كيف ناصرت مصر القضية الفلسطينية سينمائيا؟.. ومخرجون: "طوفان الأقصى" قد يعيد النظر فيها
لم تهدأ الأحداث الدامية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، بل تصاعدت في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ممثلة في كتائب عز الدين القسام، ويرتكب جيش الاحتلال مجازر يوميا في حق الشعب الفلسطيني. ولطالما وثقت السينما المصرية الأحداث التي تشهدها فلسطين من جرائم دموية يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبها منذ نحو أكثر من 70 عاما.
وقد شهدت السينما المصرية في نهاية الأربعينات وخلال الخمسينات من القرن الماضي تفاعلا مع القضية الفلسطينية، من خلال تقديم أعمال تلقي الضوء بشكل مباشر على القضية الفلسطينية، وأعمال أخرى كانت تشير في أحداثها إلى القضية دون التعمق في مناقشتها.
المخرج الفلسطيني رائد دزدار: كل حجر في القدس يصلح لعمل فيلم تسجيلي أو روائي
المخرج الفلسطيني رائد دزدار يقول حول دور السينما المصرية والعربية في دعم القضية الفلسطينية، إنه ليس لزاما أن نقدم أفلاما تتناول موضوعات سياسية بالدرجة الأولى، ومن الأفضل تقديم موضوعات تخص الشأن الفلسطيني وليس القضية الفلسطينية والنكبة والاحتلال بشكل سياسي بحت.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"الرئيس نيوز": "هناك موضوعات كثيرة بها تحدي كبير، لأن الحصول على معلومات تخصها صعب جدا ويحتاج مجهود وبحث"، لافتا إلى أن "فلسطين مليئة بالموضوعات المختلفة، وأنا من سكان القدس ويجوز أن أقول لك إن كل حجر في القدس يصلح نعمل عنه فيلم تسجيلي أو روائي، وهناك مئات بل آلاف القصص والحكايات يمكن تقديمها سينمائيا، وأي فنان يستلهم من هذه الأشياء موضوعات قوية، لأنها شواهد على تاريخ فلسطين وهي قصص وموضوعات لا تنضب بمرور الزمن".
وتابع دزدار الحائز على عدة جوائز دولية في السينما: "بشكل عام هناك أعمال لا يجوز أن تقدم، لأننا منذ سنين طويلة في صراع مع الكيان الصهيوني، وهو ليس صراع على الأرض والحدود فقط، ولكنه صراع فكري وحضاري، صراع تاريخي على الهوية، وأنا ضد التطبيع بالمطلق، خاصة التطبيع الثقافي والفني، وأرفض أي عمل يساهم فيه منتج إسرائيلي أو مؤسسة إسرائيلية أو مال إسرائيلي، فلا يمكن أن يوضع “لوجو” لوزارة الثقافة الإسرائيلية أو بلدية الاحتلال، على فيلم لمخرج فلسطيني، ولا أتخيل أن فلسطيني يؤمن بقضية وطنه يفعل ذلك، وهناك إشكالية في التمويل تجعل البعض يضطر للحصول على تمويل من صناديق إسرائيلية، ولكن كأفلام ومشروع ثقافي فلسطيني أرفض ذلك، لأنه مال مسموم، وعندما تضع شعار لأي مؤسسة إسرائيلية على فيلم فلسطيني أو عربي فهي سقطة أخلاقية ومهنية وسياسية".
وحول غياب السينما العربية بشكل عام عن مناقشة وطرح القضية الفلسطينية وإلقاء الضوء عليها، يقول: "للأسف الواقع العربي المتردي خاصة أخر 20 عاما، جعل مجمل القضايا القومية العربية وخاصة قضية فلسطين في تراجع على المستوى القومي بسبب التشتت السياسي، وللأسف المؤسسات الرسمية في الدول العربية أصبحت تتجاهل القضية الفلسطينية ولا تهتم بها، وأصبح هناك أولويات أخرى لديهم، وهناك عامل تمزيق يحدث في الوطن العربي خاصة بعد الربيع العربي، وأصبح هناك اختلافات في وجهات النظر بين الدول العربية وتشتت في التوجهات والرؤى السياسية، وهذا انعكس على السينما والقضايا التي تطرحها وأصبح المنتجين أنفسهم يبتعدوا عن القضايا السياسية والعربية والقومية المهمة".
