الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

محمد الباز في حوار لـ"الرئيس نيوز": حرية الصحافة في عهد مبارك "حمل كاذب".. و25 يناير اتسمت بـ"الفُجر المهني"(1-2)

الرئيس نيوز


 

يجرى موقع الرئيس نيوز سلسلة من الحوارات الصحفية التي تتناول العلاقة بين السلطة والإعلام في كافة المراحل السياسية من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك مرورا بفترات ما بعد يناير وحتى دولة 30 يونيو.

راعينا في اختيارات شخصيات الحوار ممن كانت يدهم في "الشغلانة"، من مارسوها وانخرطوا فيها وذاقوا نارها وحلاوتها، وشهدوا فصول صراعاتها، حاولنا الانتقال من حالة "التنظير" لحالة "التحليل".

الكاتب الصحفي والإعلامي د. محمد الباز، رئيس مجلسي إدارة وتحرير مؤسسة "الدستور"، ومقدم برنامج "آخر النهار" على شاشة قناة النهار، الباز أحد صنايعية المهنة وابن مدرسة الكاتب الصحفي الكبير عادل حمودة صاحب مدرسة الكواليس والنميمة السياسية، تربى مهنياً على جمع التفاصيل ونظمها ونسج صورة لن ندعى أنها الأدق ولكنها بلا شك الأكثر ثراء، فلا يكتفي بالرأي ولا التحليل ولكن روايته دائمة مطعمة بالحكايات الكاشفة ليضعك في النهاية أمام صورة كبيرة للأحداث ويترك لك حرية اختيار زاوية الرؤية.

يمكنك أن تعتبر الباز شاهد على العصر كونه رئيس مجلسي إدارة وتحرير مؤسسة الدستور من بداية العام 2017 وحتى الآن، أي بالمواكبة لبدايات نظام السيسي، كما شارك في صناعة عدة تجارب صحفية خلال عهد مبارك منها "صوت الأمة" و "الفجر" الأسبوعيتين، وجريدة "البوابة" اليومية خلال المرحلة الانتقالية الثانية.

تحدث الباز، عن حقبة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وأسباب الانفراجة الكبيرة التي شهدتها الصحافة خلال تلك الفترة واصفًا إياها بـ "الحمل الكاذب"، مشيرًا إلى أن حرية الصحافة كانت بهدف تمرير "توريث" الحكم لجمال مبارك.

وإلى نص الحوار:

 

بداية... أرغب في معرفة سبب الانفراجة التي شهدتها آخر 10 سنوات في عهد الرئيس الراحل مبارك؟


 

إذا أردنا توصيفًا دقيقًا عن مزاعم حرية الصحافة خلال آخر 10 سنوات في عهد مبارك، فيمكننا تشبيهه بحرية "الحمل الكاذب"، فهي إدعاءات كاذبة بحريه زائفة لدرجة بعيدة، ويرجع ذلك لسببين، خاصة أن هذه المساحة من الحرية لم تكن نابعة من قناعة مبارك نفسه بحرية الصحافة، ولكن كان هناك عاملان مهمان جدا دفعوا مبارك لفتح المجال قليلا للصحافة، العامل الأول هو: عامل خارجي، وبدأ تحديدا في عام 2003، عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق، وكانت تصريحات بوش وقتها قوية بأن هذا الغزو رسالة لكل الديكتاتوريين العرب، وبعد القبض على صدام حسين خرج علينا على عبدالله صالح وقال صراحة (كل واحد يحلق لنفسه قبل ما الأمريكان يحلقون له)، وحينها أعلن القذافي أنه يقبل التفتيش على الأسلحة النووية في ليبيا، وهو ما جعل مبارك يفتح المجال قليلا لحرية الصحافة للمتاجرة بها خارجيًا وكسب أرض جديدة، وهذا هو السبب الخارجي.

أما السبب الثاني هو: سبب داخلي، يتمثل في مشروع التوريث لجمال مبارك، والذي كان قائما على أنه الوجه الليبرالي الذي يسعى لنقل مصر نقلة جديدة، وهذا الوجه الليبرالي يتطلب أن يكون هناك حرية صحافة، ولذلك سمح نظام مبارك بتجربتي هما "المصري اليوم" و "الدستور" في عودتها مرة أخرى.

