فرغلي وبشاري يحددان 6 أسباب وراء انفجار "الإخوان" من الداخل
لا تزال الأزمة الداخلية التي يشهدها تنظيم "الإخوان" المُدرج على قوائم الإرهاب، بأحكام قضائية نهائية وباتة، أخذة في التصاعد دون مؤشرات على قرب انتهائها رغم جهود الوساطة التي لم تنقطع بين الأطراف المتنازعة، في محاولة للملمة شتات الجماعة الإرهابية.
في كتاب "الإخوان من السلطة إلى الانقسام أزمة تنظيم أم تنظيم الأزمة" الذي كتبه الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، ماهر فرغلي، والأكاديمي الإماراتي، محمد بشاري، يتطرق الكتاب إلى الأزمة الأخيرة التي يشهدها التنظيم الإرهابي، والاحتمالات التي من المتوقع أن تصل إليها الأزمة.
يوضح الكتاب أن تنظيم "الإخوان" يتميز بالصرامة التنظيمية والدمج بين علنية الدعوة وسرية التنظيم، إلا أن التنظيم عانى منذ خروجه من قصر الاتحادية من سيولة كبيرة، أفقدته هذه السيولة اتزانه وجعلته ينتقل من حالة التماسك والوحدة إلى التفكك، إلى الدرجة التي أفقدته بوصلته وشكله المعروفة به.
يلفت الكتاب إلى أن أزمة التنظيم لم تتوقف عند حدود السيولة، بل ترتب على اشتداد الضربات الأمنية وتعرض غالبية القيادات للسجن، ترنح التنظيم وصار يعاني الانقسامات، وكان عام 2021 فارقًا في تك الانقسامات الداخلية التي طالت العديد من الملفات.
يذكر فرغلي وبشاري أن من بين أبرز الأسباب التي قادت التنظيم الإرهابي إلى الانقسام.
1 – غياب الشرعية التنظيمية:
يوضح الكاتبان أن غياب القيادات المؤثرة والعناصر القيادية الفاعلة، إما بسبب الهروب من الداخل إلى الخارج، أو بسبب السجن، في حين لم تستطع الجماعة القيام بعملية إحلال جيدة، ويؤكد الكاتبان أن ذلك سبب واضح للعديد من المشكلات التي جرت فيما بعد.
سمى الكاتبان عددًا من القيادات الهاربة التي حاولت "عسكرة التنظيم وتثويره" بشكل علني، وهم (محمد وهدان – محمد كمال – محمد سهد عليوة – محمود غزلان – عبد الرحمن البر – عبد العظيم الشرقاوي – مجدي شلش)، وأوضح الكاتبان أن تلك المجموعة أجرت عدة اتصالات لإعادة هيكلة التنظيم وفق رغباتهم إلا أنه غاب عنهم أن الظروف الأمنية ستعيق وجود أي إدارة.
لكن هنا برز تساؤل مهم، حاول فرغلي وبشاري، الإجابة عنه وهو،
إذا كانت هذه المجموعة السابق ذكرها حاولت عسكرة التنظيم وتثويره بشكل علني، فماذا كان ردة فعل القيادات التاريخية للتنظيم الإرهابي؟
يجيب الكاتبان:
"دفعت ظروف عمليات الهروب والخروج والخلخلة التي أصابت بنية الجماعة إلى الموافقة على الإدارة الجديدة، كما حازت استراتيجيتها الجديدة رضا الجميع في هذه الفترة، وكان أغلب العناصر بما فيما محمود عزت يعانون من صدمة الخروج من الحكم، ولم يبد أي منهم في البداية حالة الرفض للمواجهة مع القوات التي كانت تعترض الفعاليات والتظاهرات، حتى لو وصل ذلك إلى إطلاق الرصاص، وكان بعض المعترضين يبدون في هذه الفترة فقط رفضهم أن يطلق على هذه الإدارة (مكتب الإرشاد)، ومن ثم اعيد تعريفها لتسمى (اللجنة الإدارية العليا)".
