إسرائيل تستهزئ بخطة السلام الأمريكية غير المسبوقة
ذكرت مجلة ذا إيكونوميست البريطانية أن إسرائيل تستهزئ بخطة السلام الأمريكية غير المسبوقة، إذ تقدّم الدول العربية "ضمانات أمنية" رائعة لإسرائيل ولكن نتنياهو يصر على تحدي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وسلطت المجلة الضوء على رد فعل إسرائيل في أعقاب حرب عام 1967، إذ أصرت على مواجهة الإرادة العالمية في إحلال السلام، وبالتالي ووجه الاحتلال بما يعرف باسم اللاءات الثلاث في القمة العربية التي انعقدت في الخرطوم: لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بها، لا مفاوضات، ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الحرب في غزة يبدو أن لها تأثيرًا معاكسًا.
يصرح مسؤولو السعودية، واحدة من أهم الدول العربية، صراحة بنعم للسلام والمفاوضات والاعتراف بالدولة اليهودية – فقط وإذا فقط وافقت إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي احتلته عام 1967 وربما يكون هناك نعم مرتان إضافيتان على الطاولة: نعم ثانية للضمانات الأمنية العربية لإسرائيل، علاوة على العلاقات الدبلوماسية السلمية؛ ونعم ثالثة لمساعدة الدول العربية في إصلاح السلطة الفلسطينية المتمتعة بالحكم الذاتي حتى تكون قادرة على السيطرة على غزة.
ووفقًا للمجلة، التي تصدر في لندن، فإن هذه هي الرسالة التي حملها أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى إسرائيل هذا الأسبوع، بعد عبوره شبه الجزيرة العربية، وهي جولته الإقليمية الخامسة منذ 7 أكتوبر، ولكن المراقب لرد فعل رئيس وزراء سلطات الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن الاحتلال الآن هو الرافض.
وتبدو التوقعات في الشرق الأوسط قاتمة ويتبادل حلفاء إيران في لبنان إطلاق النار بشكل منتظم مع الاحتلال الإسرائيلي؛ وأولئك الموجودون في سوريا والعراق واليمن يهاجمون القوات الأمريكية وقبل يومين من وصول بلينكن، أصابت الضربات الأمريكية ضد القوات المدعومة من إيران 85 هدفًا في المنطقة.
وتشير التقارير إلى استشهاد أكثر من 27 ألف فلسطيني في غزة بعد أربعة أشهر من الحرب، مع نزوح معظم سكان القطاع ومواجهتهم المرض والجوع ويواجه الاحتلال الإسرائيلي اتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية وفي نظر كثيرين، تلطخت سمعة أمريكا أيضًا على خلفية الدعم العسكري والسياسي الذي يقدمه الرئيس جو بايدن لمساعي الاحتلال لتدمير حماس.
ومع ذلك، بينما يتنقل بين القصور العربية الرخامية والمكاتب السياسية الرتيبة في إسرائيل، يسعى بلينكن إلى تحويل كارثة غزة إلى فرصة للسلام وبدا المسؤولون الأمريكيون مبتهجين بمحادثاتهم مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
لقد تم التعامل مع المملكة العربية السعودية ذات يوم على أنها "منبوذة"، على حد تعبير بايدن السابق، وثمة تغير كبير لافت بعد أن أصبحت شريكًا رئيسيًا في الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية الطموحة ويتضمن ذلك تأمين وقفة "ممتدة" للقتال في غزة من خلال تبادل الرهائن والأسرى، وربما يؤدي ذلك بدوره إلى وقف دائم لإطلاق النار، وقبول إسرائيل للدولة الفلسطينية، واعتراف السعودية بإسرائيل والتزامات أمنية أمريكية جديدة.
ويبدو بلينكن مقتنعًا بأن اللحظة التي تعيشها إسرائيل اليوم، بدلًا من عام 1967، أقرب إلى ما بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 والانتفاضة الفلسطينية في عامي 1987 و1991 وفي هذه الفترات، أدت آلام الصراع، على التوالي، إلى معاهدة السلام مع مصر في عام 1979 واتفاقيات أوسلو في عام 1993 التي أدت إلى إنشاء السلطة الفلسطينية ومع ذلك، فإن الطريق إلى اتفاق إقليمي ليس مضمونًا على الإطلاق.
فمن ناحية، فإن اتفاق الرهائن ــ الخطوة الأولى الأساسية في الخطة الأمريكية ــ يرتكز على رجل عزم الاحتلال على قتله: يحيى السنوار، ويزعم الاحتلال أن السنوار يختبئ مع الرهائن في الأنفاق التي بنتها حماس تحت غزة.
ومع ذلك، جلب بلينكن ما اعتقد أنه أخبار تبعث على الأمل على هذه الجبهة وفي 6 فبراير الجاري، أخبره أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، أنه تلقى للتو ردًا من حماس على صفقة الرهائن التي صاغتها إسرائيل وأمريكا ومصر وقطر وقد اعتبرت قطر الرد الحمساوي "إيجابيًا"، وبه بعض العقبات ولكنه قابل للتطبيق من قبل الأمريكيين ولكن نتنياهو، من جانبه وصف مطالب حماس بأنها "وهمية".
