محمد الباز فى حوار لـ" الرئيس نيوز": المقارنة بين صحافة عصري مبارك_ السيسي "غير منهجية" (2-2)
يواصل موقع "الرئيس نيوز" نشر سلسلة حوارات تتناول العلاقة بين السلطة والإعلام في كافة المراحل السياسية من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك مرورا بفترات ما بعد يناير وحتى دولة 30 يونيو، وننشر الجزء الثاني مع حوار الكاتب الصحفي والإعلامي محمد الباز رئيس مجلسي إدارة وتحرير مؤسسة "الدستور"، ومقدم برنامج "آخر النهار" على شاشة قناة النهار.
تحدث الباز، عن فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الفرق بين الصحافة والإعلام في عصر مبارك وفي عصر الرئيس السيسي.
وأكد الباز أن الظرف والتحديات بين عهدي مبارك و السيسي مختلفة واستثنائية فلا يمكن الحكم على النظامين بالنسبة لحرية الإعلام من نفس المنظور.
وأوضح الباز في حواره أن رأس المال هو المسيطر دائما في صناعة الإعلام، وهو الذي يوجه و يصيغ السياسة الإعلامية للمؤسسات التي يملكها، ورجال الأعمال ممن عملوا في الإعلام مجرد سماسرة، سعوا لتحقيق أهدافهم وخدمة مصالحهم، دون تقديم إعلام حقيقي ورسالة، فالجميع كانت تحركه مصلحته، ولولا تدخل الدولة في لحظة حرجه ومهمة لما كان الإعلام المصري استمر حتى الأن، وكان سيغلق ما يقرب من 90% من الجرائد والقنوات.
وإلى نص الحوار:
ما الفرق بين الصحافة والإعلام في عصر مبارك وفي عصر الرئيس السيسي ؟
هذا السؤال غير دقيق وبه خطأ في التوصيف، فلا يجب وضع مقارنة بين تعامل نظامين مختلفين بظروف مختلفة مع الصحافة والإعلام، فهذه المقارنة غير منهجية لأن الظرفين والأوضاع المحيطة بهما مختلفين تماما، فمقارنة، أوضاع الصحافة والإعلام في عهد مبارك بعهد الرئيس السيسي مقارنة غير منطقية، والبعض يستغل هذا السؤال لترويج أكاذيب وادعاءات لا أساس لها من الصحة، ويعقد مقارنة غير منهجية، لأن الظرف السياسي مختلف والأوضاع والظروف المحيطة مختلفة تماما، فمثلا في عهد مبارك كانت الأوضاع مستقرة، ولم يكن هناك تحديات ولا لا داخلية ولا خارجية، ولم يكن موجود فصيل يسعى لهدم الدولة وزعزعة الاستقرار، ولم يكن هناك إعلام معادي يروج لأكاذيب وشائعات ويسعى لنشر الفتنة والتشكيك في كل شئ، ولذلك الظرف السياسي مختلف تماما، والأدق مهنيا أن نسأل عن دور ووظيفة الصحافة والإعلام
إذا.. بدون مقارنة .. ما الاختلاف في وضع الصحافة والإعلام مع وضع الظرف السياسي المختلف في الاعتبار سواء في عصر مبارك أو العصر الحالي ؟
بداية الظروف التي تولى خلالها الرئيس السيسي حكم مصر هي ظروف استثنائية على كافة المستويات، ولا يمكن التعامل بقواعد عادية في ظروف استثنائية، وتحديدا في ملفات السياسة والإعلام، فطرق ما قبل 30 يونيه لا يمكن التعامل بها بعدها، ويجب النظر إلى الوضع الاستثنائي الذي تعيشه الدولة، خاصة أن التحديات التي واجهتها مصر بعد 30 يونيه كثيرة وداخلية وخارجية، وهناك فصيل يحاول هدم الدولة ولا يريد الإعتراف بشرعيتها، فكيف يتم التعامل معه إذا !، بالطبع ليس من المنطقي أن يفتح لهم المجال والحوار، فالصحافة والإعلام بعد 30 يونيه كان يجب وضعه في اطار والبعض يظن أنها سيطرة من الدولة، لكن الأصل في الأمر أن هذا الاطار الهدف منه حماية الدولة، ويمكننا توصيف مصر بعد 30 يونيه بأنها في مرحلة (حمل لم يثبت) والإخوان وتابعيهم كانوا يحاولوا منع ثبوت هذا الحمل، ولذلك كان التعامل مع الإعلام بعد 30 يونيه على أنه سلاح في معركة، وهذا مختلف تماما عن الإعلام في عهد مبارك فالإعلام كان أداة لإدارة النقاش.
