"جوهر البحث عن السلطة بالشرق الأوسط".. أين تكمن أهمية غزة؟
بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، هناك أمر واحد لا جدال فيه: ألا وهو أن المنطقة المعزولة لفترة طويلة عادت إلى موقع الصدارة في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتقول مجلة فورين أفيرز إنه على مدار العقدين الماضيين، عندما فرضت إسرائيل حصارًا جويًا وبحريًا وبريًا على غزة، بدا وكأن قادة العالم والهيئات الدولية تفترض أن القطاع المكتظ الذي يسكنه 2.3 مليون فلسطيني من الممكن استبعاده إلى أجل غير مسمى من المعادلة الإقليمية.
وفاجأ الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر إسرائيل وقسم كبير من العالم على حين غرة، وكشف عن العيوب الهائلة في هذا الافتراض والحقيقة أن الحرب الآن أعادت ترتيب أوراق القضية الفلسطينية برمتها، ووضعت غزة وشعبها في المركز من أي مفاوضات إسرائيلية فلسطينية في المستقبل.
لكن صدارة غزة اليوم لا ينبغي أن تشكل مفاجأة وعلى الرغم من أن القليل مما نتذكره اليوم، فإن تاريخ المنطقة الذي يمتد لأربعة آلاف عام يوضح أن السنوات الستة عشر الماضية كانت الاستثناء ولم تكن القاعدة، فقد لعب قطاع غزة دائمًا دورًا محوريًا في الديناميكيات السياسية في المنطقة، فضلًا عن صراعاته القديمة حول الدين والقوة العسكرية، ومنذ فترة الانتداب البريطاني في أوائل القرن العشرين، كانت المنطقة أيضًا في قلب القومية الفلسطينية.
ولذلك، فإن أي محاولة لإعادة بناء غزة بعد هذه الحرب المدمرة من غير المرجح أن تنجح إذا لم تأخذ في الاعتبار الموقع الاستراتيجي للقطاع في المنطقة ولا يمكن تحقيق نزع السلاح في القطاع إلا من خلال رفع الحصار الكارثي وطرح رؤية إيجابية لتنميته الاقتصادية وبدلا من محاولة حصار القطاع أو عزله سياسيا، يتعين على القوى الدولية أن تعمل معا للسماح لغزة باستعادة دورها التاريخي كواحة مزدهرة ومفترق طرق مزدهر، يربط البحر الأبيض المتوسط بشمال أفريقيا والمشرق ويتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يدركوا أن غزة سوف تحتاج إلى أن يكون لها دور مركزي في أي حل دائم للنضال الفلسطيني.
في تناقض صارخ مع واقع الفقر الحالي، والنقص الشديد في المياه، والبؤس الإنساني الذي لا ينتهي، احتفى المؤرخون بواحة غزة، أو وادي غزة، لعدة قرون بسبب خصوبة نباتاتها وبرودة ظلها ولكن قيمتها الاستراتيجية كانت على نفس القدر من الأهمية، لأن غزة تربط مصر ببلاد الشام ويعني موقعها المميز أن الأرض كانت محل نزاع منذ القرن السابع عشر قبل الميلاد، عندما غزا الهكسوس دلتا النيل قادمين من غزة، وفي وقت لاحق من تاريخ المنطقة، اندلعت توترات عنيفة حول الوصول إلى البحر بين الفلسطينيين والقبائل اليهودية المجاورة ثم الممالك.
ومن الأهمية بمكان أن ما أصبح يعرف بقطاع غزة قد تشكل بفعل الصدمات المحورية التي شهدها عام 1948. ففي البداية جاء فشل خطة التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة، والتي، على الرغم من ترحيب القيادة الصهيونية بها، لقيت رفضًا قاطعًا من قبل القوميين الفلسطينيين والدول العربية، مما أدى إلى إطلاق العنان لخطة التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة وبدء الصراع المسلح بين اليهود والعرب.