خارطة طريق اقتصادية.. أبرز الأحداث في اليوم الأول من مؤتمر «مصر 2022»
شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الأحد، انطلاق فعاليات "المؤتمر الاقتصادي - مصر 2022"، الذي تنظمه الحكومة على مدار 3 أيام في العاصمة الإدارية الجديدة.
وحضر فعاليات انطلاق المؤتمر الاقتصادي رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي وعدد من الوزراء وكبار رجال الدولة، بمشاركة نخبة واسعة من كبار الاقتصاديين والمفكرين والخبراء.
ويستهدف المؤتمر التوافق على خارطة الطريق الاقتصادية للدولة خلال الفترات المقبلة، واقتراح سياسات وتدابير واضحة تسهم في زيادة تنافسية ومرونة الاقتصاد المصري.
كما سيشهد المؤتمر الإعلان عن عدد من الحوافز لقطاع الصناعة والمصدرين لتحقيق المستهدفات القومية.
وبدأت الفعاليات بعرض فيلم تسجيلي عن الاقتصاد المصري وما مر به من تحديات كبيرة، وسلط الضوء على أن مصر بقيادتها الرشيدة تمكنت من محاربة الإرهاب وإعادة الأمن وبناء مؤسسات الدولة وإنشاء قناة السويس الجديدة، ووضع خطة إصلاح شاملة وتطوير منظومة النقل وإطلاق مشروع قومي للطرق في كل مكان بتكلفة حوالي 310 مليارات جنيه.
وأشار الفيلم إلى أنه تم تحقيق إنجازات كبيرة بتطوير منظومة الطاقة الكهربائية بتكلفة حوالي 1.5 تريليون جنيه، كما تم دعم الصناعة من خلال بناء 17 مجمعا صناعيا و4 مدن صناعية متكاملة ومجهزة، ورفع كفاءة الموانئ بتكلفة 129 مليار جنيه، وتطوير المناطق الآمنة بتكلفة 318 مليار جنيه فضلا عن بناء 30 مدينة جديدة.
وأوضح أنه تم إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل جذري حيث تم تحرير سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء لجذب الاستثمارات الأجنبية ودعم الصناعة الوطنية.
وأكد الفيلم التسجيلي أنه بالتوازي مع خطة الإصلاح تم تنفيذ مبادرات اجتماعية لدعم الفئات الأولى بالرعاية حيث تم إعادة هيكلة منظومة الدعم بميزانية بلغت 87 مليار جنيه سنويا، كما بلغت ميزانية (تكافل وكرامة) 25 مليار جنيه.
كما تم إطلاق مبادرة (حياة كريمة) لتحسين جودة حياة أكثر من 60 مليون مواطن في قرى الريف، فضلا عن حملة 100 مليون صحة، وإطلاق المرحلة الأولى من منظومة التأمين الصحي الشامل في ست محافظات بتكلفة 23 مليار جنيه.
وذكر الفيلم أن عجز الموازنة انخفض من 12.3% خلال 2016 إلى 8.2 % في 2019، كما انخفضت نسبة التضخم من 14.5 % إلى 9.2% خلال تلك الفترة، مشيرا إلى أن الاحتياطي النقدي وصل إلى 45.5 مليار دولار، كما وصل معدل نمو الناتج المحلي في 2022 إلى 6.6 %.
ولفت إلى أن خطة الإصلاح جعلت الاقتصاد المصري قويا ومرنا في مواجهة الأزمات مثل حادثة انفجار الطائرة الروسية 2015 التي أثرت على قطاع السياحة، وأزمة كورونا التي لم توقف عجلة الإنتاج في مصر، والحرب الروسية الأوكرانية التي سببت أزمة عنيفة على مستوى العالم ومع ذلك استطاعت مصر توفير كل السلع الاستراتيجية حيث تم التركيز على توطين الصناعة وتشجيع الشباب على ريادة الأعمال.
التعافي من الأزمة الاقتصادية
وقال رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، "إن المؤتمر الاقتصادي يأتي في خضم أزمة عالمية لم تشهدها دول العالم منذ الحرب العالمية الثانية مشيرا إلى أن مصر ليست بمنأى عن دول العالم، بل بالعكس مصر صنفت من قبل كل المؤسسات الدولية كواحدة من الدول التي كانت أكثر تأثرا بالأزمة العالمية الضخمة".
