حكاية منع شارون من دخول الإسماعيلية.. تفاصيل معركة أبو عطوة
- شارون يصرخ: "دباباتى تدمر وجنودى تموت أمام شياطين المظلات"
شهادات جديدة تخط سطرا جديدا في قصة تاريخية طويلة تحكي جزءا من المؤكد أنه ليس الأخير في حكاية وطن أبى إلا أن تكون هامته تناطح السحاب.
الشهادات الجديدة هي لمجموعة من الضباط الذين نالوا شرف الدفاع عن الأرض حتى تحريرها من المحتل الإسرائيلي الغاصب، وهنا يحكي الرقيب أول عزالدين أبوطالب على عاشور، أحد أبطال سلاح المظلات فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، شهادته على أيام النصر، وبطولاته مع زملائه طيلة أيام حرب أكتوبر المجيدة، ومن أبرزها تصديه مع رجال القوات المسلحة لمحاولات العدو الإسرائيلى المستميتة، بقيادة أرئيل شارون، لاقتحام مدينة الإسماعيلية، أثناء معركة الثغرة وبعدها.
أبو طالب وثق شهادته خلال حديثه مع برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على فضائية «إكسترا نيوز»، عن مدى صعوبة التدريبات التى خضع لها رجال القوات المسلحة المصرية قبل حرب أكتوبر، استعدادًا للنصر، وتطور الحالة المعنوية للشعب المصرى وجنوده منذ نكسة ١٩٦٧ حتى تنفيذ ملحمة العبور لتحرير الأرض. وقال إن شعارهم في التدريب كان ا"لعرق في التدريب يوفر الدم في المعركة".
أبو طالب بدأ حديثه بالقول: "دخلت القوات المسلحة فى شهر نوفمبر ١٩٦٩، وكنت فى البداية ضمن قوات الصاعقة، وحصلت على فرقة ٤٩ صاعقة، ومكثت سنة فى مركز قوات الصاعقة، ثم تم نقلى لمركز تدريب المظلات، وحصلت على الفرقة ١٣٠ مظلات، ثم تم توزيعى على كتيبة مظلات فى عام ١٩٧١، وكان بها لواء جديد مهمته الإسقاط خلف خطوط العدو، وكانت تلك مهمتنا الأساسية حتى حرب أكتوبر ١٩٧٣. وخلال هذه الفترة تم تنفيذ مشاريع تدريب بالإسقاط بالمظلات، ومشاريع بالذخيرة الحية والصوتية، وكان يحضرها الرئيس أنور السادات بنفسه أحيانًا، وكان الجو العام لهذه المشاريع يشبه جو المعركة بالفعل، فقد كانت لدينا فى القطامية نقاط تدريب مماثلة للنقاط الحصينة لخط بارليف، وقد تدربنا عليها، وكذلك كانت هناك مناطق تشبه الممرات فى أبورواش، وكان يتم تدريبنا على كل هذه النقاط لتعطيل العدو من الخلف؛ حتى إتمام العبور ونصب الكبارى على الممر المائى".
يتابع: “ظروف المعيشة كانت تشبه ظروف الحرب، فهناك مطبخ ميدانى وتعيينات جافة وإجازات منقطعة، وخلال تلك الفترة كانت الحالة المعنوية للشعب والجنود منخفضة نتيجة النكسة، ولأن الجيش لم يحارب فى ١٩٦٧، وكنا نزيد من التدريب ليزداد الإصرار والعزم على تحرير سيناء. وكان الفريق سعدالدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقتها، يزورنا باستمرار لرفع الروح المعنوية، ويقول إن الأرض لا بد أن تتحرر، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وكانت العزيمة تنتظر اليوم الذى ستتحرر فيه الأرض، وكان التدريب يتم بالاشتراك بين مختلف الأسلحة داخل القوات المسلحة. وعندما كنا نعود لمنازلنا فى الإجازات، كان الجميع يسأل عن طرق الاستعداد للحرب وتفاصيل الاستعدادات، ولكننا لم نكن نتحدث عن كل الكواليس، بل كنا نطمئن الجميع على التدريبات، ونؤكد أن الجيش فى استعداد تام للحرب، وأن وضع الجيش مختلف عما كان عليه فى النكسة، لأن الصورة التى رسمت بعد النكسة هزمت معنويات الشعب، وكان لا بد من إرسال رسالة طمأنة حول «النصر أو الشهادة»، لأن شعارنا أثناء التدريب كان «العرق فى السلم يوفر الدم فى الحرب”.
