وسط التصعيد المستمر.. مواقف دول شمال إفريقيا من القضية الفلسطينية
أشار تحليل نشرته موسسة "فالداي كلوب" الفكرية المرموقة إلى أن هناك حاجة ملحة للتحرك الجاد والفعال من كافة الدول لوقف الحرب في غزة وسط تزايد مخاطر اتساع نطاق الحرب فلا بد من إطفاء النار المشتعلة قبل أن تتحول إلى حرب إقليمية أو دولية، وهو السيناريو الأسوأ الذي لا يريد أحد حدوثه.
وكانت الأزمة الأخيرة في غزة غير متوقعة على الإطلاق ومربكة للعالم أجمع، الذي لم يكن مستعدًا لحجم التصعيد الأكبر في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية وكان تأثير الصراع أكثر حدة بالنسبة لدول شمال أفريقيا، حيث تعاني بالفعل من أزمات اقتصادية وسياسية متفاقمة وتعاني المنطقة من عدم الاستقرار في ليبيا والتوتر المزمن بين الجزائر والمغرب كما وجدت مصر نفسها فجأة أمام حرب على حدودها، إذ تجاور طرفي الأزمة، قطاع غزة ودولة الاحتلال.
وتماشيًا مع المشاعر العربية وموقفها التاريخي، أعلنت دول شمال أفريقيا دعمها الكامل للشعب الفلسطيني وتحظى القضية الفلسطينية بدعم عربي وإسلامي لا جدال فيه وقد عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ذلك عندما قال إن "القضية الفلسطينية هي في قلب كل مسلم".
ومع ذلك، فقد اختلفوا قليلًا حول التفاصيل المتعلقة بهذا الدعم وتؤيد بعض الدول، بما فيها مصر، وقفًا فوريًا لإطلاق النار والتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة وحقن الدماء ولكن تونس والجزائر أعربتا عن دعمهما المطلق للفلسطينيين وأعلنتا إدانتهما الكاملة لإسرائيل وقد ظهر هذا الموقف لأول مرة في الوقت الذي صدر فيه بيان في اجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن التطورات في غزة في 11 أكتوبر الماضى ودعا البيان إلى "الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة".
وأدان "قتل المدنيين في قطاع غزة" واختلفت مواقف تونس والجزائر عن مواقف مصر وليبيا والمغرب، حيث تحفظت الدولتان على ذلك البيان الختامي، استنادا إلى رفضهما المساواة بين حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة ذات سيادة مع فلسطين. حدود 1967، مع سياسات إسرائيل المخالفة للمواثيق الدولية وقرارات الشرعية الدولية. وأكدوا أن العدوان الإسرائيلي على غزة يجب إدانته ووقفه فورا.
وجددت تونس تأكيد موقفها بالامتناع عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي قدمته المجموعة العربية في 27 أكتوبر الماضي، والذي يدعو إلى هدنة إنسانية فورية ودائم.
وانتقدت تونس القرار لأنه لم يلبي المطالب المتوقعة وفشل في تضمين “إدانة واضحة وقوية لجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي”.
وسبق ذلك غياب كل من تونس والجزائر عن قمة السلام في القاهرة في 21 أكتوبر الماضي، والتي شاركت فيها ليبيا والمغرب، والتي أعطيت فيها الأولوية لإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة ووقف إطلاق النار.
ويمكن تفسير مثل هذه المواقف في دول شمال أفريقيا في ضوء المظاهرات الكبيرة و"الحركة الشعبية" واسعة النطاق التي شهدتها دعمًا لغزة وشارك الآلاف في مسيرات حاشدة للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين وتأمل السلطات تهدئة الشوارع بمواقف واضحة لا لبس فيها.
ويمكن تبرير الموقفين التونسي والجزائري برغبتهما في منع المعارضة الإسلامية القوية في البلدين من الحصول على فرصة المزايدة على الموقف الرسمي واستغلال التطورات في غزة لتحريض الناس على وخاضت الحكومة الجزائرية مواجهة تاريخية مع الإسلاميين كذلك، لا تزال الحكومة التونسية تكافح من أجل تذويب نفوذ تنظيم الإخوان الذي سيطر على مفاصل الدولة التونسية في أعقاب ثورة 2011.
وفي هذا السياق، نجحت المواقف الرسمية لدول شمال أفريقيا في استيعاب الكثير لتهدئة الغضب الشعبي وخلق توافقات وطنية وعربية لدعم الفلسطينيين كما نجحت في تحقيق الإجماع الدولي، وهو ما تجلى في التأييد الواسع النطاق لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.
في المقابل، تميزت القاهرة عن بقية دول شمال أفريقيا بتركيزها الواضح على رفض عملية تهجير الفلسطينيين من غزة، باعتبار أن مصر تشترك في حدود مع القطاع.
وحذر الرئيس عبد الفتاح السيسي من أن "تهجير" الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية قد يتسبب في حدوث الشيء نفسه للفلسطينيين من الضفة الغربية، الذين سيواجهون التهجير إلى الأردن.
وشكك في الدوافع الحقيقية وراء هذا التهجير، وذكر صحراء النقب في إسرائيل كبديل منطقي وأكد أن مصر لن تسمح أبدًا بمثل هذا النزوح لأسباب عديدة. ومن أهمها أن التهجير يشكل خطرًا على القضية الفلسطينية نفسها وتهجير الفلسطينيين من أرضهم يعني تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل وضياع أي فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية وهذا موقف تاريخي لمصر.
ورفضت منح الجنسية المصرية للنازحين من فلسطين خلال القرن الماضي في محاولة للحفاظ على هويتهم الفلسطينية وحقهم في العودة إلى وطنهم بالإضافة إلى ذلك، فإن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء من شأنه أن يقوض السلام بين مصر وإسرائيل، لأنه يستلزم نقل القتال، وتحويل سيناء إلى قاعدة يمكن انطلاق العمليات ضد إسرائيل. وقد يؤدي ذلك إلى المخاطرة بجر البلدين إلى مواجهات عسكرية والإضرار بالسلام المستقر بينهما.
علاوة على ذلك، فإن تهجير الفلسطينيين يعني نقل فكرة المقاومة من غزة إلى سيناء وينطوي ذلك على تهديد مباشر للأمن القومي المصري والاستقرار السياسي، مع مخاوف من تدفق المتطرفين والإرهابيين إلى سيناء تحت ذريعة "الجهاد".