وأردف قائلا: "للأسف لم يعد هناك إجماع على قضية عربية واحدة، وستجد مثلا الفضائيات العربية نفسها تبحث عن موضوعات خفيفة ليس لها علاقة بالقضايا القومية، وهذا ظلم القضية الفلسطينية بشكل كبير، وإذا رجعت بالزمن قبل 20 عاما ستجد أننا كنا نشاهد طرح للقضية الفلسطينية حتي في الأعمال الكوميدية، وأتصور أن الشعوب العربية مجمعة على حق الشعب الفلسطيني ومؤمنة بقضيته، ولكن المزاج العام للأنظمة الحاكمة والمؤسسات الرسمية لا يميل لهذا الاتجاه، وأصبحت المؤسسات الرسمية ليست معنية بطرح هذه القضية".
واختتم: "أعتقد أن الأحداث الأخيرة وعملية طوفان الأقصى قد أعادت النظر مجددا للقضية الفلسطينية وطريقة تناولها وطرحها في الإعلام، وقد ينعكس هذا الأمر قريبا على السينما ونشاهد أعمالا تلقي الضوء وتناقش عمق القضية، خاصة بعدما قامت به قوات الاحتلال في قطاع غزة مؤخرا".
مجدي أحمد علي: السينما ناقشت القضية الفلسطينية بصورة سطحية
بينما قال المخرج مجدى أحمد: "لا أستطيع أن أقول إن السينما المصرية قدمت دورًا يليق بالقضية الفلسطينية على مدار تاريخها، فبرغم تقديم العديد من الأعمال السينمائية، إلا أن أغلبها ناقش القضية الفلسطينية بصورة سطحية غير متعمقة".
وأردف: "السينما لم تعبر بشكل كامل عن كل هذه التضحيات لأسباب تخص حرية التناول، وأرى أن الأفلام أصبحت حقيقية عن فلسطين عندما بدأ المخرجون الفلسطينيون يتعاملون بشكل محترف ويتناولون القضية من داخلها، فنحن كنا نتناول القضية من وجهة نظر مصر وباعتبارها شعارات عامة تخص القومية العربية، لكن معاناة الشعب الفلسطيني الحقيقية لم يقدمها فيلم مصري بشكل مناسب".
وأوضح مجدي أحمد علي: "كنت أتمنى تقديم أفلام عن القضية الفلسطينية، لكن هذا يستدعى أن تكون هناك حرية وأسافر، فالمخرج رشيد مشهراوي كان داخل الأراضي المحتلة، ويستطيع أن يسافر بحرية ويقدم أفلامًا عن الأراضي المحتلة، ونحن ليس لدينا هذه المساحة، خاصة بعد عمليات التطبيع بغض النظر عن صحة القرار، فالنقابة أخذت قرارًا بعدم التطبيع وعدم السفر للأراضي المحتلة، ونحن احترمنا القرار، فلم نستطع الانفتاح على عوالم القضية".
وفي السياق، يرصد "الرئيس نيوز" في تقريره دور السينما المصرية في دعم القضية الفلسطينية، وما قدمته منذ أربعينات القرن الماضي وحتى اليوم.
أبرز الأعمال السينمائية التي ألقت الضوء على القضية الفلسطينية
- أفلام ما قبل وبعد ثورة يوليو 52 عن القضية الفلسطينية
في نوفمبر عام 1948 بسينما رويال، عُرض لأول مرة فيلم "فتاة من فلسطين"، الذي أنتجته عزيزة أمير، وكانت سبَّاقة في إنتاج أول فيلم سينمائي عربي مصري يتحدث عن القضية الفلسطينية، وهو الفيلم الذي أخرجه وقام ببطولته زوجها محمود ذو الفقار، وباختيار جريء جدًّا منها قامت سعاد محمد للبطولة لتؤدي دور "سلمى" الفتاة الفلسطينية التي تغادر من فلسطين إلى مصر، بعد أن قتلت العصابات اليهودية والدها.
يبدأ الفيلم بسلمى وهي في القطار الذي كان يسير مباشرة بين البلدين في إشارة لعمق العلاقات التجارية وعلاقات النسب، حيث قال لها والدها قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة: (روحي لأهلك في مصر)، الفيلم تأليف يوسف جوهر، وأغانيه من كلمات الشاعر بيرم التونسي وألحان رياض السنباطي والقصبجي، واحتوى الأغنية الشهيرة والجميلة "يا مجاهد في سبيل الله".
