الفيلم المصري "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن" ينافس في مهرجان كان

أعلنت إدارة مهرجان كان السينمائي الدولي عن اختيار الفيلم المصري "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن" للمخرج مراد مصطفى للمشاركة في مسابقة "نظرة ما" ضمن فعاليات الدورة الثامنة والسبعين للمهرجان، المقرر إقامتها من 13 إلى 24 مايو 2025 في مدينة كان الفرنسية.
وأشار موقع "Screen Daily" المتخصص في الأخبار السينمائية، إلى أن هذا الفيلم يمثل إضافة قوية للقائمة الرسمية للمهرجان، لما يحمله من رؤية فنية جريئة تسلط الضوء على قضايا إنسانية معاصرة.
يعد هذا الاختيار إنجازًا بارزًا للسينما المصرية، حيث يواصل الفيلم رحلته العالمية بعد حصده جوائز عديدة في مهرجانات دولية مرموقة، ليؤكد مكانته كعمل فني يعبر الحدود الثقافية والجغرافية.
قصة الفيلم وموضوعه الإنساني
تدور أحداث "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن" حول عائشة، وهي مهاجرة إفريقية في العشرينيات من عمرها تعيش في القاهرة، وتواجه تحديات معقدة في حياتها اليومية. الفيلم يرصد رحلتها النفسية والاجتماعية، ويسلط الضوء على تجربة المهاجرين الأفارقة في مصر، مع التركيز على التوترات التي تواجهها في مجال عملها بالرعاية الصحية. من خلال هذه القصة، يعالج العمل قضايا الهوية، الانتماء، والصراعات الداخلية التي تنشأ في بيئة غالبًا ما تكون غير متسامحة أو غامضة. يقدم الفيلم صورة واقعية ومؤثرة عن حياة اللاجئين، بعيدًا عن الصور النمطية، مما يجعله عملًا فنيًا ذا طابع إنساني عميق.
السيناريو، الذي كتب بالتعاون بين مراد مصطفى، محمد عبدالقادر، وسوسن يوسف، يعكس حساسية عالية في تناول هذه القضايا. يمزج العمل بين الواقعية القاسية واللمسات الشاعرية، مما يخلق توازنًا بصريًا وعاطفيًا يجذب المشاهدين من خلفيات مختلفة. هذا النهج جعل الفيلم يتردد صداه في المهرجانات العالمية، حيث أشاد النقاد بقدرته على تقديم قصة شخصية تمثل في الوقت ذاته تجربة جماعية أوسع.
رؤية سينمائية متميزة
مراد مصطفى، ابن القاهرة، يعد واحدًا من الأصوات السينمائية الشابة الواعدة في مصر. بدأ مسيرته كمساعد مخرج في عدة أفلام مستقلة، قبل أن يترك بصمته كمخرج منفذ في فيلم "سعاد"، الذي نال استحسانًا واسعًا في مهرجاني كان وبرلين عامي 2020 و2021. قدم مصطفى أيضًا فيلمين قصيرين هما "حنة ورد" و"ما لا نعرفه عن مريم"، اللذان عُرضا لأول مرة في مهرجان كليرمون فيران الدولي، أحد أهم المهرجانات المتخصصة في الأفلام القصيرة عالميًا، وحصدا أكثر من 30 جائزة دولية. هذه التجارب مهدت الطريق لفيلمه الروائي الطويل الأول "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن"، الذي يمثل نقلة نوعية في مسيرته.
يتميز أسلوب مصطفى السينمائي بالجمع بين الجماليات البصرية والحساسية الاجتماعية. يعتمد على تصوير طبيعي يعكس تفاصيل الحياة اليومية، مع إيلاء اهتمام خاص بالشخصيات المهمشة التي نادرًا ما تجد صوتًا في السينما التقليدية. اختياره لموضوع المهاجرين في فيلمه يعكس التزامه بإلقاء الضوء على القضايا التي غالبًا ما يتم تجاهلها، مع الحفاظ على لغة سينمائية متماسكة ومؤثرة.
فريق العمل والإنتاج الدولي
يشارك في بطولة الفيلم نخبة من الممثلين الذين يجسدون الشخصيات بأداء طبيعي ومؤثر، على رأسهم بوليانا سيمون، القادمة من جنوب السودان، التي تلعب دور عائشة. إلى جانبها، يظهر زياد ظاظا، عماد غنيم، وممدوح صالح، في أدوار تعكس التنوع الثقافي الذي يطرحه الفيلم. الأداء التمثيلي يعتمد على التلقائية والعمق العاطفي، مما يعزز من واقعية القصة ويجعل الشخصيات قريبة من المشاهد.
