الشيخ النقشبندي.. صوت ملائكي في أوركسترا «مزامير داود»
صوت ملائكي كلما غرد بأجمل الكلمات، المبطنة بموسيقى باطنية تعبر عن جمال الخلق والكون، سما بسامعيه إلى أعلى المراتب السرمدية، لتردد الشفاه بقول سبحان الله دون تفكير أو إدخار.
الشيخ سيد النقشبندي، قارئ ومبتهل ولد يوم 7 يناير من العام 1920 في حارة الشقية بقرية دميرة، إحدى قرى محافظة الدقهلية، لم يمكث بالدقهلية طويلاً حيث نزحت أسرته إلى طهطا بمحافظة سوهاج وهو في العاشرة من عمره، وحفظ القرآن على يد الشيخ أحمد خليل وهو في الثامنة من عمره، وتعلم الإنشاد الديني بحلقات الذكر للطريقة النقشبندية، نسبة لجده الشيخ محمد بهاء النقشبندي النازح من أذربيجان إلى مصر لتلقي العلم بالأزهر الشريف.
تردد النقشبندي في شبابه بين مختلف الموالد في صعيد مصر ما بين مولد السيوطي بأسيوط، مولد أبو الحجاج الأقصري، ومولد عبد الرحيم القناوي، حيث ذاع صيته في مصر العليا عبر شدوه بأحلى الإبتهالات والتلاوات بصوته العذب القوي.
في العام 1955 كانت الإنطلاقة الكبرى له في رحاب السيد الأحمد البدوي بطنطا، والتي فتحت له الشهرة الكبرى في مصر والبلاد العربية، محييًا ليالي دينية مختلفة ما بين سوريا والأردن وأبوظبي والمغرب العربي وإندونيسيا ودول الخليج العربي، علاوة على تأديته لفريضة الحج خمس مرات.
كان للعام 1966 اللحظة الفاصلة في إنتشار اسمه بشكل أوسع، عبر كشافة الدعاة والمقرئين والمبتهلين، الإعلامي الكبير أحمد فراج من خلال برنامجه "في رحاب الله" حيث سجل له إبتهالات وتواشيح ببطانته الخاصة، ثم سجل في برنامج "دعاء" المذاع عقب آذان المغرب، كما أشترك في برنامج "في نور الأسماء الحسنى"، إلى جانب تسجيله لبرنامج "الباحث عن الحقيقة" عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه.
كان لعام 1967، مذاقًا خاصًا للشيخ الجليل وقت إعتماده بالإذاعة أثناء حرب الأيام الست، التي رفض هزيمتها عبر نبرته النورانية وحنجرته الملائكية مؤازرًا مصر وشعبها بتخطي المحنة عبر الإيمان القوي بقضاء الله وقدره، مع الأخذ بأسباب الكبوة والسعي للخروج منها برداء العمل والإيمان، وهو ما وضحه بتسجيلاته المهمة في إذاعة القرآن الكريم بعنوان "مصر ما هانت على أحد".
في العام 1971، كان لقاء السحاب بينه وبين الموسيقار الكبير بليغ حمدي، عبر لقاء نظمه الرئيس السادات وقت فرح إبنته، محاولاً الجمع بينهما في عمل فني من طراز خاص، وذلك وفق رواية الإعلامي القدير وجدي الحكيم، الذي أشار لخوف النقشبندي من التجربة الإنشادية المصحوبة بموسيقى، ولكن بعد إقناعه له وافق على الفور، عقب سماعه لألحان بليغ، وقال لوجدي الحكيم في حوار إذاعي : "لو مكنتش سجلتهم مكنش بقالي تاريخ بعد رحيلي".
قدم النقشبندي مع بليغ مجموعة إبتهالات وهي : "مولاي"، "دار الأرقم"، "ليلة القدر"، "ذكرى بدر"، "أشرق المعصوم"، "أقول أمتي"، "أي سلوى وعزاء"، "إخوة الحق"، "أيها الساهر"، "أنغام الروح"، "رباه يا من أناجي"، "يا رب إنا جنودك"، "ربنا"، "يا رب أنا أمة".
قدم أيضًا مجموعة إبتهالات مع العديد من الملحنين وهم : محمود الشريف، حلمي أمين، سيد مكاوي، عمار الشريعي، وأحمد صدقي.
قال عنه الدكتور مصطفى محمود في برنامجه "العلم والإيمان" : "إنه مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد".
قدم النقشبندي مجموعة من التلاوات الفريدة في العديد من القنوات العربية، ولكن يظل اسمه في عالم الإبتهال والإنشاد الأكثر طغيانًا وشهرةً على آذان المستمعين، لقوة جوهره الصوتي فيما قدمه من مناجاة ودعاء خرج من أحشائه بكل صدق وتواضع وشفافية.
توفي الشيخ النقشبندي يوم 14 فبراير من العام 1976، عقب يوم من رفعه للآذان في شعائر صلاة الجمعة بمسجد التليفزيون، وهو من أحلى صيغ الآذان على مر تاريخ الإسلام.