بالرغم من عدم نجاح الفيلم جماهيريا، إلا أن عزيزة أمير أعقبته بفيلم "نادية" عام 1949، وكان التجربة الإخراجية الأولى لفطين عبد الوهاب وسيناريو وحوار يوسف جوهر أيضًا، وقامت عزيزة أمير بنفسها بالبطولة بجانب محمود ذو الفقار وسليمان نجيب وشادية.
وبعد ثورة يوليو 1952 أنتجت بعض الأفلام التي ألقت الضوء على القضية الفلسطينية ولكن بشكل بسيط وغير مباشر، وكان أول فيلم تم إنتاجه يتحدث عن هذه القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر لأن قصته كانت تدور حول الأسلحة الفاسدة بشكل مباشر، ولكنه أشار للقضية الفلسطينية ودور الشباب المصري في الحرب من أجل فلسطين، وهو فيلم "أرض الأبطال" عام 1953 من إخراج نيازي مصطفى وإنتاج وتأليف وبطولة جمال فارس، وتدور أحداث الفيلم بشكل محوري حول الفدائيين المصريين وبسالتهم في الحرب، ففي مشهد من الفيلم كان العنوان الرئيسي في جريدة: (الشباب المصري يتسابق للتطوع في الجهاد).
عام 1955 أنتج استديو مصر فيلم "الله معنا" من تأليف إحسان عبد القدوس وإخراج أحمد بدرخان، والذي كان يدور موضوعه الأساسي عن قضية الأسلحة الفاسدة التي كانت سببًا في هزيمة الجيش المصري في حرب 48، وفي قصة الفيلم يفقد النقيب "أحمد" الذي قام بدوره "عماد حمدي" ذراعه بسبب تجارة عمه الثري "عبد العزيز باشا" الذي قام بدوره "محمود المليجي" في الأسلحة الفاسدة، وشاركت في البطولة فاتن حمامة، وكانت القضية الفلسطينية صوتها خافت في خلفية الفيلم.
"أرض السلام" أول فيلم يصور داخل الأراضي المحتلة
في عام 1957 أخرج كمال الشيخ فيلم "أرض السلام" الذي استخدمت فيه اللهجة الفلسطينية لمجموعة من الممثلين المصريين، وشارك في بطولة الفيلم فاتن حمامة وعمر الشريف وتوفيق الدقن، ويدور الفيلم بشكل أساسي عن الفدائي المصري "أحمد" الذي يقوم بدوره عمر الشريف ومهمته تفجير خزانات بنزين للجيش الإسرائيلي، ويصادف بجانب موقع الخزانات حصنًا استقرت فيه عائلات فلسطينية هربت بعد مذبحة دير ياسين، وكان هناك تركيز شديد على الفلسطينيين الشاكرين للفدائي المصري، وتكرارهم طوال الوقت أنهم فداء للفدائي المصري، ويعد فيلم "أرض السلام" أول الأفلام التي صورت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
- حقبة السبعينات والثمانينات شهدت تهميش القضية الفلسطينية سينمائيا
شهدت فترة ما بعد نصر أكتوبر 1973 وتوقيع اتفاقية السلام بين مصر والكيان المحتل، حالة من الخفوت الفني والسينمائي تجاه القضية الفلسطينية، وبنهاية الثمانينات ومع مطلع التسعينات قدمت السينما المصرية فيلم "ناجي العلي" عام 1992، وأثار ضجة في مصر ومنع من العرض وقتها.
"ناجي العلي" الفيلم الذي أثار جدلا ومنع عرضه 22 عاما
وكان فيلم "ناجي العلي" أول عمل سينمائي يتعرض لرمز ثقافي نضالي فلسطيني، هو محور السرد داخل الفيلم، من خلال استعراض أحداث وتواريخ تتعلق بفلسطين وقضيتها الوطنية من خلال سيرة ومسيرة مبدع فلسطيني وصل لشهرة عالمية.
يبدأ النص السينمائي للفيلم، قبل بضعة أشهر من تاريخ اغتصاب فلسطين، ويرصد عمليات الكيان المحتل في تفجير المساكن، وتشريد أهالي القرى الفلسطينية، ثم انتهاء الانتداب البريطاني، وأخيرًا إعلان الدولة الصهيونية، في 15 مايو 1948، إلى أن يأتي ختام الفيلم، بتوقف قلب ناجي العلي، داخل مستشفى بلندن عقب اغتياله صيف عام 1987، والفيلم قام ببطولته نور الشريف وأخرجه عاطف الطيب وكتب له السيناريو والحوار بشير الديك.