وأضاف "من هنا جاء تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة بتنظيم المؤتمر الاقتصادي؛ لمناقشة أوضاع ومستقبل الاقتصاد المصري والخروج بخارطة طريق واضحة لهذا الاقتصاد خلال الفترة القادمة".
وأكد مدبولي أن خارطة الطريق يجب أن تشمل جزءين، الأول التعافي من الأزمة قصيرة الأجل "الأزمة العالمية"، يلازمها حلول لبعض المشاكل المزمنة الموجودة لدينا، وحلولها تحتاج إلى تحرك على المدى المتوسط وطويل الأجل.
وشدد على ضرورة معرفة الواقع الاقتصادي الذي نمر به حتى نستطيع وضع خارطة طريق صحيحة له، ونبني حلولا للمستقبل تؤسس على قاعدة معلومات صحيحة نعلمها جميعا وواقع صحيح وتحديات نتوافق عليها.
وأشار إلى ضرورة تحليل مخرجات مؤتمرين مهمين للغاية بالنسبة لمصر، الأول الذي أطلق عليه المؤتمر الاقتصادي الكبير عام 1982، والثاني هو مؤتمر مصر المستقبل عام 2015، لأنهما عقدا في خضم ظروف استثنائية لمصر.
ولفت رئيس مجلس الوزراء إلى أن المؤتمر الاقتصادي الكبير عام 1982 شارك فيه 40 خبيرا اقتصاديا، وتوصل إلى أن هناك 10 مشاكل وتحديات رئيسية كانت تواجهها مصر في تلك الفترة، أهمها الانفجار السكاني ومشكلة الإسكان، بالإضافة إلى مشكلة الحاجة إلى ترشيد الدعم وسعر الصرف المتقلب، وطالب المؤتمر حينها بحرية التعامل بالنقد الأجنبي في وقت كانت كل مخصصات الدعم لا تتجاوز المليار ونصف المليار جنيه.
وأوضح أن أبرز القضايا التي تم مناقشتها أيضا خلال مؤتمر 1982، هي تغيير النمط الاستهلاكي، موضحا أنه خلال تلك الفترة كانت سياسة الانفتاح الاقتصادي هدفها جذب الاستثمارات، وأن يدخل القطاع الخاص في قطاعات إنتاجية، وكان التركيز على استيراد سلع استهلاكية ورفاهية ولا يوجد تركيز على القطاعات الإنتاجية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الاستهلاك القومي ثلاث مرات بمعدل نمو سنوي 20%.
واستعرض مدبولي حجم التضخم خلال هذه الفترة، والذي وصل إلى 20% بين عامي 1980-1982، والحاجة إلى خلق فرص عمل لاستيعاب الزيادة السكانية، مشيرا إلى أن فرص العمل المطلوبة سنويا خلال تلك الفترة 400 ألف فرصة، مشيرا إلى أنه الآن أصبح المطلوب فوق المليون فرصة عمل سنويا.
كما استعرض مؤشرات حول مدى استجابة الحكومات المتعاقبة لمواطن الخلل في الاقتصاد منذ 1982 حتى 2011، على رأسها الزيادة السكانية التي لم تقابلها زيادة مماثلة في الموارد الاقتصادية، حيث بلغت الزيادة السكانية خلال تلك الفترة 38 مليون نسمة، وهي تعادل حجم الزيادة السكانية في 27 دولة أوروبية في نفس الوقت.
وأضاف أن الناتج المحلي لم يكن يفي بالاحتياجات المتزايدة للمواطنين، مما يتطلب إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام والخاص وزيادة معدلات الإنتاج، مشيرا إلى أن الظروف التي مرت بها مصر وعدم توفير الاستثمارات الكافية لنمو الاقتصاد كانت نتيجته أن متوسط نمو الناتج المحلي على مدار 20 سنة كان 4.4%.
وبين أنه نتيجة لضعف الاستثمارات بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي سنويا على مدار 20 سنة حوالي 1360 دولارا، بينما الدول الأخرى التي تماثلنا يقدر بحوالي 1800 دولار، ومع عدم وجود قطاعات اقتصادية توفر فرص عمل لامتصاص الزيادة السكانية في قوة العمل، فقد وصل معدل البطالة إلى حوالي 9.6 %، في وقت كان متوسط البطالة في الدول المماثلة 4.9%، لافتا إلى أن حجم الاستثمارات التي كانت تنفقها الدولة المصرية في 2011 بلغ 40 مليار دولار.
