الإثنين 07 أبريل 2025 الموافق 09 شوال 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

سيناتور أمريكي يلقي خطابًا لمدة 19 ساعة متواصلة اعتراضًا على قطع ترامب أرزاق الأمريكيين

الرئيس نيوز

في حدث استثنائي شهدته قاعة مجلس الشيوخ الأمريكي، ألقى السيناتور الديمقراطي كوري بوكر من ولاية نيوجيرسي خطابًا ماراثونيًا استمر لمدة 19 ساعة متواصلة، وذلك في محاولة للاحتجاج على سياسات الرئيس دونالد ترامب التي يرى أنها تهدد أرزاق المواطنين الأمريكيين.

بدأ بوكر خطابه مساء يوم الإثنين 31 مارس 2025، واستمر حتى عصر الثلاثاء 1 أبريل 2025، في خطوة تهدف إلى لفت الانتباه إلى ما وصفه بـ"الخطر الجسيم والعاجل" الذي تشكله إدارة ترامب على الاقتصاد الأمريكي والطبقة العاملة.

 ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 1 أبريل 2025، فقد سعى بوكر من خلال هذا الخطاب إلى تعطيل الأعمال الروتينية لمجلس الشيوخ، معبرًا عن مخاوفه من التخفيضات الحادة في الوظائف الفيدرالية التي يقودها ترامب ومستشاره إيلون ماسك عبر ما يسمى بـ"إدارة الكفاءة الحكومية" وأنشطتها التي راح ضحيتها دخل الكثيرين من الموظفين الفيدراليين وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

بداية الخطاب والدوافع وراءه

بدأ السناتور بوكر خطابه في السابعة مساءً بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة، معلنًا أنه سيقف على منصة مجلس الشيوخ "طالما كان قادرًا جسديًا" للتعبير عن رفضه لسياسات ترامب. وفي كلمته الافتتاحية، أكد أن البلاد تمر بـ"أزمة غير مسبوقة" نتيجة قرارات الإدارة الجديدة التي تولت السلطة في بداية عام 2025. وركز بوكر بشكل خاص على التخفيضات الكبيرة في الوظائف الحكومية، التي تجاوزت 100،000 وظيفة في غضون أشهر قليلة، وهي خطوة بررها ترامب بضرورة "تقليص البيروقراطية" وزيادة الكفاءة، لكنها أثارت استياءً واسعًا بين النقابات العمالية والديمقراطيين، وفقا لشبكة إل بي سي الإخبارية.

لم يكن هذا الخطاب مجرد احتجاج رمزي، بل جاء كرد فعل على ضغوط متزايدة من قاعدة الحزب الديمقراطي التي طالبت قادتها باتخاذ موقف أكثر صرامة ضد ترامب. فقد شعر العديد من الناخبين الديمقراطيين بالإحباط من تقاعس قادة الحزب، مثل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، في مواجهة ما وصفوه بـ"التغييرات الجذرية" التي فرضتها إدارة ترامب على الهيكل الحكومي والاقتصادي.

تفاصيل الخطاب وأبرز الموضوعات

خلال الـ19 ساعة، تناول بوكر مجموعة واسعة من القضايا التي ترتبط مباشرة بتأثير سياسات ترامب على حياة الأمريكيين العاديين. تحدث السناتور عن التخفيضات في برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية مثل "ميديكيد"، مشيرًا إلى قصص مواطنين من ولايته، نيوجيرسي، الذين تأثروا سلبًا بهذه الإجراءات. على سبيل المثال، روى قصة أم عازبة فقدت وظيفتها في مكتب حكومي محلي بسبب إغلاقه، مما تركها دون مصدر دخل أو تأمين صحي.

كما انتقد بوكر دور إيلون ماسك، الذي يقود "إدارة الكفاءة الحكومية"، واصفًا إياه بأنه "مهندس الفوضى" الذي يهدف إلى تفكيك النظام الاجتماعي الأمريكي لصالح مصالح الشركات الكبرى. وأشار إلى أن هذه التخفيضات ليست مجرد إجراءات إدارية، بل "هجوم متعمد على الطبقة الوسطى والعاملة"، مستشهدًا بإحصاءات تشير إلى أن أكثر من 60% من الوظائف المفقودة كانت تشغلها نساء وأقليات.

لم يكتفِ بوكر بالتركيز على الاقتصاد المحلي، بل توسع في حديثه ليشمل تداعيات سياسات ترامب الخارجية، مثل فرض تعريفات جمركية جديدة أثرت على الصناعات الأمريكية المعتمدة على التصدير، وتقليص المساعدات الدولية التي كانت تدعم الاستقرار في مناطق مثل أوكرانيا. وفي لحظات عاطفية، كاد صوته يتقطع وهو يتحدث عن "الألم الذي يشعر به المواطنون" نتيجة هذه القرارات.

