«السيسي» و«الإخوان».. أين يقف بين الرؤساء في علاقته بالجماعة؟
أين يقف الرئيس عبدالفتاح السيسى بين الرؤساء في علاقته بالإخوان المسلمين؟. هو لا يمكن تصنيفه بـ«الكاره» وهي الوصمة التي تلاحق الرئيس جمال عبد الناصر حتى الآن، إلى حد اتهامه بالإلحاد، ولا هو بـ«المحب» كما ادعى الرئيس أنور السادات «الرئيس المؤمن»، ولا هو بـ«المتوائم» مثلما اتبع محمد حسني مبارك في سنوات حكمه، حيث كانت في الظاهر معارضة وفي الباطن مجرد توزيع أدوار، بل أن جماعة الإخوان استطاعت أن تكون إمبراطوريتها الاقتصادية الضخمة في عهده.
السؤال تردد بقوة خاصة مع القبض على عبد المنعم أبو الفتوح، الذي يصف نفسه بالإخواني المنشق، ورئيس حزب مصر القوية، وهشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقا.
حالة التشابك في العلاقة بين السيسي والإخوان، تأتي من كون الرئيس نفسه شخص متدين محافظ، لا يخفي ذلك ولا يظهره، وإنما هي شهادة كل من اقترب منه، ويطل الله من كلماته أينما توجه، وقف السيسي أمام الكاميرات ، يناجي الله: «يارب أنت عالم بينا ومطلع علينا، وناس كتير عشمانة فيك، ربنا هيساعدنا»، ومرة أخرى يطلب مساعدته: «يارب إحنا ظروفنا صعبة، يارب حضرتك تساعدنا». لم يعبر بخاطره كيف سيتعامل الساسة والخصوم والمؤيدين، كان فقط يخاطب الله على سجيته، بل أنه ابن الحسين والجمالية ، ومسجد الذي شكل جزءا كبيرا من وجدانه.
تدين السيسي الذي لا يتعمد إلى إخفائه أو إظهاره هي التي جعلت الإشاعة الكبيرة حول أنه إخوان، بل أن موقع حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان، نشر موضوعا بعنوان «وزير دفاع بنكهة الثورة».
بدأت علاقة السيسي وجماعة الإخوان، ببداية شبيهة لعلاقة ناصر والجماعة أيضا، فكما اقترب الجماعة من مجلس قيادة الثورة بعد أن تمكن الضباط الأحرار من السيطرة على السلطة، وإلغاء الأحزاب السياسية، وأظهروا تأييد شديد للثورة منذ يومها الأول، مع وجود اتصالات مكثفة بجمال عبد الناصر وباقي أعضاء مجلس قيادة الثورة، ومثلت ثورة يوليو فرصة كبيرة من وجهة نظر الجماعة، للوصول للحكم، أوعلى الأقل للمشاركة فيه بجانب مجلس قيادة الثورة.
ومع محاولات الجماعة فرض رؤيتها على ناصر، والتي كان من بينها فرض تطبيق الشريعة حسب رؤيتهم، ومع مقاومة ناصر لتلك المطالب، لم تحصل جماعة الإخوان على أية مكاسب سياسية لوقوفها بجانب ثورة يوليو، فلم تنجح في القفز على السلطة بشكل تام، أو حتى في الحصول على جزء من كعكة الحكم، وهو ما كان له أثره على خلاف الإخوان مع النظام القائم وقتها.
وهى قصة تكاد تكون متطابقة بين بدايات العلاقة بين السيسى والجماعة، وقت توليه مسؤولية جهاز المخابرات الحربية، عقب ثورة 25 يناير، فقد كان السيسى وقتها يلتقي الأحزاب والقوى السياسية على اختلاف ألوانها، وكان من بينها جماعة الإخوان، والتي على الرغم من عدم إعلان موقفها بوضوح في بداية الثورة، إلا أنها استطاعت أن تركب أمواج الثورة بعد الاطمئنان لسقوط مبارك، وكان لها قواعدها الشعبية المنظمة وقتها، بل الأكثر تنظيما بين كل القوى السياسية وهو ما سهل وصولها إلى قصر الاتحادية فيما بعد.
مع وصول الجماعة إلى سدة الحكم ، جنحت الجماعة إلى اختيار السيسي وزيرا للدفاع، حجتهم في ذلك كان تدينه وصلاته، وقبل الرجل المنصب لأنه لم يكن معاديا أو كارها لأي فصيل سواء الإخوان أو غيرهم.
حتى أن الموقع الرسمي للحرية والعدالة، نشر موضوعا صحفيا بعنوان «عبدالفتاح السيسي وزير دفاع بنكهة الثورة».