ولكن الإعلام يجب أن ينقل الصورة الكاملة ويترك الحكم للجمهور ؟
هذا في الظروف العادية، ولكن كما قلت مصر بعد 30 يونيه كانت تمر بظروف استثنائية على كافة المستويات، ويجب عند التقييم الوضع في الاعتبار هذه المعطيات، ولا أخفيك سرًا، أحيانا كإعلاميين نتجاهل مناقشة وطرح النقاط حول بعض الملفات لأن إعلام الإخوان المعادي يتناولها، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمواطن العادي ستجد أن الإعلام يقف بجانبه، وهذا ما حدث مثلا في أزمة التصالح في السكن، فالإعلام بأكمله تضامن مع الناس وتحدث وناقش الأمور لأن الهدف الرئيسي كان خدمة الناس، وستجد أن الدولة عندما بدأت تستقر وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة على العالم بأكمله، لكنها قررت أن تطلق الحوار الوطني.
كيف رأيت تجارب رجال الأعمال في الإعلام المصري قبل يناير وبعدها ؟
رأس المال هو المسيطر دائما، وهو الذي يوجه ويصيغ السياسة الإعلامية للمؤسسات التي يملكها، وكان هناك محاولات لتفهمات مع الإخوان ولكنها لم تكتمل، ورجال الأعمال ممن عملوا في الإعلام مجرد سماسرة، سعوا لتحقيق أهدافهم وخدمة مصالحهم، ولا أرى أحدا منهم يقدم إعلام حقيقي ورسالة، فالجميع كانت تحركه مصلحته، ولولا تدخل الدولة في لحظة حرجه ومهمة لما كان الإعلام المصري استمر حتى الأن، وكان سيغلق ما يقرب من 90% من الجرائد والقنوات، واعتقد أنه بعد اعادة التنظيم والترتيب من الممكن أن تسمح الدولة بدخول رجال الأعمال مره أخرى بعد إعادة التنظيم ووضع الضوابط، ولدي رأي خاص بأن لولا تدخل الدولة في ثلاث مجالات هي الاقتصاد والاعلام والسياسة لكنا الأن أمام كارثة كبيرة.
كشفت أن رأس المال هو المتحكم في أي وسيلة إعلامية.. فهل يعني ذلك أن الصحفي غير قادر على انتقاد مالك المؤسسة التي يعمل بها ؟
بالطبع هذا واقع، وكنا نعمل في جرائد لا تنتقد أصحاب الجريدة، فمثلا عندما وجه نجيب ساويرس انتقادات واساءات للجيش، هل تمكن مجدي الجلاد من الرد عليه في أحد مؤسسات "أونا" ؟، هل يجرؤ صحفي في مصراوي، أن ينتقد نجيب في الموقع، وفي الشروق نفس الوضع، هل يجرؤ صحفي أو حتى رئيس التحرير عماد الدين حسين، أن ينتقد إبراهيم المعلم أو أحمد هيكل، أو يتعرضوا لهم !، هذا مستحيل أن يحدث، وحقيقة أتعجب من هؤلاء الزملاء الذين يعملون بقواعدهم في مؤسساتهم ويرفضوا أن يعمل الأخرون بقواعدهم في المؤسسات العاملين بها، فهم يحاولوا ان يوجهوا الإعلام لشتيمة الدولة في مؤسسات تملكها الدولة، فهل هذا منطقي !، من الممكن أن يوجه اعلام الدولة نقدا مهنيا أو يقدم مقترحات وحلول ولكن لا يصح أن يهاجم الدولة.
مؤخرا استضفت الحقوقي طارق العوضي.. وقبلها كنت تنتقده وتهاجمه على الهواء في نفس البرنامج .. فما الذي تغير ؟
عندما استقرت الأمور وصارت في اطار أفضل، بالطبع تتاح الفرصة للجميع أن يتحدثون ويطرحوا رؤيتهم، وعندما استضفت طارق العوضي قال لي (احنا كنا مختلفين)، وردي عليه كان أننا (مازلنا مختلفين)، ولكن علينا أن نتحاور، وعندما قال أن الإعلام كان يشتمهم ويهاجمهم، كان ردي عليه لأنكم كنتم تتحدثون في ظروف استثنائية وكأننا نعيش وضع طبيعي، وأيضا نختلف في الكثير من التوصيفات وهنا يجب أن نضع في الاعتبار (متى نتحدث وأين نتحدث)، فهم يطالبون بالحريات ونحن أيضا نطالب بها، ويطالبون بالافراج عن المسجونين ونحن أيضا نسعى لذلك، ولكنهم للأسف يتجاهلون ما قاله الرئيس السيسي بنفسه (يجب أن ندرس مواقف المحبوسين لأن مرحلة الفوضى تسببت في ظلم البعض)، وعندما تحل الفوضي لا يجب أن نتعامل بمعايير تقليدية، فمثلا طارق العوضي كان يستخدم مصطلح (الاختفاء القسري) وهذا محاولة لابتزاز النظام، لأن المعلومات التي روجوها مضللة، وأثبتنا أن كثيرين ممن كان يطلق عليهم "مختفين قسريا" هربوا خارج البلد وانضموا لتنظيمات إرهابية، ومثال أخر عندما يتحدثون عن بعض المحبوسين في قضايا ترويج شائعات وأخبار مضللة يقولون أنهم "سجناء رأي"، فهذا غير دقيق وغير عادل، فلا يمكن أن يوصف شخص مضلل ومروج لأكاذيب من شأنها تكدير السلم أنه سجين رأي.
