هل تمتلك الوساطة العربية بين روسيا وأوكرانيا مقومات النجاح لإيقاف الحرب؟
على مر السنوات، ركزت مشاركة روسيا في اجتماع جامعة الدول العربية على صراعات العرب وقضاياهم وتحدياتهم الإقليمية، وتداعياتها وتأثيرها على التنمية المستدامة وتركز مثل هذه المباحثات إلى حد كبير على علاقات التجمع الإقليمي العربي بأكمله مع روسيا، ثم العلاقات الثنائية الفردية للدول الأعضاء مع الاتحاد الروسي، وفقا لتقرير نشره موقع يوراسيا ريفيو.
وذكر: "لكن التركيز يختلف هذا العام، فكانت روسيا هي الموضوع، وخلال المناقشات مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في أوائل أبريل الجاري، أتيحت الفرصة للدول العربية للحصول على معلومات بشكل مباشر عن الأزمة الروسية الأوكرانية، ونشأتها وأسبابها الرئيسية وانعكاساتها على العالم العربي".
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، خلال المحادثات مع مجموعة الاتصال التابعة لجامعة الدول العربية بشأن أوكرانيا، إن دول الناتو تواصل محاولتها التدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يحول دون تحقيق المنطقة التنمية المستدامة.
وناقش "لافروف"، خلال الاجتماع الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث هناك أيضًا أزمة مستعرة، أوجدتها السياسات العدوانية لبعض البلدان - معظمها دول الناتو - التي تتدخل في شؤون غيرها من الدول وتمنع المنطقة من التنمية المستدامة التي يجني ثمارها جميع المواطنين.
ويشارك في المشاورات وزراء خارجية الجزائر ومصر والأردن والعراق والسودان، بالإضافة إلى أمين عام جامعة الدول العربية وسفير الإمارات في موسكو، وتم اتخاذ قرار إنشاء مجموعة الاتصال الخاصة بأوكرانيا في وقت سابق خلال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية في 9 مارس في القاهرة.
وأوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في عدة مناسبات، أهداف العملية الخاصة في أوكرانيا وتجرى حاليا مفاوضات مستمرة تعمل على وضع معاهدة يفترض أن ترسي السلام، وبالإشارة إلى جولة المحادثات، لا سيما تلك التي جرت في 29 مارس في إسطنبول، أظهرت أن موقف الوفد الأوكراني أصبح أكثر واقعية في الأمور المتعلقة بضمان أمن أوكرانيا.
مع هذه التطورات الأخيرة، شدد "لافروف" على أن ممثلي كييف أدركوا أنهم لن يتلقوا ضمانات أمنية داخل حلف شمال الأطلسي، لذا يجب عليهم نسيان الانضمام إلى الحلف كما كان هناك المزيد من الواقعية نيابة عنهم فيما يتعلق بالنص على وضع أوكرانيا المحايد في الاتفاقية، وكذلك إعلانها دولة غير نووية، مع الأخذ في الاعتبار كيف كانت القيادة الأوكرانية تتعامل مع هذا الموضوع في الأشهر الماضية.
من حيث موقعه، يبدو أن الوفد الأوكراني أكثر تقبلاً لوضع شبه جزيرة القرم، وجمهوريتي دونيتسك ولوجانسك وهناك أمل كبير في أن يحتوي الاتفاق المزمع بنسخته النهائية في النهاية على جميع الأحكام المقبولة الضرورية، بالإضافة إلى المعلومات التي يتم تقديمها بانتظام بشأن العملية العسكرية الخاصة، قام الوزير لافروف، بالتفصيل، بطرح آخر التطورات المتعلقة بالأزمة الروسية الأوكرانية أمام اجتماع مجموعة الاتصال ووفقا له، فإن الغرب يستغل الوضع في أوكرانيا ليجعل الظلم جزءًا لا يتجزأ من العلاقات الدولية من أجل إحباط إنشاء مثل هذه العلاقات بما يتفق تمامًا مع ميثاق الأمم المتحدة.
كانت هناك فرصة لمناقشة الأزمة المستمرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث وصفها لافروف بأنها "ناجمة عن السياسات العدوانية لعدد من الدول، معظمها أعضاء في الناتو واتهمهم بأنهم يواصلون زعزعة استقرار الدول وعرقلة التنمية المستدامة في المنطقة لصالح شعوب جميع البلدان".
واغتنمت جامعة الدول العربية المناسبة للإشارة إلى الفرص المهمة والمصالح المتنوعة في تعزيز التعاون التجاري بين المنظمات الروسية والعربية بالمجالات الرئيسية لزيادة الاستثمار المتبادل وتنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في الصناعة التحويلية والزراعة والطاقة والتقنيات العالية والنقل والبنية التحتية وتجديد التأكيد على أهمية التبادل المنتظم للآراء وتنسيق المواقف بشأن القضايا الإقليمية والدولية الرئيسية.
وفي وقت لاحق، ترأس وزير خارجية جمهورية مصر العربية سامح شكري وفد مجموعة الاتصال التابعة لجامعة الدول العربية بشأن أوكرانيا وفي سياق حديثه، أكد سيرجي لافروف وسامح شكري استعداد موسكو والقاهرة لبناء علاقات ثنائية متعددة الأوجه وفقًا لاتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي الموقعة في عام 2018.
وعقد "لافروف"، اجتماعًا منفصلًا مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، ووصف مجددًا خلفيات الوضع الحالي بأنها تختمر منذ سنوات عديدة بسبب محاولات الجيران من دول الغرب لتحويل أوكرانيا إلى دولة معادية لروسيا.