سياق تاريخي ومقارنة بالخطابات السابقة
لم يكن خطاب بوكر الأطول في تاريخ مجلس الشيوخ، حيث يظل الرقم القياسي مسجلًا باسم السناتور الجمهوري ستروم ثورموند الذي تحدث لمدة 24 ساعة و18 دقيقة في عام 1957 احتجاجًا على تشريع الحقوق المدنية. ومع ذلك، فإن خطاب بوكر يعد واحدًا من أبرز الاحتجاجات السياسية في العصر الحديث، متجاوزًا خطابات أخرى شهيرة مثل خطاب تيد كروز الذي استمر 21 ساعة في 2013 ضد قانون الرعاية الصحية.

ما يميز خطاب بوكر هو أنه لم يكن "فيليباستر" تقليديًا يهدف إلى منع تصويت معين، بل كان تعبيرًا عن موقف أخلاقي وسياسي. وقد استلهم بوكر، وهو أول سناتور أسود من نيوجيرسي، من إرث النائب الراحل جون لويس، الذي دعا إلى "المتاعب الجيدة" في سبيل العدالة. وفي ختام خطابه، قال بوكر: "ليس الأمر يمينًا أو يسارًا، بل صحيحًا أو خاطئًا"، مشددًا على أن هدفه كان إيقاظ الضمير الوطني.

ردود الفعل والتأثير السياسي
أثار خطاب بوكر ردود فعل متباينة. فقد أشاد به الديمقراطيون، حيث قال السيناتور تيم كين من فرجينيا إنه "يدعم جهود بوكر"، بينما اعتبره الجمهوريون مجرد "عرض مسرحي". وفي تعليق له، قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثون إن "مثل هذه الخطوات لن تغير مسار السياسات التي اختارها الشعب الأمريكي في الانتخابات".

من جانبها، أبدت قاعدة الحزب الديمقراطي تفاؤلًا حذرًا، حيث رأى البعض أن هذا الخطاب قد يشعل شرارة مقاومة أكبر ضد ترامب. ومع ذلك، أشار محللون سياسيون إلى أن تأثيره الفعلي قد يكون محدودًا في ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، مما يجعل من الصعب على الديمقراطيين إيقاف هذه التخفيضات تشريعيًا.

التحديات البدنية والتكتيكات
خلال الخطاب، واجه بوكر تحديات بدنية كبيرة، حيث أشار لاحقًا إلى أنه صام لأيام قبل الخطاب للتحضير، لكنه عانى من تشنجات عضلية وإرهاق شديد. وقد لجأ إلى تكتيكات مثل تغيير وضعيته خلف المنصة والاستماع لأسئلة زملائه الديمقراطيين لأخذ فترات راحة قصيرة، وهي استراتيجية مسموح بها بموجب قواعد المجلس.

الخاتمة: دلالات وتوقعات
يمثل خطاب كوري بوكر الماراثوني لحظة بارزة في السياسة الأمريكية الحديثة، حيث يعكس حالة الاستقطاب العميق بين الديمقراطيين والجمهوريين في عهد ترامب الثاني. ورغم أن الخطاب لم يوقف التخفيضات في الوظائف، فإنه نجح في إعادة إشعال النقاش حول دور الحكومة الفيدرالية في حياة المواطنين. وبينما يواصل ترامب تنفيذ أجندته، يبقى السؤال: هل سيكون هذا الخطاب بداية لمقاومة أوسع، أم مجرد صرخة في مواجهة عاصفة لا يمكن إيقافها؟ المستقبل وحده سيجيب، لكن ما هو مؤكد أن بوكر قد ترك بصمة لا تُنسى في تاريخ مجلس الشيوخ.

وذكرت "بي بي سي" أن السناتور كوري قد استعرض في خطابه قصصًا مؤثرة لمواطنين عانوا بسبب تخفيض الوظائف والبرامج الاجتماعية، مسلطًا الضوء على التأثير العميق لهذه السياسات.

وأشارت صحيفة "الجارديان" إلى أن خطاب بوكر كان بمثابة "صرخة أخلاقية" تهدف إلى مواجهة ما وصفه بالآثار السلبية لسياسات ترامب الاقتصادية. وقد ركز التقرير على أهمية الخطاب في إعادة إثارة الجدل حول دور الحكومة في تحسين حياة المواطنين الأمريكيين.

وعلقت شبكة "آر تي إي" على أن خطاب بوكر لم يكن مجرد تعبير رمزي عن الاعتراض، بل محاولة لتعطيل الأعمال المعتادة لمجلس الشيوخ. وذكرت أن ردود الفعل على الخطاب كانت متباينة، حيث وصفه الديمقراطيون بأنه جهد بطولي، بينما اعتبره الجمهوريون استعراضًا سياسيًا