من الناحية الإنتاجية، يعد الفيلم نموذجًا للتعاون العربي والدولي. أنتجته سوسن يوسف، التي سبق لها التعاون مع مصطفى في أعمال سابقة مثل "عيسى"، الذي فاز بجائزة "رايل" في أسبوع النقاد بمهرجان كان عام 2023. شارك في الإنتاج شركات من مصر، تونس، السودان، قطر، السعودية، ألمانيا، وفرنسا، بمشاركة أسماء بارزة مثل درة بوشوشة، لينا بن شعبان، أحمد عامر، وشريف فتحي. هذا التعاون الدولي ساهم في توفير موارد إنتاجية عالية الجودة، مما سمح للفيلم بتحقيق رؤيته الفنية بشكل كامل.
مسيرة الفيلم في المهرجانات العالمية
لم يكن اختيار الفيلم في مهرجان كان مفاجئًا، فقد سبق له أن حصد جوائز وتكريمات في عدة محافل دولية. في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام 2024، فاز الفيلم بخمس جوائز في مسابقة "فاينال كات"، من بينها جائزة الدعم الكبرى لأفضل فيلم في مرحلة ما بعد الإنتاج، إلى جانب منح مالية ولوجستية لدعم عمليات تصحيح الألوان ومكساج الصوت. هذه الجوائز عززت من مكانة الفيلم كعمل يجمع بين الجودة الفنية والأهمية الاجتماعية.
كما نال الفيلم دعمًا من مؤسسات سينمائية مرموقة مثل لودج البحر الأحمر، مؤسسة الدوحة للأفلام، صندوق المورد الثقافي، مهرجان الجونة السينمائي، وأكاديمية لوكارنو. إضافة إلى ذلك، شارك الفيلم في برامج تطوير مثل "سينيفوداسيون" و"مصنع السينما" التابعين لمهرجان كان، مما يعكس الثقة العالمية في رؤيته منذ مراحل إنتاجه الأولى. في عام 2022، اختير مشروع الفيلم ضمن قائمة أفضل عشرة مخرجين عالميين في برنامج "مصنع سينما العالم"، وهو ما مهد الطريق لعرضه المرتقب في كان.
أهمية مشاركة الفيلم في مهرجان كان
مسابقة "نظرة ما"، التي يشارك فيها الفيلم، تُعد ثاني أهم الأقسام في مهرجان كان بعد المسابقة الرسمية. تُركز هذه المسابقة على الأعمال المبتكرة التي تقدم وجهات نظر جديدة وجريئة، مما يجعل اختيار "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن" مؤشرًا على قيمته الفنية وقدرته على مناقشة قضايا معاصرة بأسلوب غير تقليدي. المشاركة في هذا القسم تتيح للفيلم فرصة الوصول إلى جمهور عالمي، إلى جانب لفت أنظار الموزعين وصناع السينما الدوليين.
تمثل هذه المشاركة أيضًا إنجازًا للسينما المصرية، التي تشهد نهضة ملحوظة في السنوات الأخيرة من خلال أعمال مستقلة تحظى بتقدير عالمي. الفيلم يعزز من حضور مصر في المحافل السينمائية الكبرى، ويبرز قدرة المخرجين الشباب على تقديم أعمال تنافس نظراءها من السينما العالمية. كما أن اختيار فيلم يتناول قضية المهاجرين في وقت تشهد فيه أوروبا نقاشات حادة حول الهجرة يعكس أهمية السينما كأداة للحوار بين الثقافات.
ردود الفعل والتوقعات
أعرب مراد مصطفى عن فخره وسعادته باختيار فيلمه لمهرجان كان، موجهًا الشكر لفريق العمل على جهودهم الكبيرة في إنجاز هذا المشروع. من جانبها، أشادت المنتجة سوسن يوسف بالتعاون المثمر مع مصطفى، مشيرة إلى أن الفيلم يعكس صدقًا فنيًا وإنسانيًا يجعله جديرًا بهذا التكريم. النقاد الذين شاهدوا الفيلم في عروضه السابقة، مثل مهرجان فينيسيا، أثنوا على قدرته على تقديم تجربة بصرية وعاطفية متوازنة، مع توقعات بأن يترك أثرًا مماثلًا في كان.
مع اقتراب موعد المهرجان، تتجه الأنظار نحو الفيلم لمعرفة كيف سيتم استقباله من قبل الجمهور والنقاد في واحد من أهم المحافل السينمائية العالمية. التوقعات مرتفعة بأن يواصل الفيلم حصد الجوائز، وربما يفتح أبوابًا جديدة للتوزيع الدولي، مما يعزز من تأثيره الثقافي والفني على نطاق أوسع.
ويعتقد النقاد أن "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن" ليس مجرد فيلم، بل هو صوت لمن لا صوت لهم، وحكاية إنسانية تحمل في طياتها الأمل والألم معًا. من خلال اختياره في مهرجان كان، يثبت العمل أن السينما المصرية قادرة على تقديم روايات عالمية تتجاوز الحدود المحلية. بفضل رؤية مراد مصطفى الفنية، وتعاون فريق عمل موهوب، يواصل الفيلم رحلته ليروي قصة عائشة، التي قد لا تستطيع الطيران بعد الآن، لكنها بلا شك تحلق في سماء السينما العالمية.