أما عن مشاكل قطاع الصناعة، فأكد مدبولي أنه لفترة طويلة كانت الاستثمارات المتواجدة في قطاع الصناعة قبل 2011 لا تزيد على 6 مليارات في العام، بينما حدثت قفزة حقيقية عندما شارك القطاع الخاص في عملية الصناعة مع الدولة.
ولفت إلى أن مؤتمر 1982 أكد تفاقم مشكلة الإسكان وخاصة الإسكان الشعبي الذي لم يحظ بنصيبه من الاهتمام، وبالتالي أصبح لدينا شكل النسيج في المدن 50 أو 60% منها غير مخطط وغير آمن، فضلا عن مشكلة التعدي على الأراضي الزراعية.
وأشار إلى أن المؤتمر أكد أيضا أن الإنتاج القومي في الزراعة يعجز عن توفير الاحتياجات، وأننا نحتاج خطة استصلاح سنويا لـ 150 ألف فدان، لافتا إلى مشكلة ارتفاع معدلات الأمية؛ بسبب أن حجم الإنفاق على التعليم لم يكن يكفي بسبب الزيادة السكانية والضغط الكبير على الاقتصاد فضلا عن مشكلة الخدمات الصحية.
واستعرض رئيس الوزراء على شاشة العرض كلمة للمفكر الكبير جمال حمدان، والتي كانت تقول "المأساة الحقيقية أن مصر لا تأخذ في وجه الأزمات الحل الجذري الراديكالي قط، وإنما الحل الوسط المعتدل أي المهدئات والمسكنات المؤقتة والنتيجة أن الأزمة تتفاقم وتتراكم أكثر".
وعقب الرئيس السيسي على هذه الكلمة قائلا: "هذا كان في 1967.. أرجو أن نتفهم كلنا كمصريين هذا الكلام يقال عام 1967 قبل الحرب من 1962 إلى 1967، بالتزامن مع أزمة اليمن وتدخلنا فيها.. أرجو أن تنظروا لهذا الكلام الذي يقال على دولة في عام 1967".
وتابع مدبولي "ثم جاءت فترة الاضطرابات السياسية والثورات 2011 و2013 وتأثر الاقتصاد المصري على نحو لم يسبق له مثيل نتيجة لعدم الاستقرار السياسي وما صاحبه من أعمال إرهابية"، موضحا أن الاحتياطي خسر 20.3% في الفترة ما بين 2011 إلى 2013، وكذا خسائر القطاع السياحي وصلت إلى 32%، ووصول متوسط معدل البطالة إلى 13%، وغيرها.
وكشف عن أنه خلال الفترة ما بين فبراير 2011 إلى مايو 2013، انخفض تصنيفنا الائتماني 6 مرات، لهذا استجابت الدولة المصرية في 2015 لهذه التحديات وقامت بعمل مؤتمر 2015 بعنوان (مصر المستقبل) والذي وضع 3 محاور وهي استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، ومشروعات قومية لتبني البلد، وتحسين بيئة الاستثمار، وقامت الدولة المصرية في 2016 بالإصلاح الاقتصادي وبدأ الاقتصاد المصري في التصاعد.
وقال مدبولي "إنه على الرغم من جائحة كورونا التي استمرت عامين وبعدها بدأت الأزمة الروسية الأوكرانية، إلا أن السنة المالية الماضية في يونيو 2022 كانت نسبة نمو الاقتصاد المصري 6.6%، ومتوسط تلك الفترة كلها 5.3%، مقارنة بـ 4.4% في الفترة السابقة، و2.3% في فترة ما قبل 2016".
وأضاف أن البنك الدولي ورغم كل التحديات الموجودة ذكر في أخر تقرير له أن مصر من المتوقع أن تحقق معدل نمو في حدود 4.8 % في عام 2022 /2023 كأعلى معدل نمو بين أهم اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
وأشار إلى أنه على الرغم من الزيادة السكانية التي استمرت خلال 10 سنوات بنحو 21 مليون نسمة، ولكن زيادة نصيب الفرد من الناتج ارتفع من حوالي 2700 دولار إلى ما يقرب من 4000 دولار عام 2021.
