الرؤساء والفنانون.. السادات الذي أحب صُحبة النجوم وأهداهم "عيد الفن" (3-6)
تحدثنا خلال الحلقات السابقة، عن أبرز ملامح علاقة الرئيس جمال عبدالناصر بأهل الفن، وإيمانه التام بدور القوى الناعمة مهم في دعم ثورة 23 يوليو 1952، إلا أن الحلقة الجديدة من سلسلة "الرؤساء والفنانين" تكشف أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات، يعد هو الأقرب إلى الوسط الفني وأهل الفن خلال فترة حكمه.
بل كان السادات الأكثر حرصا من بين الرؤساء المصريين، على التواصل والتفاعل مع الفنانين، وذلك بحكم عشقه للفن منذ الصغر.
وهو ما جعل حقبته الزمنية، هي الأكثر تواصلا بين الرئيس والفنانين، حتى أنه أول من أطلق عيد الفن، كما أنشأ سينما صغيرة في بيته بجانب الحديقة، خاصة أنه في مرحلة شبابه كان يسعى للعمل ممثلا، وبالفعل تقدم للمنتجة آسيا داغر التي لم تقتنع بإمكانياته الفنية آنذاك.
حب الرئيس السادات للفن سبق هذه الفترة بكثير، إذ كان مولعا بالفن منذ الصغر، فخلال مرحلة الثانوية انضم إلى جمعية فنية طلابية، تقدم سينما ومسرح، وخلال تلك الفترة طلبت المنتجة السينمائية عزيزة أمير وجوه جديدة على المسرح، فتقدم هذا الفريق الطلابى والذى كان يضم معهم أنور محمد أنور السادات.
كان السادات أول من قرر تنظيم يوما سنويا للاحتفال بالفنانين والفن المصري، تحت مسمى "عيد الفن" وذلك عام 1976، إذ كان السادات مقتنعا بقيمة الفن وأهميته وتأثيره في حياة الشعوب الفكرية والثقافية، وألقى السادات خلال النسخة الأولى لعيد الفن كلمة مؤثرة أمام مثقفي وفناني مصر قال فيها: "يسعدنى كل السعادة أن ألتقى اليوم بكل فنانى وفنانات مصر وكتابها ومفكريها وقادتها على جميع المستويات، فقد جئنا إلى هنا لنحتفل بعيد الفن، والاحتفال بعيد الفن هو فى الحقيقة احتفال بمصر وبالقيم الإنسانية العليا".
بعدها منح السادات جائزة "الجدارة" وقدرها ألف جنيه لعشرة من الفنانين والكتاب، وذلك بناء على اقتراح أكاديمية الفنون، ومنح شهادة تقدير لعدد من الفنانين والكتاب، بالإضافة إلى قراره بالتأمين الشامل على الفنانين والكتاب والمثقفين.
شهدت أعياد الفن في سنواتها الأولى نشاطا وتفاعلا كبيرا، وتم تكريم مجموعه من رموز الفن المصري في مقدمتهم زينات صدقي، مريم فخر الدين، الموسيقار محمد الموجي، محمود المليجي، المخرج الكبير كمال الملاخ، الفنان حمدي غيث، سعاد حسني، وآخرون.
و خلال فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات التي قاربت 11 عاما، حرص على تكريم الفنانين الذين نسيتهم الكاميرا، أو أصيبوا بأمراض منعتهم من إكمال مسيرتهم الفنية، ومنهم الفنان القدير عبدالوارث عسر، الذي كرمه بعيد الفن قبل رحيله، والفنانة زينات صدقي، وقرب إليه الكثير من الفنانين، منهم المطرب سيد مكاوي الذي غني له "تعيش يا سادات"، وعبدالحليم الذي غني له "عاش اللي قال" وشادية وياسمين الخيام.
لم يكتفي السادات بتكريم الفنانين فقط، بل اتخذ قرارات لصالح الفنانين منها التزام الأجهزة التابعة لوزارة الإعلام بكفالة حق الأداء العلنى فى مجال الإبداع الفني والأدبي للمؤلف والمخرج والمؤدى، بحيث يكون لكل منهم الحق فى مقابل مادى عن كل مرة يقدم فيها العمل للجمهور.
كما قام السادات بتكريم تحية كاريوكا، وكان يعلم بنشاطها الثوري فترة تواجد الإنجليز في مصر، ومساندتها للفدائيين ضد الاحتلال وتهريب السلاح لهم في سيارتها الخاص، كما قامت بمساعدة الرئيس الراحل أنور السادات نفسه في الهروب من الإنجليز، وحينما انتصرت مصر في حرب أكتوبر 1973، قرر منح كاريوكا جائزة في عيد الفن هي والفنان فريد شوقي، وحين صعدت إلى منصة التكريم، صافحها الرئيس وأثنى عليها وعلى تاريخها الوطني المشرف، ومشوارها النضالي والفني.