بمناسبة الحديث عن الحوار الوطني .. هل ترى أن الأفضل اعتباره حوار سياسي أم حوار مجتمعي شامل ؟
حقيقة أري أنه يجب أن يكون مؤتمر وحوار اقتصادي، قبل أي حديث في السياسة، ويجب أن يكون مؤتمرا يضم اقتصاديين بارزين من داخل مصر وخارجها، ونستعين بخبرات المصريين في الخارج في ملف الاقتصاد والاستثمار، لأن الوضع الاقتصادي أولى كثيرا من غيره، ولا ينكر أحد أن الدولة نفسها بدأت في اتخاذ إصلاحات سياسية قبل الحوار الوطني، فمثلا بدأت في إخراج المحبوسين، وأرى أن ملف السياسة من الممكن أن تجرى به إصلاحات دون الداعي لحوار، وستجد أن بعض المعارضين تحدثوا بحريه وظهروا مؤخرا في البرامج والصحف، ولم يقدموا حلول حقيقية للأزمات الاقتصادية بل قدموا كلاما نظريا ليس له علاقة بالواقع وحقيقة (الواقع تجاوز من يتحدثون عن رؤى سياسية) فالموطن لا يهتم سوى بمستقبل الاقتصاد والاستثمار، وهناك إقتراح بأن يزور جميع المشاركين في الحوار الوطني المشروعات القومية التي تم تنفيذها على الأرض، حتى يتحدثوا في الحوار من واقع ما تم تحقيقه، ويكون لديهم رؤية كاملة وشاملة يمكنهم من خلالها طرح رؤاهم في الحوار، وبشكل شخصي أتمنى أن يكون الحوار اقتصادي، خاصة أن الاقتصاد لا خلاف عليه فهو عبارة عن أرقام وليس وجهات نظر، أما السياسة والاعلام فتحتمل الاختلاف في الرأي.
البعض ينتقد أداء الإعلام المصري .. فما تعقيبك على هذه الانتقادات ؟
هناك مبالغة من بعض الإعلاميين في التقليل من قيمة الإعلام المصري وتصويره كأنه إعلام تائه وضائع، ولدي تصور مخالف تماما لهذه الأراء الغير سويه، وستجد أن جوائز الصحافة في الشرق الأوسط بأكمله تضم دائما مصريين، وما صار على الإعلام هو نفس ما صار على كافة المجالات الأخرى (الإعلاميين لا ضحايا ولا جناه .. هما شغالين في مهنة جرت عليها تغيرات مثل أي مهنة أخري) وأما أن يستسلموا أو يطوروا من أنفسهم للعمل في ظل الظروف الموجودة، وأعتبر أن الحديث في هذه الأمور مجرد تضييع وقت في فتح قضايا لن تفيد في شئ.
هل ترى أن الدولة أخطأت في التعامل مع الإعلام وطريقة إدارته ؟
إدارة الدولة لملف الإعلام يمكن وصفها بأنها (إدارة الضرورة) كان ضروريا أن تتدخل الدولة لتباشر ملف الاعلام بالصورة التي تمت، ولا أرى أي أخطاء ملموسه أو مؤثرة، من الممكن أن يكون هناك اختلاف في بعض التفاصيل التنفيذية الصغيرة والغير مؤثرة من وجهة نظري، .. التنفيذ خاضع لوجهات نظر، وهذه وجهات نظر يمكن الحديث حولها، ولكن الدولة دخلت لإعادة البناء في ظل مقاومة مما تسبب في أخطاء محدودة يسهل تصحيحها، ولكن في النهاية الإعلام حقق أهداف الدولة وأهدافه وحافظ على استقرار الشارع وقضى على الاستقطاب، كما تمكن من مواجهة الإعلام المعادي الذي يسعى لهدم الدولة، وهذا نجاح يحسب للإعلام، وبالنظر للمسألة ككل ستجد أن الدولة قامت بعملية إنقاذ كاملة لسمعة الإعلام المصري (لولا الدولة مكنش هيبقى الإعلام موجود أصلا)، وتمكنت الدولة من الحفاظ على الإعلام من الاستقطاب في اتجاه الإخوان الذين سعوا لضخ أموال طائلة للسيطرة عليه، واعتبر أن ما قام به الإعلام المصري بعد 30 يونيه هو "حرب شوارع" في مواجهة كيانات تحاول هدم الدولة وتمزيقها، وهناك من حاول الترويج لفكرة أن الإعلام هو السياسة، وهذا غير حقيقي، فالصحافة والإعلام بهما الكثير من الأمور التي يمكن طرحها ومناقشتها بعيدا عن السياسة، والحديث عن أوضاع صعبة للصحفيين بسبب تراجع رجال الأعمال عن العمل بالإعلام، واذا لم تتدخل الدولة كان سيكون هناك "عدم" خاصة بعد رفض رجال الأعمال الاستمرار في المنظومة التي أفسدوها من البداية، فأين يذهب الصحفيين والإعلاميين والمعدين وغيرهم من العاملين في المجال ؟!.