«الفتح الأعظم».. تفاصيل فتح مكة وإرساء القواعد الأولى للدولة الإسلامية
في يوم 20 رمضان من العام 8هـ، الموافق 10
يناير من العام 630 م، كان الوعد الحق والبشارة القرآنية تلامس الأرض، وتحسسها
المسلمون يوم فتح مكة (الفتح الأعظم) الذي أرسى قواعد الدولة الإسلامية بشكل
نهائي، موطدًا أركانها ومثبت دعائمها عبر العمل والإيمان.
جاءت بشارة فتح مكة من خلال الوحي، وقت نزول
سورة الفتح على الرسول صلى الله عليه وسلم عقب صلح حديبية، وهو في طريقه من
الحديبية إلى المدينة، مبشرًا إياه بأن اليوم المنتظر قادم لا محالة، كما قدره الله عز وجل.
عقد المسلمون مع مشركي قريش صلح حديبية، وهي
منطقة واقعة بالقرب من مكة، تسمى الآن "الشميسي" في شهر ذي القعدة من
العام السادس للهجرة، الموافق مارس 627 م، نص على عقد هدنة بين الطرفين لمدة عشر
سنوات.
لم تستمر الهدنة طويلاً لنقض قريش الهدنة
التي كانت بينها وبين المسلمين، لإعانتها لبني بكر في الإغارة على بني خزاعة حلفاء
المسلمين، مما أعتبر نقضًا لصلح حديبية ليجهز الرسول صلى الله عليه وسلم، جيشًا
قوامه عشرة آلاف مقاتل لفتح مكة.
تحرك الجيش حتى وصل إلى مكة، فدخلها سلمًا بدون
قتال، إلى أن جاءت لحظة الهجوم من قِبل رجال قريش بقيادة عكرمة بن جهل ضد
المسلمين، ليتصداهم القائد خالد بن الوليد (سيف الله المسلول) ويقتل منهم اثنى عشر
رجلاً، وفر الباقون منهم، وقتل من المسلمين رجلان اثنان.
نزل الرسول بمكة، واطمأن الناس، وطاف بالكعبة
وطعن الأصنام التي كانت حول الكعبة بقوس كان معه، مرددًا: "جَاءَ
الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا"، و "جَاءَ
الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ"، ورأى الصور والتماثيل في
الكعبة فأمر بكسرها.
جاء الفتح وقت
اقتراب موعد الصلاة، وعند قدوم وقت العبادة في شهر رمضان الفضيل الحامل في نفحاته
أسرار النصر والفلاح، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مؤذنه بلال بن رباح، أن يصعد
فيؤذن على الكعبة، وصعد وأذن بلال معلنًا بترنيمته الروحية يوم النصر في وقت
الصلاة.
كان من نتائج
فتح مكة، دخول عدد كبير من رجال قريش للإسلام منهم: سيد قريش وكنانة سفيان بن
حرب، وزوجته هند بنت عتبة، عكرمة بن أبي جهل، سهيل بن عمرو، صفوان بن أمية، وأبو
قحافة والد أبو بكر الصديق.
جاء الفتح الأعظم
بدروس عظيمة، لازالت منقوشة بكل وسائط الحياة ومختلف الأوراق لنستلهم أهم الدروس
والعبر كالأخذ بالأسباب، والسعي من أجل التميز عبر نصرة الدين، وإضفاء القيم
النبيلة في صفحات البشرية والتاريخ.