أتاح الفرصة أمام أفلام ترصد أخطاء حكم ناصر
وبعد انتصار أكتوبر بدأ السادات يتيح الفرصة للفنانين في تقديم أعمال سينمائية تشير للتجاوزات والأخطاء فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر، ومنها أفلام "زائر الفجر"، "الكرنك" وغيرها من الأفلام التي ألقت الضوء على مساوئ عصر عبدالناصر.
الفنان هاني مهنا تحدث عن علاقته بالرئيس السادات، وكشف عن تفاصيل حبه للفنان فريد الأطرش، وقال بإحدى اللقاءات: "كانت تربطني علاقة جيدة بالرئيس السادات فكنت أذهب له في القناطر لأعزف له وهو يغني فكان يحب الغناء لفريد الأطرش ويستدعي صوته ولا يشذ".
وأضاف خلال لقاء تليفزيوني نادر، أن من أفضل أغانيه التي كان يحب أن يرددها السادات "قلبي ومفتاحه" و"أول همسة"، وكان من جمهوره أيضا المهندس سيد مرعي مساعد رئيس الجمهورية آنذاك، وحارسة الخاص فوزي عبد الحافظ، مؤكدا أن السادات كان متذوقا جيدا للموسيقى.
ويروي "مهنا" أن السادات، كان يحب مشاهدة الأفلام القديمة لكل من أسمهان وفريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم، ولكنه كان دائما ما يحب مشاهدة أفلام فريد الأطرش وكان مولعا بها ويشاهدها كثيرا.
كما كان السادات على اتصال دائم مع فريد الأطرش حينما شغل منصب الأمين العام للمؤتمر الإسلامي العالمي، ويروي أنه ذات مره خلال حديثه مع فريد الأطرش، عرض الأخير عوامته لاستضافة الضيوف المهمين، وبالفعل استقبل فيها السادات قادة العرب والضيوف البارزين.
يتجلى تقدير السادات للفن وأهله في موقفه مع الفنانة الراحلة نجمة إبراهيم، التي منحها معاشا استثنائيا عام 1972، وظلت تتقاضاه حتى آخر أيام عمرها 4 يونيو 1976، بعد أن قدمت للمسرح حوالي 70 مسرحية، و60 فيلما، كان آخرها فيلم "صراع الأبطال".
ربط السادات بعالم الفن وقائع أخرى كثيرة، نابعة من علاقته ببعض الفنانين الذين عاشوا فترات في المؤسسات العسكرية، ومنهم على سبيل المثال الفنان الراحل صلاح ذو الفقار، والذي تخرج من كلية الشرطة عام 1946، وضمت دفعته 4 ضباط تولوا على فترات مختلفة منصب وزير الداخلية، وهم أحمد رشدى، النبوى إسماعيل، زكى بدر، وعبد الحليم موسى، وهو الضابط الفنان الذي أحيل إلى المحاكمة العسكرية، بعد تورطه في تهريب أحد الضباط المتهمين في قضية قتل أمين عثمان "وزير المالية في حكومة الوفد"، وكان هذا المتهم الهارب هو الرئيس محمد أنور السادات، وكان الفنان الراحل وقتها يحمل رتبة ملازم أول، ومكلف بالحراسة.
فشل في العمل كـ ممثل وجسد هارون الرشيد في السجن
لم ينكر السادات في جلساته بحثه عن الفرصة ليكون ممثلا، كما روي في سيرته الذاتية أن أصدقاءه أعجبوا بموهبته في التمثيل، فكان يقلدهم دائما في جلساتهم.
كما يروي السادات أنه تقدم لتجربة أداء في الفيلم السينمائي "تيتا وونج"، بعد أن قرأ إعلانا طلبت فيه الفنانة أمينة محمد -خالة الفنانة أمينة رزق- وجوها جديدة، فتوجه السادات إلى مقر الشركة المنتجة في عمارة بشارع إبراهيم باشا، حيث التقى الفنانة أمينة محمد مع نحو 20 شابا تقدموا للفقرة نفسها، اختارت منهم اثنين فقط، لم يكن بينهم السادات "لأن ملامحه لم تكن سينمائية" -على حد وصفه- بمذكراته، والتي روى فيها، أنه نظم في السجن مع زملائه مسرحية عن هارون الرشيد ولعب بها شخصية هارون الرشيد.