ولفت إلى أن صندوق النقد الدولي أشار، في تقريره، إلى أنه رغم كل التحديات من المتوقع أن يرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4800 دولار في 2025، مع المشروعات التي تعمل عليها الدولة حاليا، منوها بأن مصر حققت أعلى معدلات تشغيل منذ 30 عاما ونجحت في تخفيض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته، حيث كان في 2013 13% عندما كانت قوة العمل 28.4 مليون عامل، ووصلنا في 2021 إلى معدل 7.2% وقوة العمل تقترب من الـ30 مليون عامل.
وأوضح أن صندوق النقد الدولي توقع أن مصر ستخفض معدلات البطالة إلى ما دون الـ 7% على مدار الأربع أو الخمس سنوات القادمة لتصل إلى 7ر6%، مؤكدا أنه من خلال مشروعات الإصلاح الزراعي استطاعت الحكومة في عام واحد إضافة 250 ألف فدان قمح جديدة لتصبح المساحة المنزرعة بالقمح هذا العام 5ر3 مليون فدان.
وأشار إلى أن حجم الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي منذ بداية الثمانينيات وصل إلى 150% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تم الاتفاق في عام 1991 مع نادي "باريس" وعدد من الدول العربية بموجبه تم تخفيض حجم الدين الخارجي الكبير لمصر 43 مليار دولار أمريكي، وتم إسقاطه في برنامج زمني يتم تنفيذه حتى الآن، وجزء منه مبادلة الديون بالاستثمارات مع بعض الدول الأوروبية.
واستطرد: "بالرغم من حجم الدين، لكن يوجد لدينا مؤشر مهم 73% منه متوسط وطويل الأجل، وهذا يعني أننا أمامنا فترة طويلة حتى تأتي تبعات هذا الدين.. ونحن حققنا مؤشرا مهما للغاية على مدار 5 سنوات".
ولفت إلى أن مؤسسة "ستاندرد آند بورز" أبقت على تصنيف مصر كما هو مع نظرة مستقبلية مستقرة، وقالت "إن قدرة الاقتصاد المصري عكست استجابة للضغوط الاقتصادية الخارجية، كما توقع صندوق النقد الدولي نفسه أن يصل معدل النمو للاقتصاد المصري إلى 9ر5% خلال عام 2022".
كما نوه مدبولي بأن صادرات مصر البترولية في سنة واحدة قفزت 109%، وحققت مصر العام الماضي صادرات لأول مرة في التاريخ 18 مليار دولار من الصادرات البترولية وصناعات البتروكيماويات الموجودة، بالمقارنة بالعام السابق له كانت 8.6 مليار دولار، لافتا إلى أن تقرير البنك الدولي الصادر في 2014.
وأشار إلى أن خسائر مصر فقط في القاهرة الكبرى سنويا نتيجة للازدحام المروري بلغ 8 مليارات دولار، وتوقع مع استمرار نفس الظروف أن تصل هذه الخسائر في 2030 إلى 18 مليار دولار، مؤكدا أن الدولة المصرية قامت بإنشاء 7 آلاف كيلو متر طرق، علاوة على إنشاء 10 آلاف كيلو متر من جديد للدولة.
وحول تحسين بيئة الاستثمار، قال رئيس الوزراء "إن هذا الأمر من أصعب التحديات التي تواجه أي دولة، لذلك اشتغلنا على عدة محاور منها الإطار التشريعي والمؤسسي الداعم، حيث تم وضع 10 قوانين داعمة للاستثمار تم إصدار 6 منها و4 تم الانتهاء منها وعرضها في البرلمان لمناقشتها، كلها حول ميكنة الإجراءات وتسهيلها وخفض المدة الزمنية".
وأوضح أن البنك الدولي أشار إلى أن مصر من أعلى دول المنطقة في الوقت المستغرق للحصول على تراخيص لدخول السوق المصري، مضيفا أن مصر كانت تُنتقد دائما بعدم احترام الملكية الفكرية إلا أنه تم إطلاق الاستراتيجية للملكية الفكرية هذا العام خلال العام الجاري، مؤكدا أن الدول اتخذت خطوات كثيرة لتفعيل اللجنة الوزارية لفض المنازعات.