يضيف: "فى شهر أغسطس ١٩٧٣، أى قبيل حرب أكتوبر مباشرة، كان الوضع هادئًا، وكان هناك توقف فى التدريب، واسترخاء كامل للجيش، لدرجة أنه فى شهر سبتمبر كانت الكتائب كلها فارغة تقريبًا، والجميع فى إجازات أو تدريبات خارجية، وكان ذلك من ضمن خطة التمويه والخداع التى كان يتبعها قادة الجيش. وحدث وقتها شىء غريب، وهو أننى تحركت فى ٢٩ سبتمبر للمشاركة فى فرقة تدريبية قبل الحرب بكامل الذخيرة والمهمات، وهذا كان توقيتًا غير معتاد، وانتقلت بكامل التسليح لفرقة المهندسين، وعدت بسبب إلغاء الفرقة، وكان ذلك من ضمن خطة الخداع الاستراتيجي. وبعدها تم تجميعنا يوم الجمعة الموافق ٣٠ سبتمبر مع أشخاص من الصاعقة والمظلات، بعد إرسال جوابات استدعاء فى البريد لكل الأفراد من وحدات الصاعقة والمظلات، وعندما وصلت الكتيبة فى صباح ثانى يوم كانت الكتيبة بالكامل موجودة، وذلك فى يوم ١ أكتوبر، حتى إنه تم استدعاء قوات الرديف التى تم تسريحها، وعاد الجميع لمكانه وتسليحه. وفى يوم ٢ أكتوبر، تم إبلاغنا بمشروع تدريب على مستوى القوات المسلحة بكامل الذخيرة، وهنا شعر الجميع بشىء غير طبيعى، وتم تحميل كامل وقود ضد الكتيبة و٣ خطوط للذخيرة، وكذلك أجهزة العمليات.
يتابع: "وفى يوم ٣ أكتوبر، تحركنا على منطقة انتشار خلف مطار بلبيس بالشرقية، وتم توزيع القوات حسب خطة الإنتشار. وفى يوم ٥ أكتوبر، تم فك الأسلاك بين السرايا وبعضها، لنعود لأنشاص مرة أخرى، ثم تم إبلاغنا مرة أخرى بالتمركز، لأن المشروع سيكون فى صباح يوم ٦ أكتوبر، وكانت كل هذه التعليمات ضمن خطة الخداع والتمويه".
يضيف: "فى الساعة الواحدة والنصف من يوم ٦ أكتوبر، حضر قائد الكتيبة لبدء المشروع، وفى الساعة الواحدة و٥٠ دقيقة خرجت ٢٠٠ طائرة من مطار بلبيس، محملة بالصواريخ، وتأكدنا أن هناك شيئًا ما يحدث، وعادت منها ١٩٩ طائرة من سيناء، وفى الساعة الثانية و١٠ دقائق تمت إذاعة أول بيان للقوات المسلحة، وبعدها البيان الثانى حول عبور القوات المسلحة قناة السويس. وعقب ذلك، تم تسليم قائد كل سرية مظروفًا بمهمته فى الحرب، وكانت السرية الأولى محددًا لها الإسقاط على ممر خلف خطوط العدو لتعطيل قوات احتياط العدو الإسرائيلى والوقود والذخيرة، وكان المقرر لهذه المهمة فى يوم ٩ أكتوبر، ولكن لم يتم تنفيذها، حيث مكثنا فى بلبيس من يوم ٧ أكتوبر حتى يوم ١٥ أكتوبر، نتابع البيانات وننتظر الإقلاع".
يتابع: "وفى مساء يوم ١٥ أكتوبر، حدثت ثغرة الدفرسوار، وتم إعطاء تعليمات لنا بأن نتحرك لمنطقة الدفرسوار بلواء مظلات كامل، حيث تحركنا لمنطقة أبوسلطان فى صباح يوم ١٦ أكتوبر، وحضر قائد الكتيبة ليخبرنا بأن ٧ دبابات من العدو اخترقت الثغرة، وتم تدمير ٣ منها وباق ٤ دبابات، وتم تكوين أطقم اقتناص دبابات، وتحركت السرية الأولى تجاه سرابيم، والثانية تجاه مطار الدفرسوار، والثالثة تجاه عين غوصين، ودخلت السرية الثالثة فى الجناين. وتم تدمير جزء كبير من قوات العدو، مع استشهاد ٧٠٪ من قواتنا وقائد السرية، وكانوا أول شهداء لكتيبة المظلات، ولكن استمرت المقاومة، وتم رصد استغاثة من «شارون»، قائد القوات الإسرائيلية فى الثغرة وهو يصرخ ويقول «أغيثونى من ضابط المظلات المجنون.. ضابط برتبة نقيب يسمى عبدالرءوف حلمى أوقف تقدمى تجاه الإسماعيلية». وقال رئيس الأركان الإسرائيلى بعد ذلك: «عرفنا حجم المعارك عندما تصادمنا مع قوات المظلات المصرية»، فقد كنا نقف لهم كحائط صد، بحيث لا يتقدمون ناحية الإسماعيلية.