إذا تم إطلاق سراح لفلسطينيين محتجزين لدى الاحتلال، فسيكون هناك الكثير من المساومة حول من سيتم إطلاق سراحه وبأي ترتيب وتظل النقطة الشائكة الكبرى هي ما إذا كان القتال سيستمر بعد الهدنة، وتصر حماس على وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيلي من غزة أما الحل الوسط الأرجح هو التوصل إلى اتفاق على مراحل وتأمل أمريكا أن يساعد حتى التوقف المؤقت، قبل بداية شهر رمضان المبارك في أوائل شهر مارس، في تغيير عقلية الجانبين، مما يسمح لهما بالتفكير في "اليوم التالي" لانتهاء الحرب.
كل هذا يسلط الضوء على نتنياهو، الذي أعلن عن نيته القتال من أجل "النصر المطلق" ومعارضته لأي دولة فلسطينية ويريد القادة العرب من أمريكا أن تمارس المزيد من الضغوط عليه. في الوقت الحالي، وعلى الرغم من الخلاف العام المتزايد، تعتقد إدارة بايدن أن وقف تدفق الأسلحة إلى إسرائيل لن يؤدي إلا إلى تشجيع حماس وأعضاء آخرين في "محور المقاومة" الإيراني وبدلا من ذلك، شدد بلينكن على "أهمية اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين في غزة" والسماح بدخول المزيد من الإمدادات الإنسانية. وفي الأول من فبراير، فرضت أمريكا أيضًا عقوبات على أربعة مستوطنين يهود متهمين بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين، وهو الأمر الذي انتقده نتنياهو ووصفه بأنه "إشكالي للغاية".
ويعتقد بلينكن أن المنطقة على مفترق طرق اليوم، وإحدى الطرق تكمن في الخلاص التام، من خلال "مستقبل إيجابي وقوي للغاية" "يدمج إسرائيل بشكل حقيقي في المنطقة ويلبي احتياجاتها الأمنية الأكثر عمقًا"، وأيضًا "يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني".
أما الطريق الآخر فيؤدي إلى الهلاك، مع استمرار القتال في غزة وتصاعد الحرب مع حلفاء إيران وعلى الرغم من أنه لم يوضح ذلك، يبدو بلينكن قلقًا بشأن احتمال تقدم قوات الاحتلال إلى رفح في الطرف الجنوبي من قطاع غزة حيث يتركز الفلسطينيون بشكل متزايد، ويكمن الخطر في دفعهم عبر الحدود وفي محاولة لطمأنة القاهرة، أبلغ وزير الخارجية الأمريكي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأعرب بلينكن عن "رفض أمريكا لأي تهجير قسري للفلسطينيين من غزة".
وتحث أمريكا إسرائيل على الموافقة على "مسار عملي ومحدد زمنيا ولا رجعة فيه لإقامة دولة فلسطينية" كجزء من اتفاق رباعي الأطراف بين أمريكا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية والمملكة العربية السعودية. وستعرض أمريكا معاهدة دفاعية مع السعودية وتكنولوجيا نووية مدنية. سيوافق السلطة الفلسطينية الضعيفة على الإصلاح.
ومن أجل تحسين الصفقة بشكل أكبر، تفكر بعض الدول العربية في تقديم "ضمانات أمنية" إضافية لإسرائيل وهي ضمانات لم يتم تحديدها حتى الآن، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تنطوي على معاهدة دفاع رسمية ولا تمتلك دول الخليج جيوشًا كبيرة، ولا تريد أن تكون في طليعة المواجهة الأمريكية الإسرائيلية مع إيران ولكن قد يكون هناك شيء أكثر مرونة في المستقبل القريب.
وتشمل الخيارات المزيد من تبادل المعلومات الاستخبارية وإنشاء منطقة دفاع جوي مشتركة قوية بل إن البعض يتحدث عن مناورات عسكرية مشتركة، وهو أمر غير معتاد وقال بلينكن إن هذه الدول العربية “مستعدة للقيام بأشياء مع إسرائيل ومن أجلها لم تكن مستعدة للقيام بها في الماضي”.
علاوة على ذلك، تبدو الدول العربية مستعدة لمساعدة السلطة الفلسطينية في إصلاحها من المقرر أن يجتمع وزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن مع مسؤولين من السلطة الفلسطينية في الرياض يوم 8 فبراير لمناقشة إصلاح ملف الحوكمة وتشير بعض المصادر العربية إلى أن الأردن يمكن أن يساعد في تدريب قوات الأمن الفلسطينية، ويمكن للإمارات أن تساعد في تحسين إدارة السلطة الفلسطينية.
وأوضحت الدول العربية أنها لن ترسل قوات حفظ السلام إلى غزة إذا غادر الإسرائيليون غزة ولن يدفعوا تكاليف إعادة بناء القطاع ما لم يكن هناك التزام إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية ومع ذلك، يبدو أنهم يدركون أنهم بحاجة إلى تحمل مسؤولية أكبر فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية القديمة، أو المخاطرة باستغلال إيران وغيرها لهذه القضية لصالحهم.
وختمت المجلة تقريرها بالقول: "في السر، يقال إن نتنياهو أكثر مرونة مما يعلن، فهل يستطيع أن يحمل نفسه على قول نعم للسعوديين؟ وإذا رفض فهل من سيحل محله سيكون أكثر استعدادا؟ والإجابة هي: لا بلينكن ولا أي شخص آخر متأكد من ذلك.