وحول الرعاية الصحية، قال مدبولي "إننا قمنا بمضاعفة حجم الإنفاق العام على القطاع الصحي؛ والتي أحدثت طفرة كبيرة في الواقع الصحي للمصريين؛ مما جعل المنظمات الصحية تشيد بالحملة القومية للقضاء على فيروس "سي" في مصر، والتي تعد سبقا صحيًا يسجله التاريخ عن الإنجازات الصحية في مصر ومثلا يحتذى به عالميا".
ونوه إلى أن الحماية الاجتماعية موجودة وبقوة، مشيرا إلى أن 239 مليار جنيه تم تخصيصها للمعاشات والسلع التموينية والتضامن الاجتماعي، مبينا أنه حتى 2015 كانت هناك مشكلة في الخبز والجمعيات وخلال 7 سنوات لا توجد أي مشكلات في الخبز.. ولفت إلى وجود 5 ملايين أسرة في برنامج "تكافل وكرامة" بتكلفة 25 مليار جنيه.
وبخصوص مشروع "حياة كريمة"، أكد أن تكلفة هذا المشروع تجاوزت 700 مليار جنيه، حيث يستهدف 60 مليون مواطن لتقديم حياة آدمية لائقة لهم، مشيدا بحجم الإنجاز وسرعة العمل في المشروعات.
ترسيم الحدود البحرية وفر 120 مليار دولار
وفي مداخلة للرئيس السيسي خلال كلمة رئيس الوزراء، أكد الرئيس السيسي أهمية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وكل من قبرص واليونان في البحر المتوسط والمملكة العربية السعودية في البحر الأحمر.
وقال الرئيس السيسي "إن حقل ظهر للغاز الطبيعي لم يكن ممكنا اكتشافه لو لم يتم ترسيم الحدود مع قبرص واليونان في البحر المتوسط والسعودية في البحر الأحمر"، لافتا إلى أن الاتفاقية وفرت 120 مليار دولار سنويا لتشغيل محطات الكهرباء.. وأضاف "لولا ترسيم الحدود البحرية ما تمكنت شركات التنقيب من العمل في هذه المناطق".
وتابع: "إن فضل الله علينا كان عظيما باكتشاف حقل ظُهر ولولاه لكانت مصر مظلمة لأننا لا نمتلك توفير 2 مليار دولار شهريا بالأسعار القديمة للغاز لتشغيل محطات الكهرباء، أما بالأسعار الحالية فقد تصل التكلفة إلى 10 مليارات دولار شهريا لشراء الغاز المطلوب لتشغيل محطات الكهرباء الموجودة في مصر حتى لا تنقطع الكهرباء عنها بما يعني إجمالي تكلفة تبلغ 120 مليار دولار سنويا ".
واستطرد: "لازم تعرفوا أن ربنا سبحانه وتعالى يسر هذا الأمر، وأن الموضوع كله من الله سبحانه وتعالى، لأننا حين توصلنا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية تعرضنا لهجوم"، مشيرا إلى أن شركة إيني الإيطالية طلبت فترة زمنية خمس سنوات للتنقيب عن الغاز في حقل ظُهر بالبحر المتوسط لكنني طلبت منهم اختصار تلك الفترة إلى 18 شهرا فقط، مع حل كافة المشكلات داخل الحدود البحرية المصرية على الفور.
ولفت الرئيس السيسي إلى أن الأراضي التي كانت تخصص لإنشاء معامل تكرير تستغرق فترة زمنية تتراوح ما بين سنتين أو ثلاث سنوات لأخذ الموافقات اللازمة إلا أنه تم تخصيصها خلال ساعتين فقط، منوها إلى سرعة تحرك المعدات الكبيرة اللازمة بالآلاف من أجل سرعة إنشاء 10 آلاف خازوق للأرض في بورسعيد من أجل تجهيز الخرسانات اللازمة لإنشاء معامل التكرير عليها.
وتحدث الرئيس السيسي عن حجم الجهد والعمل الشاق والمتواصل للدولة ليل نهار خلال سبع سنوات قائلا: "الدكتور مصطفى مدبولي يتحدث عن عناوين لكافة الإنجازات لنا كمصريين، وهذا استلزم 25 ألف ساعة عمل متواصلة بلا توقف مني ومن الدولة، بواقع 10 ساعات يوميا على الأقل في 30 يوما شهريا أي 84 شهرا خلال تلك الفترة"، مؤكدا أن ما حدث كان بفضل من الله سبحانه وتعالى ولولاه ما حدث ذلك أبدا.
