استشهاد علي بن أبي طالب.. نبوءة الرسول الصادقة
تمر اليوم ذكرى استشهاد رأس الحكمة في الدولة
الإسلامية، لما اتصف به من حكمة وقوة وجزالة في البيان والحوار وهي من سمات الحاكم
المغوار، القادر على إدارة شئون أمته ورعيته من خلال ما شاهده من أحداث هامة ساهمت
في تكوين قوام الإسلام دينًا ودولةً، إنه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وكرم الله وجهه.
في يوم التاسع عشر من رمضان من العام 40 ه، الموافق 27 يناير من العام 661 م، قام عبد الرحمن بن ملجم، أحد الخوارج في فجر هذا اليوم بمسجد الكوفة بالعراق بقتل أول صبي دخل الإسلام، وزوج فاطمة ابنة الرسول، الإمام علي بن أبي طالب والكل صيام ينعش فؤاده بركعتي الفجر.
قتل بن ملجم الإمام علي بطعنه في رأسه، بسيف
مطلي بالسموم مسدلاً ستار الخلافة الراشدية، ممهدًا لخلافة جديدة تحت لواء الدولة
الأموية بقيادة معاوية بن أبي سفيان الذي وقع في عراك كبير وخلاف مثير مع أخر
الخلفاء الراشدين عقب وقعة التحكيم التي تلت وقعة الصفين.
جاء الإمام متوليًا المسئولية في ظروف عصيبة،
عقب الفتنة الأولى (فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه) والتي شقت صفوف المسلمين،
نتيجةً لتصعيد معاوية للأمر وهو حاكمًا للشام وجاء التحكيم الذي أشعل من نار
الفتنة لتأخذ جزءً ثانيًا وأخيرًا في صفحة الخلفاء الراشدين.
عند تصاعد الأمر بين الطرفين (علي ومعاوية)، وعقب
واقعة التحكيم قامت ثورة ضد الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه في 36 ه / 657 م من
قِبل بعض افراده، المعروفين باسم الخوارج، قتلوا بعض أنصار علي ولكن تم سحقهم من
قِبل قوات علي في معركة النهروان.
كان من ضمن الخوارج، عبد الرحمن بن ملجم الذي
التقى خوارج آخرين وهما الحجاج التميمي البرك بن عبدالله وعمرو بن بكر التميمي
بمكة، ووصلوا إلى ضرورة التخلص من علي ومعاوية وعمرو بن العاص بقتلهم من أجل حل
الوضع المؤسف في وقتهم، وكذلك الانتقام لرفاقهم الذي قتلوا في معركة النهروان.
جاء الدافع الأكبر لتنفيذ تفاصيل اليوم
المشئوم، من امرأة أحبها بن ملجم تدعى قطام بنت شجنة التميمية وافقت على الزواج
منه، شريطة أن ينتقم لأخيها وأبيها اللذان قتلا بمعركة النهروان، طالبةً منه رأس
علي كمهر لها.
جرى بن ملجم وراء رغباته المتنوعة، ليُدخل سيفه
المسموم في صفحات التاريخ المظلمة بطعنه الإمام العظيم، والزاهد الكبير وحكيم
المسلمين في فجر يوم جديد من شهر رمضان المعظم، وسط دموع المسلمين على فقد أحب الناس
لقلب رسول الله وأحد المبشرين بالجنة.
توفي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بعد يومين من
الإصابة عن عمر يناهز اثنين وستين عامًا، وأعدم بن ملجم قصاصًا بأمر من الحسن بن
علي رضي الله عنه الذي بويع خليفةً للمسلمين قبل اشتداد حامية المعركة الملتهبة.
باستشهاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه،
تحققت نبوءة الرسول الكريم بموته شهيدًا من خلال حديثه الشريف القائل: "يا علي أبكي لما يُسْتَحَلُّ منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تريد أن
تُصلِّي وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة صالح، يضربك ضربة على
رأسك فيخضب بها لحيتك".
وفي رواية أخرى للحديث: "إنك ستُضرب ضربةً ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقرُ الناقة أشقى ثمود".