يتابع: "السرية التى كنت أتبعها وصلت مطار الدفرسوار، وتمركزنا خارج سور المطار، وكان بحوزتى جهاز إضاءة ليلى، اسمه «SS٢٠»، يعمل على كشف المنطقة أمامى، وأخذت معى زميلًا بتعليمات من قائد السرية وقطعنا سلك السور، ومن ثم تحركنا داخله، وتحركنا حوالى ٥٠٠ متر زحفًا، وكان المطار عتمة، ومن خلال جهاز الإضاءة اكتشفنا أنه يوجد ما لا يقل عن فرقتين مدرعتين إسرائيليتين ولواء مظلات متمركزة داخل مطار الدفرسوار. وقد عدنا وأبلغنا هذه المعلومات لقائد السرية، الذى أبلغ بدوره قائد الكتيبة، الذى أبلغ القيادة العامة للقوات المسلحة لإعادة تقييم الموقف من أجل التعامل معه، وقد سموا هذه العملية الخاصة بالسرية الأولى، لأنها عملية استطلاع انتحارية بكل المقاييس. وقد صدرت الأوامر وقتها بعدم الاشتباك والانسحاب، وفى خلال هذا التوقيت تم استشهاد ٣ أفراد من السرية ١٠١ فى أول عملية، ومن ثم صدرت أوامر جديدة بالتجمع فى منطقة أبوسلطان، والعودة إلى ساتر أبوسلطان فى حوالى الساعة السادسة صباحًا، وقد ركبنا السيارات منها، ومن ثم تحركنا إلى أنشاص مرة أخرى".
يضيف: "وفى ثانى يوم، تحركت الكتيبة مرة أخرى خلال ٢٤ ساعة إلى معسكر الجلاء، وتقابلنا مع الفريق سعدالدين الشاذلى، وقال لنا بالنص: «أعلم تمامًا أن هذا ليس تدريبكم، ولكنكم حققتم أفضل من التدريب، حيث أوقفتم شارون عن دخول الإسماعيلية، وعرّفتم القوات المسلحة حجم القوة الموجودة فى الثغرة".
وبخصوص العملية الثانية للسرية يقول أبو طالب: " العملية الثانية التى نفذتها سريتى كانت تتمثل فى التحرك من معسكر الجلاء، فى يوم ٢٠ أكتوبر، بعد أن تحركت السرايا الأخرى بالكتيبة إلى جبل مريم وجبل حنيدة، وهو موجود على خط القناة. وفى تمام الساعة الحادية عشرة ليلًا، صدرت تعليمات للسرية الأولى لصد ثلاث دبابات إسرائيلية سوف تمر من منطقة معينة للصعود إلى جبل حنيدة لضرب مدينة الإسماعيلية، ومن ثم تحركت أنا، رفقة ٦ أفراد و٢ من الضباط، إلى نصب كمين على بعد حوالى ٢ كيلومتر، وقد جاءت الثلاث دبابات فى الساعة ٣ ليلًا، وكان بكل دبابة ٦ أفراد، وقمنا بتدميرها وتدمير كل القوة معها، ثم رجعنا مرة أخرى إلى مكان تمركز السرية فى تمام الساعة الخامسة صباحًا، وقد عدنا بنفس أعدادنا، فلم يستشهد أو يُصاب أحد منا".