وبعد ذلك، شهدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر عرض فيلم قصير من بطولة الفنان أحمد فؤاد سليم عن تطور الاقتصاد المصري من بعد ثورة يوليو 1952، حتى الآن، أشار إلى أن الاقتصاد المصري كان قبل ثورة 52 يعتمد على الزراعة وبعض المصانع الصغيرة التي يمتلكها الأجانب، وكانت معظم الموارد من زراعة القطن، وأحوال المصريين في ذلك الوقت كانت صعبة جدا.
وذكر الفيلم أن معظم الموارد كانت لبناء الجيش بعد نكسة 1967 حتى تم استرداد الأرض في عام 1973، موضحا أن الانفتاح بعد ذلك كان تعويضا للشعب عن سنوات الصبر والمعاناة، وكان ضرورة سياسية.
ولفت الفيلم إلى أن الأحداث في 2011 و2013 كانت لها تبعات اقتصادية مرعبة، موضحا أن الطرق والكباري التي يتم إنشاؤها حاليا لها أهمية كبيرة جدا؛ حيث إن مصر دولة كبيرة بها 100 مليون إنسان وللطرق أهمية كبيرة جدا للاستثمار، ومصر أصبحت رقم 28 عالميا في جودة الطرق، كما حدث تطور كبير في شبكة السكك الحديدية.
ونوه الفيلم إلى أنه تم تطوير البنية التحتية للكهرباء، وبدل العجز أصبح هناك وفرة في الكهرباء، مشيرا إلى أهمية الطاقة للاستثمار.. وأكد أنه على الرغم من أزمة كورونا التي كان لها تأثير كبير على الاقتصاد ثم بعد ذلك الأزمة الروسية الأوكرانية، إلا أن جميع السلع متوفرة في مصر.
كما تم عرض فيديو تضمن عددا من الأسئلة من الأمانة الفنية للحوار الوطني، وشارك في طرحها عدد من رؤساء الأحزاب ومساعدي ونواب رؤساء الأحزاب المصرية.
وتمحورت الأسئلة حول وضع آلية لمتابعة ومراقبة تنفيذ القرارات والتوصيات التي سيخرج بها المؤتمر، وهل سيعقد بصفة دورية سنويا على غرار مؤتمرات الشباب لتقييم النتائج، والخطة الزمنية خلال الفترة القادمة للخروج التدريجي من المشهد الاقتصادي بما يتيح الفرصة للشركات المصرية النمو من جديد، والتعديلات الهيكلية الواجب اتباعها للنهوض بالاقتصاد المصري والقضاء على ظاهرة التضخم، ونصيب مفاوضات صندوق النقد الدولي وشروطه والتوقيع عليه.
كما تمحورت الأسئلة حول الإجراءات الاقتصادية التي تراعي البعد الاجتماعي والحالة الإنسانية للمواطن المصري، والتوجه لدى الدولة المصرية لجذب الاستثمارات وإنشاء منطقة متخصصة تعطي لمصر الريادة في هذا المجال، والعقبات التي تواجه تطوير الصناعة المحلية وتقليل الفجوة في الميزان التجاري بين الاستيراد والتصدير، والإجراءات وخطة الحكومة لحل أزمة التكدس في الموانئ، والضمانات التي ستعلنها الحكومة في مسألة الخصخصة.
وعقب ذلك، أذيعت كلمة مسجلة للخبير الاقتصادي المصري العالمي الدكتور محمد العريان خلال أعمال المؤتمر الأقتصادي، تحدث خلالها عن الموضوعات التي يركز عليها المؤتمر.
وأكد الدكتور محمد العريان أن معظم التركيز في المؤتمر الاقتصادي يدور حول النظرة المستقبلية لمصر الفرص والمخاطر وإمكانية إطلاق العنان لإمكانيات مصر الكبيرة.
وأشار إلى أنه سيركز في كلمته على موضوع آخر، وهو البيئة المحيطة، ضاربا المثال بالمنزل والحي الذي يضمه، موضحا أن الحي الجيد من شأنه تعزيز قيمة المنزل وجعل الأمور أكثر سهولة، أما الأحياء التي يوجد بها مشكلات فمن شأنها أن تجعل المنزل يواجه تحديات.