السيدة عزة توفيق زوجة خيرت الشاطر، قالت في أحد الفيديوهات أن زوجها والجماعة، كانت لدها ثقة كبيرة في السيسى، كان صواما قواما، لم نرى منه غير حسن الخلق وما يدفعنا إلى الثقة فيه، لم يكن السيسى يدعى أو يمثل على الجماعة، ولكنه كان صادقا فعلا في عدم معاداته للإخوان قبل أن تظهر مخططات الجماعة للاستحواذ على الدولة المصرية، وترويع الشعب المصري.
كل المحطات بين السيسى والجماعة لم تكن يتضح فيها أي عداء من السيسى للإخوان كفصيل سياسي، رغم عن كل المصادمات التي دخلت فها الجماعة مع كل فئات وقطاعات المجتمع والدولة.
قبل مظاهرات 30 يونيو بأسبوع، في الندوة التثقيفية الخامسة، التي نظمتها القوات المسلحة بمسرح الجلاء، قال السيسي: “إن القوات المسلحة تدعو الجميع دون أي مزايدات لإيجاد صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها”.. “لدينا من الوقت أسبوع يمكن أن يتحقق خلاله الكثير.. وهي دعوة متجردة إلا من حب الوطن وحاضره ومستقبله”.. «لن نسمح بترويع الشعب وسنتدخل لمنع الاقتتال الداخلي».
فحتى قبيل ثلاثين يونيو بأيام قليلة، لم يكن مطروحا من قبل السيسى أو يدور في مخيلته إزاحة الجماعة، بل كان يطرح حوار وطني يجمع كل الأحزاب السياسية، وممثلين عن فئات المجتمع، ليفاجئه مرسى بخطاب امتد لقرابة الثلاث ساعات، يتحدث فيه عن شرعيته، وعدم تراجعه خطوة واحده عما اتخذه من قرارات سياسية أشعلت الشارع وقتها.
وكشف السيسي حوارا دار بينه وبين الرئيس المعزول محمد مرسي، طالبه خلاله بدعوة الشعب إلى استفتاء يحدد خلاله المصريين مدى رغبتهم في بقائه رئيسا لمصر من عدمه.
وأوضح السيسي: «أقول للرئيس السابق من فضلك اعرض نفسك على الشعب المصري في استفتاء، وإن خدت الأغلبية تكمل وكله يسكت وإن ماخدتش الأغلبية ماتكملش وكله يسكت، مادخلناش في فتنة».
ثم كانت مهلة ال 48 ساعة، وهى أيضا المهلة التي ظلت تخاطب الجماعة بوصفها فصيل ومكون من مكونات العملية السياسية،”شهدت الساحة المصرية والعالم أجمع أمس مظاهرات وخروجاً لشعب مصر العظيم ليعبر عن رأيه وإرادته بشكل سلمى وحضاري غير مسبوق”، “إن القوات المسلحة تعيد وتكرر الدعوة لتلبية مطالب الشعب وتمهل الجميــع 48 ساعة كفرصة أخيرة لتحمل أعباء الظرف التاريخي الذي يمر به الوطن الذي لن يتسامح أو يغفر لأي قوى تقصر في تحمل مسؤولياتها”.. كان هذا جزءا من البيان الذي ألقاه المتحدث العسكري تعليقا على أحداث 30 يونيو.
وأثناء التحضير لاجتماع 3 يونيو، تم دعوة الدكتور محمد سعد الكتاتنى لحضور الاجتماع، وهى محطة أخرى تعكس موقف السيسى من الجماعة، وأنه كان حريص على حضورها في المشهد السياسي، رغم ما تسببت فيه من حالة انسداد سياسي بالدولة.
متى تحول موقف السيسى من جماعة الإخوان؟
إذن متى تحول موقف السيسى من الجماعة؟ وقبولها كفصيل سياسي في المجتمع المصري، من المتسامح الذي يمد يده إلى الجماعة بالاندماج في الحياة السياسية مرة أخرى إلى موقف الرافض لوجود الكيان الإرهابي.
نقطة التحول الحقيقية كانت مع أول نقطة دماء سفحتها الجماعة،«ما يحدث في سيناء ردا على عزل مرسى، يتوقف فور عودته» على لسان الإخوان محمد البلتاجي،وصفوت حجازي، رسائل العنف على لسان قادة الجماعة وأتباعها، بحرق مصر وإثارة الفوضى، والأخطر تصاعد عمليات العنف والإرهاب في سيناء، مع سلسة من التفجيرات طالت المدنيين في ربوع محافظات مصر.