يتابع: "وفى يوم ٢١ أكتوبر، كان يوجد ضرب مكثف من الطيران والمدفعية الإسرائيلية فى محاولة لدخول مدينة الإسماعيلية، وفى تمام الساعة الثامنة مساءً، جاءتنا تعليمات بالانسحاب، ومعلومات بأن هناك قرية تقع بين جبل حنيدة وجبل مريم، على بعد ٢ كيلومتر، والطريق أمامها مفتوح، ولو دخل العدو الإسرائيلى هذه القرية لاستطاع احتلال الإسماعيلية، ومن ثم تم تكليف السرية باحتلال القرية ومنع العدو الإسرائيلى من دخولها بأى طريقة، وقد تحركنا إلى هذه القرية فى تمام الساعة التاسعة ليلًا وقمنا احتلالها. وقد حدث اتصال من الرئيس السادات بقائد الكتيبة عاطف منصف، وقال له: «الإسماعيلية يا عاطف أمانة فى رقبتك».. فرد عليه بأنه «لن تمر دبابة إلى الإسماعيلية إلا على جثتى وجثث جنودى. وقد استمر العدو الإسرائيلى فى محاولاته لاقتحام القرية طوال الليل لكنه فشل، حتى إنهم قد أرسلوا سرية مظلات إسرائيلية بأكملها إلى القرية، فأبدناها كلها".
يتابع: "وعندما حاولت دبابات العدو الإسرائيلى دخول الجناين، ومن ثم اقتحام الإسماعيلية، فجر قائد اللواء إسماعيل عزمى هويس المياه وأغرق الجناين، بحيث لا يستطيعون المرور منها، فغرزوا فى الطين، وبدأنا فى تدمير دبابات العدو، التى كانت تطلب الاستغاثة، وكان «شارون» يصرخ بطلب المساعدة «دباباتى تدمر وجنودى تموت أمام شياطين المظلات. واستمر طيران العدو الإسرائيلى فى الضرب المكثف بالطيران والمدفعية على القرية ومنطقة جبل مريم، لدرجة أن التراب بعدما كان لونه أصفر أصبح لونه أسود من كثافة النيران، فهم لم يتركوا شبرًا إلا وضربوه بالقذائف، ومع ذلك فشلوا فى اقتحام جبل مريم والقرية، واستمروا فى المحاولات حتى يوم ٢٢ أكتوبر".
يضيف: "وعندما فشلوا فى هذا الاتجاه، تحولوا إلى ناحية قرية أبوعطوة، التى تبعد عن الإسماعيلية بنحو ٢ كيلومتر، وكانت فى انتظارهم هناك الكتيبة ١٣٣ صاعقة، التى نصبت الكمائن تحت الشجر وفوقه وفى المدافن وفى البيوت، وقد دمروا الدبابات التى حاولت دخول الإسماعيلية، حتى إنه تم إنشاء متحف للدبابات المدمرة فى هذه المنطقة".
وحول أبرز المواقف الحكايات يقول الرقيب أبو طالب:" عندما كنا نتقدم فى اتجاه مطار الدفرسوار كان معى الشهيد محمد عبدالعال الشربينى، من دمياط، وواجهنا مقاومة من مدفع كان بيضرب منعرفش منين، وكان قائد السرية يسمينى «المغامر»، وكان بيصدرنى فى كل حاجة، وأخذت معى الشهيد الشربينى وزميلًا آخر، والتففنا حول المدفع ودمرناه. وفى طريق العودة، أخذ الشربينى طلقة فى رقبته، وقال لى: «ماتسبنيش»، فقلت له «مش هسيبك»، وأخذته ودفنته فى الخلف وعلمت مكانه، وبعد وقف إطلاق النار رجعت إليه وأخذته ودفناه فى مقابر شهداء الإسماعيلية. وأيضًا كان هناك الشهيد عبدالفتاح راشد، ابن المحلة الكبرى، وكان طلع فى كمين ليلى فى إحدى الدوريات، وكان هناك ضرب عشوائى، وأصيب بطلقة فى رقبته، واستشهد وأخذناه معنا إلى مدافن الشهداء، لأننا لم نكن نترك شهيدًا ليدفن بعيدًا عنا من شهداء السرية الثالثة".
يضيف: "وبعد وقف إطلاق النار، كان هناك عساكر استشهدوا بعد أن تم أسرهم، فأخذنا عربات وأسيرًا إسرائيليًا ليدلنا على أماكن دفن شهداء السرية، وكان عددهم ٧٢ شهيدًا، وكانوا جميعًا فى خندق واحد، وأخذناهم ودفناهم فى مقابر الجيش الثانى، وكان على رأسهم النقيب عبدالرءوف حلمى، قائد السرية، الذى أصر أهله على دفنه بمقابر الأسرة فى محافظة البحيرة".