ووصف الواقع الذي تعيشه الدول اليوم بأنه "حي يواجه تحديات كبيرة"، أبرزها الاقتصاد العالمي والنظام المالي العالمي، لافتا إلى أن هذه التحديات تأتي من الدول المتقدمة واقتصادات مجموعة السبع بالأخص، وكلما زاد عدم الاستقرار في الدول المتقدمة كلما تفاقمت هشاشة الاقتصاد العالمي مما يجعل الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة للدول الأخرى.
ودلل العريان على ذلك بمثال لتسليط الضوء على الوضع المتقلب الذي يعيشه العالم حاليا، ويتعلق المثال بالاقتصادات المتقدمة، وخاصة باقتصاد مجموعة السبع أي نخبة الاقتصادات المتقدمة، متسائلا كم مرة شهد اقتصاد مجموعة السبع انهيارا فوضويا في العملة وزيادة غير منضبطة في العائدات وانتقادا علنيا من صندوق النقد الدولي وتحذيرات من وكالات التصنيف وتدخلات طارئة من البنوك المركزية وسياسات حكومية متعددة معاكسة انتهت باستقالة رؤساء للوزراء.
وقال "إن هذه الأمور الستة حدثت بالفعل في اقتصادات مجموعة السبع خلال الأسابيع الخمس الماضية، وهي توضح عدم الاستقرار الكامن وغير المتصور، والذي تأسس في الدول المتقدمة"، واعتبر المملكة المتحدة مثالا واضحا جدا فكان السبب في عدم استقرارها هو أخطاء في السياسات المالية مثل محاولة خفض الضرائب دون وجود تدابير تعويضية للإيرادات.
وأكد أن القضية الرئيسية هي معايشة العالم لاقتصاد يكتنفه حالة من عدم اليقين، مبينا أن العديد من الدول فقدت قدرتها على النمو بسبب الخصائص المتغيرة للاقتصاد العالمي، فقد انتقل من اقتصاد عالمي يفتقر إلى معدلات كافية من الطلب إلى اقتصاد عالمي يفتقر إلى معدلات كافية من العرض.
ولفت إلى أن العالم يشهد اضطرابات في معدلات العرض، لذا يواجه النمو الاقتصادي تأثيرات معاكسة جديدة، كما تغيرت العولمة هي الأخرى بسبب التغيرات الجيوسياسية ورغبة الشركات في تفضيل المرونة على الكفاءة، مما أدى إلى نوع جديد من العولمة.
كما لفت إلى التباطؤ الاقتصادي المتزامن للمناطق الثلاث الرئيسية في العالم، وهي الصين وأوروبا والولايات المتحدة، وأن محركات النمو الثلاثة للاقتصاد العالمي تتباطأ، ولهذا فإن صندوق النقد الدولي يجب عليه إعادة النظر في توقعاته أوائل الشهر الجاري، محذرا من أن الأسوأ لم يأت بعد.
وأشار إلى أن هناك ثلاثة قضايا يواجهها الاقتصاد العالمي حاليا، الأولى هي عجز النمو، والثانية هي التضخم المرتفع والمستمر، والذي تحول من كونه نتيجة لصدمتي الطاقة والغذاء الناجمتين عن الأزمة الروسية الأوكرانية إلى شيئ أوسع نطاقا، أما القضية الثالثة، فتتعلق بالأسواق المالية، مضيفا "دعونا نفكر بالأمر بالطريقة التالية لقد تكيف النظام مع بيئته وتميزت تلك البيئة في أكثر من عقد بمعدلات فائدة منخفضة للغاية بلغت صفر في الولايات المتحدة الأمريكية وسلبية في أوروبا وضخ هائل للسيولة من قبل البنوك المركزية".
وتابع: أنه في عالم كهذا تحمل النظام المالي الكثير من الديون واكتسب المزيد من المديونيات لأنه افترض أن هذا النظام سيستمر لفترة طويلة، ومع ذلك فإن التضخم غير كل ذلك، ونتيجة لذلك يتعين على النظام المالي نفسه التكيف مع الواقع المتغير"، معتبرا أنها حقيقة تتغير بسرعة كبيرة وتتمثل في رفع أسعار الفائدة التي تعد الأعلى من قبل الاحتياطي الفيدرالي منذ عدة عقود.
واستطرد: "مع ذلك تأتي ضغوط السيولة في كبرى الأسواق المالية في العالم، وتأتي أيضا ردود فعل السوق الهائلة على أي تقلبات، كما حدث في المملكة المتحدة، ومع ذلك تأتي مخاطر وقوع أزمة مالية"، ورأىى أن هذه بيئة صعبة للغاية بالنسبة للغالبية العظمى من دول العالم "الحي المحيط يتحدى المنزل.. إنها البيئة.. إنه الواقع الذي يتطلب مرونة كبيرة وعناية كبيرة واستجابة نشطة في التعامل مع تلك الأمور التي لا يمكن تصورها".
وبين أنه يجب وضع هذه السمات الثلاثة، وهي العناية والمرونة والاستجابة النشطة في الاعتبار أثناء الانتقال من الحي المحيط إلى المنزل الاقتصاد المصري وأثره.
واختتم بالقول "لقد بدأت بصورة منزل وحي محيط به.. دعوني أختتم بصورة أخرى، وهي صورة لرحلة وعرة للغاية وصولا لوجهة أفضل، وتكمن وعورة الرحلة في الصدامات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي والتمويل العالمي.. إنها رحلة وعرة بطبيعتها لكنها إلى وجهة أفضل، هذه الوجهة تتميز بنمو أكثر شمولا واستدامة من حيث المناخ والبيئة سوف تتميز بنظام مالي أكثر استقرارا وليس التمويل المصطنع للبنوك المركزية في الدول المتقدمة، بل الاستقرار المالي الحقيقي.. ونأمل في أن يتسم العالم بتنسيق أفضل للسياسات المالية لمعالجة المشكلات المشتركة".
السيسي: مجابهة التحديات استلزمت حلولا حاسمة من الدولة
وعقب ذلك، بدأت الجلسة الثانية من المؤتمر بكلمة للرئيس السيسي، أكد فيها أن الأزمة العميقة التي عانت منها الدولة المصرية خلال الخمسين عاما الماضية تطلبت إجراءات حادة وقاسية وحلولا جذرية ومستمرة لعلاج كافة الاختلالات.
وقال الرئيس السيسي "إن مجابهة التحديات ومحاصرة الضغوط كانت تستلزم حلولا حاسمة من الدولة، وتفهما من الرأي العام لنتمكن من تمرير مسار الإصلاح.. ففي عام 2015، عندما رفعنا الدعم جزئيا عن الوقود قال الناس إنني أغامر بشعبيتي.. وفي تقديري أنه كان لابد من استثمار الرصيد الموجود لدى الناس من أجل الإصلاح وعدم إهدار هذه الفرصة التي ربما لن تتكرر مرة أخرى لمن يتولى المسؤولية "، مشددا على أن مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية كان يستلزم وجود دعم شعبي وتقديم تضحيات لم يكن الرأي العام مستعدا لتقديمها.
وأضاف أن أي مسار اقتصادي، وأية حلول تطرح لابد على متخذي القرار والمسؤولين عنها النظر إلى البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية وما إذا كانت ستساعده تمرير هذا المسار أم لا؟، لافتا إلى أهمية أن يحكم المسار الاقتصادي أو أي مسار آخر عوامل متشابكة ومؤثرة على القرار الذي سوف يتم اتخاذه، وهي فلسفة الحكم والمسؤولية وضرورة أن ينتبه القائم على مسؤولية الدولة والحفاظ عليها وعلى تقدمها ومستقبلها لكل خطوة قبل أن يخطوها.
وأعرب الرئيس السيسي عن سعادته لتواجده في (المؤتمر الاقتصادي.. مصر 2022)، منوها بأنه يحرص على متابعة المقترحات خلال النقاش الموضوعي في المؤتمر للاستفادة منها والتحرك على أساسها، كما نوه بأنه تمت الدعوة لإطلاق الحوار الوطني خلال شهر رمضان الماضي "لنستمع ونتكلم مع بعضنا البعض".
وفي ختام كلمته، أكد الرئيس السيسي أن الجميع في مصر تعاهدوا على التحرك سويا نحو إنفاذ وإنجاح مسار الإصلاح، مبينا أن هذا المسار ليس مسار الحكومة وحدها أو القيادة السياسية، وإنما هو مسار دولة وشعبها.. وشدد على أن هذا الطريق "طريق العمل والعلم.. طريق الحلم والأمل.. الطريق الذي بدأناه معا وسنكمله معا، هو طريق يتسع للجميع".