما يقرب من ثلاثة ملايين مصري في صناعة السياحة.
وقبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، كان قطاع السياحة في مصر يكافح بالفعل للتعافي من أزمة كوفيد-19 ولكن يبدو أنها تنتعش ومن الممكن أن تؤدي حرب غزة وأزمة البحر الأحمر إلى الإضرار بتوقعات الإيرادات من هذه الصناعة وفقًا لتصنيفات ستاندرد آند بورز العالمية، ومن المتوقع أن تشهد إيرادات السياحة في مصر انخفاضًا بنسبة 10 إلى 30 بالمائة عن العام الماضي، مما قد يكلف البلاد ما بين 4 إلى 11 بالمائة من احتياطياتها من النقد الأجنبي ويقلص الناتج المحلي الإجمالي.
وقال عمرو صلاح محمد، المحاضر المساعد في جامعة جورج ميسون، لقناة الجزيرة الإنجليزية: “إن قرب الصراع من شبه جزيرة سيناء أدى إلى انخفاض حاد في السياحة، مما جلب إيرادات بقيمة 13.63 مليار دولار خلال السنة المالية 2022-23”.
وأضاف: “على الرغم من صعوبة تحديد المدى الكامل للأضرار التي لحقت بالسياحة المصرية بسبب الصراع المستمر حتى الآن، فإن المؤشرات المبكرة، مثل انخفاض الحجوزات بنسبة 25 بالمائة في أوائل نوفمبر، تشير إلى تراجع كبير من المرجح أن يستمر إذا استمر الصراع”.
انخفاض إيرادات قناة السويس
منذ نوفمبر، تواجه مصر التأثير الاقتصادي لهجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار ضد السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، وهو ما كان رد فعل الحوثيين على حرب إسرائيل على غزة.
ونتيجة لهذه الضربات على طول أقصر طريق تجاري يربط آسيا بأوروبا عبر قناة السويس، قامت العديد من شركات الشحن بإعادة توجيه سفنها حول رأس الرجاء الصالح.
وفي السنة المالية 2022-23، حققت قناة السويس إيرادات قدرها 9.4 مليار دولار لمصر. وفي أول 11 يومًا من هذا العام، انخفضت إيرادات قناة السويس بنسبة 40% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
وقد زاد هذا الضرر منذ ذلك الحين وقالت السلطات المصرية إن إيرادات قناة السويس في يناير انخفضت بنسبة 50 بالمئة منذ بداية العام، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
مشاكل قطاع الغاز
منذ 7 أكتوبر، عانى اقتصاد الغاز في مصر بشكل كبير. بعد يومين من التوغل الذي قادته حماس في جنوب إسرائيل، أمرت مؤسسة الدفاع الإسرائيلية بالوقف المؤقت لعمليات الاستخراج من حقل غاز تمار، الواقع على بعد 25 كيلومترا (15 ميلا) من مدينة أشدود الساحلية جنوب إسرائيل.
ومصر هي موطن للمنشأتين الوحيدتين لتسييل الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط. وتصدر إسرائيل غازها - بما في ذلك من تمار - إلى مصر، حيث يتم تحويله إلى غاز طبيعي مسال وتصديره إلى أسواق أخرى، وخاصة أوروبا.
وبسبب الحرب، انخفضت إعادة تصدير مصر من الغاز بأكثر من 50% في الربع الرابع من عام 2023 مقارنة بنفس الفترة من عام 2022. وقد سلطت هذه الديناميكية الضوء على اعتماد مصر الاقتصادي على إسرائيل، وهو ما يشكل نقطة ضعف كبيرة بالنسبة للقاهرة على المستوى الإقليمي. في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر في المنطقة بسبب حرب غزة.
ولفت تقرير الجزيرة الإنجليزية إلى أن حاجة نتنياهو الماسة للبقاء في السلطة وتجنب الذهاب إلى السجن تحرك آلة الحرب إلى الأمام، وقد وصلت شعبيته إلى مستوى قياسي منخفض محليًا وقد جادل العديد من المحللين بأنه يحتاج إلى الحرب لمواصلة تجنب عزله من منصبه إذ يواجه نتنياهو قضايا فساد وقالت ثيروس: “إن رفض واشنطن غير العقلاني لمنعه قد يشجع نتنياهو على توسيع القتال إلى سيناء، حتى لو أنهى معاهدة السلام مع مصر”.
إدارة التوقعات للإصلاحات الاقتصادية
وفي الشهر الماضي، التقت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بوزير المالية محمد معيط في واشنطن للتعهد بدعم الولايات المتحدة للاقتصاد المصري والإصلاحات.
وفي الوقت نفسه، كانت هناك مناقشات حول زيادة قرض مصر البالغ 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لمساعدتها على مواجهة الحرب في غزة والأزمة الأمنية في البحر الأحمر. وتشمل العناصر الرئيسية لحزمة الإصلاح الاقتصادي قيام الحكومة المصرية ببيع حصص في العشرات من الشركات المملوكة للدولة، وخفض الدعم، والتحرك نحو سعر صرف مرن، وجعل دور الجيش في الاقتصاد الوطني أكثر شفافية.
ومع ذلك، يحذر المحللون من أن الحرب في غزة والأزمة الأمنية في البحر الأحمر التي جاءت في أعقاب الصدمات الجيوسياسية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا قبل عامين، ربما تجعل المسؤولين المصريين أكثر ترددًا في تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية.
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة، قال رايان بوهل، محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة استخبارات المخاطر RANE، إن صندوق النقد الدولي سيحتاج إلى مراعاة الضغوط المتعددة التي يواجهها صناع السياسة المصريون عند تقديم مطالبهم.