والدي لم يخطئ فهو أعطاهم فرصة بسياسة «عفا الله عما سلف»، وكان الهدف احتواءهم ودمجهم في الحياة السياسة، حتى لا يكونوا أداة للإرهاب، حيث كان أساس حكمه ديمقراطيا وليس ديكتاتوريا، وأخرجهم من السجون بمنطق «لعل وعسى يتوبوا»، خاصة أنهم أيام عبد الناصر كانوا عاملين زى القط والفار، لكنهم خانوا العهد ورغم تسامحه معهم إلا أنهم كانوا أداة لقتله”، كان ذلك رد رقية السادات عندما سؤلت مؤخرا عما فعله السادات مع جماعة الإخوان.
تعلم السيسى من تجربة السادات، الذي يكن له إعجابا خاصا كبطل للحرب والسلام، فلم يكرر خطأ مصالحة مع جماعة لا تحفظ العهد،ولا تقيم وزنا ليمين، قال السيسي، إن الشعب المصري وحده هو صاحب قرار المصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية. رد الرئيس السيسي، على سؤال: «هل يوجد مجال للمصالحة مع الإخوان أثناء توليك للسلطة؟»، قائلًا: «الإجابة عند الشعب المصري مش عندي أنا».
في ديسمبر 2013 كان قرار الحكومة اعتبار «الإخوان» جماعة «إرهابية»، بمثابة إعلان رسمي من الدولة بأنه لا يوجد خط رجعة مرة أخرى مع الجماعة، إلا أنه وخلال أربع سنوات من حكم السيسى، تداولت تقارير غربية فكرة المصالحة مع الإخوان، وهوما أزعج مؤسسة الرئاسة.
مطلع مارس 2015، توجهت بسؤال للمؤسسة حول ما يتم تداوله عن إجراء مصالحة مع الجماعة، خاصة بعد وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم خلفا للملك عبد الله.
كان التقرير منشورا عن مجموعة ميدل إيست بريفنج المتخصصة في الدراسات الشرق أوسطية، والتي أشارت إلى أن كل من الولايات المتحدة والملك سلمان طلبا من مصر التصالح مع الجماعة، وهو ما أصاب السيسي بالدهشة والذهول بحسب التقرير، وأنه طلب من مصر دمج الجماعة في الحياة السياسية، كما تناول التقرير الأمريكي مفاوضات سرية بين النظام وبين الدكتور سعد الكتاتنى القيادي الإخوان لدفع الدية عن قتلى رابعة.
أبدت مؤسسة الرئاسة استيائها البالغ من ذلك التقرير، وأكد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، وقتها، السفير علاء يوسف أنه لا مصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، وأن كل ما يتردد في هذا الشأن ليس له أي أساس من الصحة، كما نفى يوسف أن تكون القاهرة قد تعرضت لأي ضغوط من الرياض لإعادة دمج الجماعة الإرهابية في الحياة السياسية مرة أخرى، أو إجراء أي مصالحات مع قياداتها من أي نوع، مشددا على أن موضوع المصالحة مع الإخوان لم يطرح في المباحثات المشتركة بين الرئيس السيسى والعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، لا من قريب أو من بعيد.
ونفى يوسف أن يكون الملك سلمان قد طلب من الرئيس السيسى إجراء مصالحة مع الإخوان، مؤكدا أن اللقاء الذي جمع سلمان والسيسى وقتها تركز حول الأوضاع الإقليمية بالمنطقة، وقال يوسف «لا مصالحة مع جماعة الإخوان ، وموقف الرئيس السيسى واضح جدا في هذا الشأن، وقد عبر عنه في أكثر من موضع، بأن المصالحة أمر غير مطروح لأنه ضد رغبة الشعب المصري الذي نبذ الجماعة الإرهابية».
عاد الحديث عن المصالحة إلى التجدد مرة أخرى، مع لقاء السيسى بثلاث شخصيات من الإخوان المنشقين، ثروت الخرباوى ومختار نوح، وكمال الهلباوي، فعاودت السؤال مرة أخرى في ضوء المستجدات، قال يوسف إن اللقاء تم بناء على طلبهم لعرض مبادرة تحمل رؤيتهم للمواجهة الفكرية للتنظيمات الإرهابية، وإن الأمر ليس له علاقة بأي مصالحات من أي نوع مع الجماعة.
نهاية القول أن السيسى ظل متمسكا بأن الكرة في ملعب الشعب، والشعب يرى من الإخوان ما لا يسر، فيزداد نبذهم يوما بعد يوم.