خطة الإنهاك والإرباك
وعن الأحداث الميدانية العنيفة التي شهدها الشارع المصري جراء ممارسات ما يسمى "اللجنة الإدارية العليا"، يقول الكاتبان إن هذه اللجنة اعتمدت خطة أطلق عليها وقتها "الإنهاك والإرباك"، وتعني المواجهة المفتوحة مع الدولة المصرية، إلا أن 5 من الـ 9 (أعضاء اللجنة الإدارية العليا)، رفضوا اعتماد هذه الاستراتيجية، فقرر القيادي محمد كمال توسيع التشاور حولها (في إشارة إلى أخذ رأي أعضاء المكاتب الإدراية)؛ لأنه كان يعلم أن أغلب أعضاء هذه المكاتب من القطاع الشبابي سيؤيدونها دون تفكير.
بطرح كمال لهذه الخطة التي عرفت بـ"خطة أغسطس 2014"، للمناقشة تم إقرار الخطة والضوابط والسياسات المرتبطة بها، على أن تراجع تلك الخطة كل 3 أشهر. ويؤكد الكاتبان أن ردة الفعل الشرطية على تلك الخطة كان قويًا، فواجهة الأجهزة الأمنية حرق محولات الكهرباء، واستهداف رجال الشرطة، باستهداف قيادات الجماعة المؤمنين بهذه السياسة والقبض على الأخرين وإيداعهم السجن.
يوضح الكاتبان أن فكرة الإرباك شاعت لدرجة أن عناصر الجماعة قاموا بها في المحافظات المصرية في بعض الأحيان بمبادرات فردية، لتخرج شعارات "ما دون الرصاص فهو سلمية". وكانت الدولة المصرية إبان تلك الفنرة لا تتحمل ذلك مطلقاً.
لجنة إدارة الأزمة
في أول رد فعل من القيادات التاريخية للتنظيم الإرهابي، على ممارسات ما سمي وقتها "اللجنة الإدارية العليا" التي طرحها القيادي محمد كمال، ووافقت عليها المكاتب الإدراية للتنظيم في المحافظات المصرية. أصدر القيادي الإخواني القائم بأعمال المرشد، محمود عزت المختفي منذ عزل التنظيم من حكم مصر، قرارًا بحل ما سمي "اللجنة الإدارية العليا" وذلك في 24 مايو 2015، في حين تم تشكيل لجنة بالخارج تسمى "لجنة إدارة الأزمة".
كما أصدر عزت قرارًا بتشكيل لجنة جديدة برئاسة محمد عبد الرحمن، وبقاء محمد كمال عضوًا فيها وليس مسؤولًا، كما قرر أن يكون مكتب الإخوان بالخارج أو مكتب إدارة الازمة بالخارج المنتخب حديثًا تابعًا لإدارة رابطة ما تسمى "الإخوان المصريين بالداخل". ولا يكون تابعًا لمحمد كمال أو اللجنة الإدارية بالداخل، كما قرر التحقيق في ممارسات اللجنة السابقة وأي تجاوزات صدرت برئاسة محمد كمال. وهو الأمر الذي رفضه كمال واعتبره قرارًا باطلًا؛ لكونه صدر من غير ذي صفة.
من هنا بدأت الصراعات والانقسامات، حيث خرج محمود حسين، الأمين العام السابق للتنظيم الإرهابي، وقال عبر فضائية "الجزيرة"، "إن نائب المرشد العام للجماعة يقصد محمود عزت هو من يدير الجماعة وهو يقوم مقام المرشد العام للجماعة، ليرد عليه المتحدث الإعلامي بلجنة إدارة الأزمة، محمد منتصر: "الجماعة أجرت انتخابات داخلية وقامت بانتخاب لجنة لإدراة الأزمة. وكانت نتيجة هذه الانتخابات استمرار محمد بديع في منصب المرشد العام للجماعة. وتعيين رئيس للجنة إدارة الأزمة، وتعيين أمين عام للجماعة لتسير أمورها بدلًا من محمود حسين، كما قامت الجماعة بانتخاب مكتب إداري لإدارة شؤون الإخوان في الخارج".
يقول الكاتبان: "صدر عقب هذه البيانات المتعارضة قرارًا من مكتب رابطة الإخوان المصريين بالخارج في لندن في 14 ديسمبر 2015، بإقالة محمد منتصر، وتعيين طلعت فهمي متحدثًا باسم الجماعة، ومن هذه اللحظة تنازع الجماعة شرعيتان، لكل منها قيادة ومجلس شورى ومتحدث إعلامي ومواقع إلكترونية معبرة عنه".
يوضح الكاتبان أنه بعد مقتل محمد كمال، والقبض على محمود عزت، ظهر انقاسم جديد بين محمود حسين وإبراهيم منير، وكل منهما يتهم الآخر بالقفز على اللائحة وعدم الشرعية.
2 - الصراع على اللائحة
يقول الكاتبان إن ثاني أبرز أسباب انقسام التنظيم الإرهابي، كانت فكرة تعديل اللائحة الداخلية للجماعة التي تضمن بلا شك شرعية إدارة الجماعة الجديدة، والقضاء على الاختلافات المنهجية بين المجموعة القيادية.
وفي ذلك السياق كان القيادي محمد كمال قد أصدر مسودتين وطرحهما للنقاش، وهو ما تسبب في التشكيك في شرعية محمود عزت، خاصة أن العديد من قطاعات الشباب دعمت بشكل كبير اللائحة التي وضعها كمال.
3 - حرب الصلاحيات والنفوذ والأموال
يقول الكاتبان إن كل فريق اتهم الآخر بعدم الشرعية، وبدأ يجمد كل منهم الآخر، لتبدأ حرب الصلاحيات والأدوار التنظيمية، ومنذ العام 2015 كان أبرز الأسماء التي تم تجميدها محمد كمال، عضوة مكتب الإرشاد السابق، عمرو دراج أمين عام حزب الحرية والعدالة بمحافظة الجيزة، ويحيى حامد وزير الاستثمار الأسبق.
يؤكد الكاتبان أنه عقب التجميد والفصل، اندلع ما يمكن أن نطلق عليه "حرب بيانات وتصريحات" بين الطرفين، وربما كان أهمها البيان الذي صدر يوم 18 مايو 2016، عن اللجنة الإدارية العليا، قالت فيه إن ما يصدر عن محمود الإبياري ومحمد سويدان (كلاهما من مكتب لندن الذي يدعم جناح عزت)، لا يعبر سوى عن نفسيهما، وأن ما يصدر عن مكتب لندن لا يعبر عن الجماعة ومنهجها وتوجهاتها.
4 - الخلخلة البنيوية في مفاصل الجماعة.
يوضح الكاتبان أن تلك الخلخلة حدثت حينما فقد التنظيم قدرته على السيطرة على القواعد في أسفل بناء التنظيم، في حين كان أهم الأطر الإدارية في الجماعة هي بنائها الهرمي، وقدرة قياداتها على السيطرة على القواعد في أسفل بناء التنظيم، ومع الضربات التي تلقتها خلال الأعوام الأخيرة، وغياب القيادات أصبح لقطاع الشباب والمكاتب الإدارية للقطاعات الإقليمية والمحافظات دور كبير، وبدا لهم بالتالي صوت كبير يطالب بالتغيير، وساهم ذلك في تضخيم الانقسام.
5 - الاختلاف حول المواجهة والإرباك
يؤكد الكاتبان أن الاختلاف حول خطة المواجهة والإرباك، كان سببًا كبيرًا في انفجار تنظيم الإخوان من الداخل، فالجماعة سارت منذ خروجها من سجون عبد الناصر وفق استراتيجية معينة بالعمل التحتي وإعادة بناء قوتها التنظيمية، وإنكار وجود نظام خاص، والعناية ببرامج تربوية فكرية عسكرية للأفراد العاملين المنتقين بعناية، حتى وصلت إلى السلطة وحكت لعام واحد.
يقول الكاتبان إنه مع خروج الإخوان من قصر الاتحادية وعزلهم من السلطة أطلق مرشد الجماعة استراتيجية معينة بدعم كل الجماعات المسلحة بطريقة غير مباشرة، وأطلق عليها "سلميتنا أقوى من الرصاص".
أشار الكاتبان إلى أن الجماعة قسمت أفرادها عقب فض اعتصام رابعة إلى جزأين الأول خرج للشوارع في مظاهرات سلمية، ليوفر الغطاء للنظام الخاص المسلح الذي سينشط في عمليات مسلحة تستهدف إرباك الدولة وإخضاع مؤسساتها، وكان صاحب تلك الاستراتيجية التي أسماها "العمل النوعي" عضو مكتب الإرشاد محمد كمال.
6 - فشل الإرباك وتعافي الدولة المصرية
يقول الكاتبان إن خطة الإنهاك والإرباك فشلت نتيجة الضربات الأمنية الموجعة لها، إلى جانب عودة ظهور محمود عزت الذي قام بتجميد العديد من قيادات الكماليون واللجان النوعية.