وماذا عن تعامل الدولة مع هذه التجارب الجديدة أنذاك؟


 

فكرة عودة "الدستور" كانت فكرة صفوت الشريف، والذي ارتأى أن عودة الدستور من خلال إبراهيم عيسى، ستتيح فرص رفع سقف الحريات بشكل ما، وحينها جلس إبراهيم عيسى بأحد مقاه وسط البلد وتفاخر بأن النظام لجأ له حتى يوحي للمجتمع الدولي بأن سقف الحريات قد ارتفع من خلال فتح المجال نوعا ما لحرية الصحافة، وبعد تصريحات إبراهيم عيسى غضب صفوت الشريف واعتبر أن كلامه تجاوز، ولذلك تأخرت عودة الدستور لمدة قد تصل إلى سنة تقريبا بسبب هذا التصريح، ولا أخفيك سرًا كان الأستاذ عادل حمودة هو الوسيط في هذه الصفقة بين صفوت الشريف وإبراهيم عيسى، وغضب حمودة من إبراهيم عيسى بعدما قاله ووصفه بأنه تعامل بنوع من "المراهقة".

اقرأ أيضاً

محمد الباز يطالب بإقالة إيهاب جلال: "ملوش علاقة بالكورة"


 


 


 

معنى ذلك أن الحرية التي كانت ممنوحة لهذه الصحف أنذاك كانت تخدم النظام نفسه؟


 

يمكن أن نقول إن الحرية التي كانت ممنوحة هي "حريه وظيفية" وليست "حريه حقيقية"، خاصة في ظل الضغوطات الخارجية الأمريكية على النظام المصري، وكان معروفا لدى الجميع أن هناك صحف دورهم هو ترجمة هذه الضغوط في شكل صحفي، ومن هذه الصحف تحديدا "المصري اليوم" و "نهضة مصر".

 كيف كانت هذه الصحف تخدم النظام في نفس توقيت تجسيدها للضغوط الأمريكية على النظام نفسه؟


 

لأن مساحة الحرية التي تم منحها كانت نوعا من المراوغة، ولذلك مثلا ستجد أن جمال مبارك والخارجية المصرية في هذا التوقيت كانوا يأخدوا هذه الجرايد في ملفات ويقدمونها للغرب لادعاء وجود حرية صحافة وعدم مضايقة الصحفيين، وبذلك كانت هذه الصحف تخدم النظام ومشروع التوريث، فكلا الطرفين كان يسعى لتحقيق هدفه، النظام كان يسعى لتحقيق مكاسبه والترويج لنفسه ولمشروع التوريث، والصحفيين كانوا يسعون لمجد مهني، وكلا منهم كان يحقق هدفه، والنتائج تؤكد أن النظام كان يستخدم هذه الصحف، لذلك لا أنظر بتقدير لهذه التجارب سواء المصري اليوم في بدايتها أو الدستور في عوتها، واتعجب من حديث البعض عن هذه التجارب كتجارب مهنية خالصة مجردة، ولا أقتنع بهذا الكلام اطلاقا.

معنى ذلك أن نظام مبارك كان يستخدم الصحافة ولم تكن هناك مرونة في التعامل معها؟


 

لم تكن مرونة في التعامل، وكما قلت كان مجرد استخدام للصحافة بشكل واضح، حتى أن بعض أصحاب هذه التجارب كانوا يقدمون أنفسهم للنظام وتحديدا لجمال مبارك بطرق مختلفة، على أنهم القادرون على الترويج له ولمشروعه.

مَن كان يفعل ذلك؟


 

كثيرون، وسأذكر مثلا الزميل مجدي الجلاد، والذي قدم نفسه لجمال مبارك من خلال مقال يوحي بأنه قادر على تقديمه للناس بشكل أفضل من عبدالله كمال، وهذا مقال منشور بالفعل ومن الممكن العودة له، واعتبر أنه كان يعمل في صيغة صحافة العلاقة الأساسية بها هي الاستخدام، وأرى أن من الجرائم المهنية التي ارتكبتها "المصري اليوم" أنها أعطت شرعية للإخوان على الأرض ومساحات للتواجد بشكل كبير، وأذكر مثلا مقالا شهيرا كتبه الجلاد عندما كان يقف إمام بمحمد عبدالقدوس وأحد أعضاء الجماعة، وذكر خلاله أنه لم يركز في الصلاة لعدم معرفته هل ما يفعله صحيح أم خاطئ.

لكنك بذلك تنكر النجاح الذي حققه المصري اليوم والدستور مهنيا في هذا التوقيت؟


 

ليس إنكار، ولكنها قناعة لما عايشته وشاهدته ورصدته بنفسي، فالحديث على أنها تجارب مهنية ضخمة غير حقيقي وغير دقيق، هي تجارب "بنت ظروفها"، وحقيقة اعتبر مجدي الجلاد سعيد الحظ وليس مهني كفأ، ولكنه فقط حالفه الحظ في لحظة معينة تمكن من استغلالها، والترويج أنه صانع تجارب مهنية وصحف يومية عظيمة ليس حقيقيا، ولا يمكن إنكار أن الذي وضع الهيكل الكامل للمصري اليوم هو هشام قاسم (سواء اتفقت معه أو اختلفت) هذا لا ينفي عنه أنه قادر على عمل "مكنة" إدارية جيدة (هو دماغه شمال لكن مهنيا شاطر) ومجدي الجلاد ركب على هذه "المكنة" وأدارها، وعندما انتقل إلى "الوطن" نقل معه نفس المكنه، فهو ليس مبدعا أو صاحب بصمة، وهذه المكنه لم تنجح فعليا بعد 25 يناير ولا بعد 30 يونيه لأن الظرف السياسي اختلف.

لكن "الوطن" حققت نجاحًا ورواجًا كبيرًا خلال فترة حكم الإخوان... ما تعقيبك؟


 

نفس وضع "المصري اليوم" ينطبق على "الوطن" فالجريدة خرجت في لحظة صراع مع جماعة الإخوان، وخلالها كسب الوطن كثيرا من حالة الزخم التي كانت موجودة واعتبره الجميع جرنان قويا يواجه الإخوان، ولكن هذا لا ينفي أنه وغيره من الصحف آنذاك كانوا مسنودين على دعم شعبي واضح ودعم خفي من بعض مؤسسات الدولة غير الراضية عن الأوضاع، وكل الجرائد المصرية كانت تفعل ذلك لأنهم جميعا كانوا رافضين لوجود الإخوان، وتجربة "ألون" حصلت على زخمها أيضا من الظرف السياسي وليس من محتواها المهني.

 

اقرأ أيضاً

عاجل..بعد تراجعه عن الاعتزال مبروك عطية يعتذر عن تصريحاته ويكشف موقفه من محمد الباز


 


 

وماذا عن دور الصحافة بعد 25 يناير؟


 

بعد 25 يناير كانت الصحافة تعاني من أقصى درجات "الفُجر المهني"، وذلك يؤكد أن ما قبل هذا التاريخ لم يكن هناك حرية صحافة حقيقية، ولذلك بدأت الصحافة تمارس الحرية بأثر رجعي، بعد أن حرمت منها لسنوات طويلة.

ماذا عن تجربة جريدة "الفجر" وأنت كنت جزءا رئيسيا من مكونها قبل 25 يناير وبعدها؟


 

حقيقة أعتبر الفجر جريدة خاصا لم يفقد بوصلته لحظة واحدة في عدم التعاون مع جماعة الإخوان، وهناك الكثير من المواقف للأستاذ عادل حمودة تشهد على ذلك قبل وبعد يناير، وخلال حكم الإخوان كنت أنا المسؤول الأساسي عن صياغة سياسات الجريدة، وشاركني في هذا زميلي في الجريدة، وبدعم كامل من الأستاذ عادل حمودة، وبعد استشهاد الزميل الحسيني أبي ضيف، أصبح هناك تار شخصي لأن الإخوان قتلوا ابننا، وحقيقة لم يكن تأثير الفجر مثل جرائد أخرى وهذا يرجع لأنه كان جريدة أسبوعيا، وخضنا من خلاله معارك قوية مع الجماعة حتى أنني تمكنت من إخراج أحد أقطاب نظام جماعة الإخوان من القصر وهو "ياسر علي" بعد معركة صحفية قوية جدا، والفرق بين الفجر والتجارب الصحفية الأخرى هو أن الفجر لا يكذب ولا يتجمل ولا يدعي بطولات، حتى أستاذ عادل حمودة نفسه لم يدع يوم بطولات أو يتاجر بمواقفه، وكنت شاهد عيان على رفضه الجلوس مع مرسي وجماعة الإخوان بعد أن وجهوا له دعوه للحوار.

تحدثت عن علاقة "الفجر" بجماعة الإخوان... فماذا عن علاقتها بنظام مبارك؟


 

يمكن أن نشير أن "الفجر" و "صوت الأمة" تحديدا حتى عام 2003، كانت هناك خطوط حمراء كثيرة جدا، وبعد 2003 تم رفع بعض الخطوط الحمراء اضطرارا، والأوضاع في عصر مبارك كانت مستقرة وطبيعية ولذلك كان الحوار بين النظام والصحافة ( رايح جاي) ومع ذلك يمكن التأكيد على أنه لم يكن هناك جرنال واحد في مصر غير طيع للنظام، فكانت هناك تفاهمات طوال الوقت، واذكر مثلا في صوت الأمة كنا قد أعددنا ملف من 3 صفحات عن زيادة الأسعار وقبل النشر تواصل معنا صفوت الشريف وطلب إلغاء الملف وتمت الاستجابة له فورا، ومن الممكن أن أقول لك ما هو أخطر من ذلك، فمثلا محاضرة هيكل في الجامعة الأمريكية والتي تحدث خلالها عن التوريث، كافة الجرائد الخاصة جهزتها للنشر، ولكن فجأة وبتعليمات من صفوت الشريف تم منع نشرها جميعا في كافة الصحف، ولم ينشرها آنذاك سوى جريدة "العربي الناصري" والتي كانت أكثر صخبا في عصر مبارك، ولكنها أيضا كانت تجربة "طيعة" مع النظام.

البعض يشير أن نظام مبارك كان يتعامل مع الإعلام بنظرية التنفيس... فما رأيك في ذلك؟


 

ليس في كل الأحيان، والإعلام في أحيان كثيرة هو صوت الناس، ويعبر عنهم، ومبارك لم يكن يستخدم آلية التنفيس بقدر استخدامه لآلية الالتفات، فعندما كان يتعرض النظام لأزمة كبيرة كان يختلق أمورًا أخرى ويروجها في الإعلام حتى يذهب الناس بعيدا، فمثلا وقت أزمة الأقصر والهجوم الذي تعرض له المتحف المصري، كان النظام لا يتردد في إخراج قضية آداب كبير ليلهي بها الناس ويشغلهم عن الأزمة الحقيقية، ولا أخفيك سرا الجنزوري نفسه اعترف في إحدى جلسات مجلس الوزراء بأنهم كانوا يقفون خلف قضية فناناتين مشهورتان، لإلهاء الناس عن قضية أخرى، وأيضا كانوا دائما يختلقون أزمات وخلافات بين حسام حسن والجوهري، ويصدرونها في كافة وسائل الإعلام لتصبح حديث الناس، وكان نظام مبارك يسمح لفهمي هويدي، وصلاح حافظ وغيرهم بكتابة مقالات نقدية وآراء معارضة في الأهرام للتنفيس، وكانت الناس تتحدث من أرضية الدولة نفسها ولم يكن هناك آنذاك فصيل يسعى لهدم الدولة أو إزاحة النظام، ولكن كان الخلاف على أسلوب الإدارة، بعكس الوضع الحالي فهناك فصيل يحاول إفقاد النظام شرعيته ويسعى لهدم الدولة.

اقرأ أيضاً
محمد الباز يطالب بتغيير السلوك الاستهلاكي للمصريين