وتبدأ أحداث فيلم "ناجي العلي" في لندن بمشهد اغتياله، ثم يسرد بطريقة الفلاش باك قصة طفولته وشبابه وانتقالاته بين البلدان، كما طرح الفيلم أراء بطله في الحكام العرب ومن ضمنهم أنور السادات، مما جعل إبراهيم سعدة يشن حملة ضد الفيلم ويتهم صناعة بتلقي تمويل من منظمة التحرير لتشويه دور مصر، مما جعل ياسر عرفات يمنع عرضه لإخلاء مسئولية منظمة التحرير عن تمويل الفيلم، خاصة أن الفيلم نفسه ألمح لوجود علاقة بين منظمة التحرير واغتيال ناجي العلي، وتسبب الفيلم في أزمة كبيرة لصناعه وعلى رأسهم الفنان نور الشريف، وظل ممنوعًا من العرض 22 عامًا.
- مرحلة الألفينات شهد ثراء في طرح القضية الفلسطينية سينمائيا
مع بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية منذ سبتمبر 2000، وأحداث استشهاد محمد الدرة، بدأت السينما المصرية تعود مجددا لطرح القضية الفلسطينية خلال العديد من الأعمال، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في أغلب أعمال المرحلة حتى الكوميدية منها.
مجموعة أفلام تجارية ألقت الضوء على القضية الفلسطينية
وفي عام 2001 قدم المنتج محمد العدل فيلم "أصحاب ولا بيزنس" بطولة مصطفى قمر وهاني سلامة وعمرو واكد، وألقى الضوء بشكل مباشر على القضية الفلسطينية، بل أنه عم فكرة المقاومة والعمليات الانتحارية لمواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال شخصية "جهاد" التي قدمها عمرو واكد.
و طرحت القضية الفلسطينية كمحور رئيسي وليس كرمز في فيلم "بركان الغضب" لتامر هجرس وإخراج اللبناني مازن الجبلي عام 2002، وتدور أحداثه بين مصر ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين بجنوب لبنان، البطل هو "خالد" الفدائي الفلسطيني الذي يسعى إلى حل عملي وجذري للقضية الفلسطينية، فيتوجه إلى مصر لعقد صفقة سلاح، ويتعرض في رحلته لصعوبات عديدة، ولكنه يتخطاها جميعا، لتنتهي أحداث الفيلم بتوجيه رسالة مفادها أن الفلسطينيين في حاجة إلى سلاح، ولن يتحقق ذلك إلا بيد كل العرب بعد أن يوحدوا صفوفهم.
وعام 2004 قدم فيلم "باب الشمس" الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للأديب إلياس خوري، وإخراج المصري يسري نصر الله عام 2004، ونجح الفيلم في تقديم القضية الفلسطينية التي حكمت المشهد السياسي العربي طيلة ستين عامًا بشكل إنساني أعاد للقضية نفسها حضورها الإنساني بعرضه في أوروبا والعالم العربي، وأعاد التذكير بأن فلسطين ليست مجرد عمليات تفجير وقتل وليست مجرد علم إسرائيلي يحرق أو مشاهد لقتل الأطفال والنساء بل هي تاريخ من لحم ودم.
وفي عام 2005 قدّم عادل إمام الفيلم الكوميدي "السفارة في العمارة"، إخراج عمرو عرفة وتأليف يوسف معاطي، وسلط الفيلم الضوء أيضًا على الطفل الفلسطيني الذي يعيش خارج بلده ويسعى جاهدا للعودة إليها والمشاركة في الانتفاضة، وبالفعل يستشهد بعد عودته لوطنه فلسطين برصاص جنود الاحتلال.
أيضا الفنان محمد هنيدي من خلال أعماله الكوميدية مثل "صعيدي في الجامعة الأمريكية" و"همام في أمستردام" أشار للقضية الفلسطينية، وذلك من خلال عدة مشاهد منها حرق العلم الإسرائيلي ومشاهد اقتحام المسجد الأقصى وغيرها خلال فترة الألفينات.
وفي 2009 كانت تجربة جديدة وفريدة بفيلم "ولاد العم" بطولة كريم عبدالعزيز وشريف منير، وتأليف عمرو سمير عاطف وإخرج شريف عرفة، وألقى الفيلم الضوء على مجازر الاحتلال والقصف الجوي لفلسطين، واختُتم بالجملة الشهيرة لضابط المخابرات المصري وهو ينظر إلى الأراضي الفلسطينية قبل رحيله (هنرجع بس مش دلوقتي).