بعد دعمها حزب الله.. هل تنجح قطر في الوساطة بين السعودية ولبنان؟
تظهر التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، بعد لقائه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هامش قمة المناخ COP26 المنعقدة في جلاسكو، أن الدوحة تستعد لدور وساطة في الأزمة المتصاعدة والتي تسبب في زعزعة العلاقات السعودية اللبنانية منذ الأسبوع الماضي.
وقالت مصادر دبلوماسية عربية في العاصمة اللبنانية لموقع فرانس 24 الإخباري إنها تتوقع أن تكون هذه الوساطة مختلفة عن التدخلات الدبلوماسية القطرية السابقة في لبنان، وبشكل مختلف عن الماضي، عندما دخلت الدوحة في السياسة اللبنانية بهدف مساعدة حزب الله، وجدت قطر نفسها اليوم تقوم بوساطة ترحب بها المملكة العربية السعودية على أمل احتواء تداعيات الأزمة بين الرياض وبيروت من أجل الحفاظ على النفوذ السعودي ومكانته في لبنان، وقد يؤدي التصعيد المستمر للأزمة إلى تمزق كامل للعلاقات وانسحاب كامل للسعودية من بلد سعت فيه الرياض منذ سنوات لممارسة نفوذها واحتواء دور إيران هناك.
يقول محللون لبنانيون إن الجهود الدبلوماسية الجديدة التي تبذلها قطر ستختبر قدرة الدوحة على لعب دور الوسيط المحايد، على عكس تدخلاتها السابقة في لبنان حيث سعت إلى إخراج حزب الله من أزماته والحد من الأضرار الناجمة عن مغامرات الوكيل الموالي لإيران في الداخل والخارج أو تعطيل الدور السعودي في لبنان، وقال مجلس الوزراء اللبناني إن الشيخ تميم وعد بإرسال وزير خارجيته الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى بيروت لبحث سبل المساعدة في حل الأزمة اللبنانية الخليجية.
كان وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب قد شكر في وقت سابق نظيره القطري على “كل الجهود المبذولة لاحتواء الأزمة الحالية بين بيروت والرياض، ويرى المحللون أن قطر تواجه عملية توازن صعبة لأنها لا تستطيع السعي إلى وساطة بهدفين متعارضين وسيتعين عليها إيجاد حل وسط بين إظهار أن الدوحة لا تزال صديقة تقليدية لحزب الله، مع وجود إيران خلفه، مع التأكيد أيضًا على أن قطر غيرت موقفها الإقليمي بعد قمة دول مجلس التعاون الخليجي في العلا بالسعودية، والتي بشرت بعصر جديد للمصالحة الخليجية ومن أهم شروط عملية المصالحة في قمة العلا أن تنأى الدوحة بنفسها عن طهران وتضع مصالح دول مجلس التعاون الخليجي أولاً.
ولم تسكت قطر على التصعيد ضد السعودية خلال الأزمة الأخيرة التي أثارتها تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بشأن دور التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ونددت وزارة الخارجية القطرية بتصريحات قرداحي ووصفتها بأنها "غير مسؤولة"، بعد أن وصف الوزير اللبناني الحملة العسكرية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن بأنه "عدوان" ودافع عن الموقف العسكري للحوثيين المدعومين من إيران باعتباره شكلاً من أشكال "الدفاع عن النفس".
واتخذت الدوحة خطوة مدروسة بإدانة قرداحي في بيان عام لكنها امتنعت عن السير على خط الإمارات والكويت والبحرين التي أبدت تضامنها مع الرياض باستدعاء سفرائها من بيروت أو دعوة مواطنيها لمغادرة لبنان وقال أحد المحللين: "بعد أن فتحت الدوحة الباب الأيسر، يمكنها الآن الشروع في فتح الباب الأيمن والقيام بهذه الوساطة".
يقدم أعضاء الحكومة اللبنانية المؤيدون لحزب الله في الوساطة القطرية فرصة لتصعيد مطالبهم من الرياض بعد دعوات سابقة لقرداحي للاستقالة لامتصاص غضب المملكة العربية السعودية ومنع حدوث صراع حيث يخسر اللبنانيون أكثر من غيرهم، فإن حكومة ميقاتي تدعو الآن إلى "الحوار" مع الرياض، وقال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب لوكالة فرانس برس ان "لبنان يدعو السعودية للانخراط في حوار لحل جميع المشاكل العالقة وليس الخلاف الأخير فقط حتى لا تتكرر نفس الازمة في كل مرة".
وأضاف أن "المشاكل بين الدول الشقيقة والصديقة لا يمكن حلها إلا بالحوار والتواصل والثقة وليس بالفرض"، وكانت تصريحات وزير الخارجية اللبناني قد أشارت الى تقاسم المسؤولية عن الازمة بالتساوي. وقال بو حبيب "نريد أفضل العلاقات مع السعودية لكن يجب أن يتعاونوا معنا حتى نجد حلولاً لكل المشاكل التي تواجه البلدين"، ومنحت السعودية يوم الجمعة السفير اللبناني 48 ساعة لمغادرة البلاد واستدعت سفيرها من بيروت وعلقت جميع الواردات من لبنان وقالت وزارة الخارجية السعودية إن الإجراءات اتخذت بعد تصريحات "مهينة" لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بشأن حرب اليمن، ولكن أيضا بسبب نفوذ جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران.
وفي مقابلة سُجلت في أغسطس، وبثت الأسبوع الماضي، قال قرداحي إن المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران "يدافعون عن أنفسهم... ضد اعتداء خارجي" من قبل التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، وأثارت تعليقاته انتقادات غاضبة من المملكة العربية السعودية وحلفائها، مما أدى إلى تدهور العلاقات الدبلوماسية التي ضعفت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب الهيمنة المتزايدة لحزب الله على المشهد السياسي في لبنان وقالت السعودية إن التعامل مع بيروت "لا طائل منه" بسبب تلك الهيمنة.
تمثل الأزمة الدبلوماسية مع المملكة وحلفائها ضربة جديدة للبنان، البلد الذي يعاني من اضطرابات مالية وسياسية، حيث تكافح حكومة هشة لتأمين المساعدات الإقليمية والدولية، وخاصة من جيران الخليج العربي، وتعد المملكة العربية السعودية ثالث أكبر سوق تصدير للبنان، حيث استحوذت على ستة في المائة من صادرات البلاد في عام 2020، بقيمة حوالي 217 مليون دولار، وفقًا لغرفة التجارة اللبنانية.