ومع ذلك، فقد استعرض تاريخ الأحداث في أوكرانيا وتسلسلها الزمني، وتأثيرها على العلاقات الثنائية والتعاون مع العالم العربي ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبالإضافة إلى ذلك، أعرب عن امتنانه لجامعة الدول العربية على القرارات التي اتخذتها فيما يتعلق بالأزمة وأثناءها في أوكرانيا، بما في ذلك الاجتماع العام لجميع أعضاء الجامعة العربية في النصف الأول من مارس 2022.
جرى خلال الاجتماع، تبادل متعمق لوجهات النظر حول الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وناقش تفاصيل أخرى حول الوضع في ليبيا واليمن وسوريا. كما بحث الاجتماع قضية فلسطين والمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي 24 فبراير، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عملية عسكرية خاصة، بعد أن وافق كل من مجلس الاتحاد ومجلس الدوما (المجلسين التشريعيين) على تنفيذ القرار الرئاسي الذي أثار منذ ذلك الحين نقاشات في جميع أنحاء العالم.
وبحسب مصادر روسية، فإن العملية الخاصة تهدف إلى "نزع السلاح" في جمهورية أوكرانيا السوفيتية السابقة ونتيجة لذلك، فقد دفعت الولايات المتحدة وكندا وأعضاء الاتحاد الأوروبي وأستراليا ونيوزيلندا والعديد من الدول الخارجية الأخرى إلى فرض عقوبات على الاتحاد الروسي، ووصل وفد عربي يضم وزراء خارجية مصر والأردن والعراق والجزائر والسودان والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى موسكو هذا الأسبوع لبحث الأزمة الروسية الأوكرانية مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. وسافر الوفد بعد ذلك إلى العاصمة البولندية وارسو للقاء وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا.
وأشارت صحيفة جلف توداي إلى تصريحات أحمد أبو الغيط، في المؤتمر الصحفي لوزيري الخارجية الروسية والمصرية، بأن الدول العربية استوردت القمح والحبوب من روسيا، وأثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الإمدادات، كما أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط والحبوب.
وقال الأمين العام: "الأسعار ترتفع في مناطق كثيرة في المنطقة العربية، بشكل يؤثر على رفاهية المواطن العربي، ويؤدي الأمر إلى مزيد من الآثار السلبية". لكنه سارع إلى إضافة: "نحن لا ننظر إلى الأمر من منظور العرب فقط، هناك شعور بضرورة الدفاع عن السلام والاستقرار في العالم وإعادة الأوضاع الدولية إلى شكلها الطبيعي" كما شدد أبو الغيط على "احترام مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".
كان الأمين العام لجامعة الدول العربية يحاول أن يقول للعالم الغربي إن ذلك ممكن، ومن الضروري التحدث مباشرة مع القادة الروس والأوكرانيين حول الصراع والقيام بمحاولات لحلها من خلال الحوار والدبلوماسية.
وأعرب وزير الخارجية سامح شكري، متحدثًا في موسكو، عن قلقه إزاء امتداد الأزمة الحالية ودعا جميع الأطراف المتورطة في الصراع إلى وقف التصعيد وعدم اللجوء إلى العمل العسكري ... وشددنا على اللجوء الفوري إلى الحلول السلمية والدبلوماسية- الحوار القائم "، وقال إن الوفد العربي أبدى "استعداده لتقديم جهود الوساطة ودعم التفاوض المباشر بين الجانبين".
من المؤكد أن هناك من يشيرون إلى أنه عندما تخوض روسيا وأوكرانيا معركة شرسة، فمن غير المجدي الحديث عن الدبلوماسية والحوار والحلول السلمية ولكن يبدو أن هذا الجهد الذي يعتبره البعض غير مجدي لجلب الطرفين المتحاربين إلى طاولة المفاوضات هو الشيء الأكثر فائدة الذي يجب القيام به ولم يكن هناك الكثير من الجهود من الجانب الأوروبي للضغط من أجل الحوار بين روسيا وأوكرانيا.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي وأعضاء الناتو يهددون روسيا بالعواقب إذا تعرضت أوكرانيا للهجوم وهذه ليست الطريقة الأكثر فائدة لكي يجعل العالم روسيا وأوكرانيا تتحدثان مع بعضهما البعض.
واستضافت تركيا مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا الشهر الماضي، وبدا أن هناك احتمالية بحدوث انفراجه، على الرغم من أن ذلك لم يحدث، إلا أن باب المحادثات ظل مفتوحًا وعرض الوفد العربي التوسط وهو عرض ذو قيمة كبيرة لأن روسيا لديها تقارب وثيق مع الدول العربية مثل مصر والجزائر والعراق، والقادة في موسكو سيكونون مستعدين للاستماع إلى القادة العرب أكثر من الأوروبيين.
حتى لو لم يكن هناك تحولات فورية، يبقى الجهد العربي جدير بالثناء، لإنه مزيج من البراجماتية والمثالية، فمن ناحية، تتأثر الدول العربية بتداعيات الحرب، ومن ناحية أخرى للدول العربية مصلحة في السلام العالمي مثلها مثل أي دولة أو منطقة أخرى.
ويستغل القادة العرب بطريقة ما النفوذ الدبلوماسي الذي يتمتعون به مع موسكو للدفع باتجاه حل سلمي للصراع في أوكرانيا وهم في وضع يُحسدون عليه بالقدرة على التحدث إلى كلا الجانبين دون تحيز.
ولقد أكد حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه من الضروري مواصلة الحديث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولذلك يرى المراقبون أن الوفد العربي قد فعل ما كان يجب فعله منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير.