الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

لانعدام معامل الآمان.. "سد النهضة" قنبلة مائية نووية تخشاها مصر والسودان

الرئيس نيوز

رصدت مديرة البرنامج الأفريقي في مركز دراسات الأهرام، الباحثة أماني الطويل، ملامح التعنت الإثيوبي خلال فترة التفاوض مع دولتي المصب (مصر والسودان)، بغية الوصول إلى اتفاق قانوني وملزم يخص تشغيل وملء السد. وذلك في دراسة أعدتها لمركز دراسات "فاروس" المختص في الشؤون الأفريقية، وحمل اسم "كيف تقود أثيوبيا حوض النيل إلى المخاطر؟".
ومنذ نحو 10 سنوات وتخوض مصر والسودان، مفاوضات مضنية مع أديس أبابا، للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم يخص ملء وتشغيل سد النهضة، فضلًا عن التأكد من وجود معامل آمان للسد، يحفظ لملايين البشر حياتهم في مصر والسودان، لكن أديس أبابا تتعنت وترفض توقيع الاتفاق أو الكشف عن معامل آمان السد.

تعالي أثيوبي
أكدت الباحثة أماني الطويل أن الذهنية الإثيوبية تتميز بملامح من التعالي على محيطها الإقليمي الأفريقي؛ بسبب الإحساس بالتميز ناتج عن الامتدادات الحضارية الإثيوبية المعروفة بحضارة أكسوم، وفي هذا السياق فإن الدوافع التنافسية مع مصر ذات الامتداد الحضاري الأكثر عراقة وتأثيرا واحتفاء في السياق العالمي تبدو حاضرة في الذهنية الإثيوبية ومحل غضب ربما بسبب فوارق التقدير بين الحضارتين في السياقات التاريخية والثقافية إقليميا وعالميا.
تقول الطويل في دراستها إن الذهنية الإثيوبية بحثت في معطيات الحضارة المصرية القديمة، التي تعتبرها منافسة فوجدت ضالتها في النيل، خصوصا مع مقولة هيرودوت الشهيرة بأن مصر هبة النيل" التي بنت حضارتها وتقدمها عليه.
تشير الباحثة أيضًا إلى الدور الاستعماري لبريطانيا تاريخيا في تأجيج عوامل المنافسة والصراع في دول حوض النيل منذ احتلالها مصر، وارتباط النيل بزراعة القطن الذي لعب دورا رئيسا لمصانع النسيج في لانكشاير البريطانية، ومع الاستعمار البريطاني لمصر العام ۱۸۸۲، تم النظر إلى نهر النيل باعتباره موردا طبيعيا لابد وأن تصب عوائده في مصالح لندن، خصوصا مع تجربة محمد علي في تنظيم النهر واستزراع القطن طويل التيلة الذي كان الرافعة الاقتصادية لمشروعه التحديثي في مصر.

مزاعم أثيوبية
ومع إنشاء مصر مشروع السد العالي، بدأت أثيوبيا في الاستياء، في أن نهر النيل ينبع من الأراضي الإثيوبية بينما تذهب خيراته للأغيار، الذين هم المصريون في هذه الحالة. 
لفتت الطويل إلى أن الخطاب الإثيوبي أسس أدواته في معركة سد النهضة على أمرين أساسيين؛ الأول هو المظلومية، وذلك بهدف جلب التعاطف الدولي مع مسألة تبدو إنسانية في مظهرها، وهو تكتيك مستجلب من الأدبيات الإسرائيلية في طرح القضايا، والثاني هو وضع مصر في مظهر الدولة الاستعمارية المسيطرة على موارد مملوكة للغير.
تتابع الطويل: "في خطاب المظلومية اعتمدت إثيوبيا على الفقر والحرمان من الكهرباء في إثيوبيا، وربطهما بالحرمان من مياه النيل، وأن هذا النيل سوف يقود كل تنمية في إثيوبيا، أما في مكونات الخطاب الإثيوبي بشأن وضع مصر في ثوب استعماري، فإنه يتجاهل عدة أمور، الأول أن نهر النيل نهر دولي مشترك -أي ملكية مشتركة لجميع دول حوضه، وبالتالي لا يمكن تصنيف مصر طبقا لهذه الوضعية بالاستعمارية، ثانيا لم يكن لإثيوبيا أي إسهامات تاريخيا في مناهضة الاستعمار لا على المستوى الفكري ولا على المستوى الحركي، وذلك لسبب موضوعي وهو أنها لم تكن أبدا مستعمرة من جانب الدول الاستعمارية الكبرى بسبب صعوبة تضاريس هضبة الحبشية التي ترتفع عن سطح البحر لما يزيد عن ۱۳۰۰ متر".

مصر وحركات التحرر 
ووصف مصر بالدولة الاستعمارية في الخطاب الإعلامي الأثيوبي، غير دقيق، فمصر ساهمت في الحركة الفكرية الأفريقية وهي المعروفة بالأفريقانية عبر توفیق دوس الذي ساهم في مؤتمرات هذه الحركة في كل من باريس ولندن، ثم ناهضت مصر الاستعمار كقائد أفريقي لحركة التحرر الوطني في الخمسينات والستينات، وساهمت بشكل فعال في تحرر العديد من الدول الأفريقية حين ساندت حركات التحرر الوطني، ودفعت مقابل ذلك عداء بريطانيا والولايات المتحدة التي خططت لسد النهضة الحالي عام 1963 من جانب مکتب استصلاح الأراضي الأمريكي، وذلك رغبة في تطويق جمال عبدالناصر ومشروعه التحرري عربيا وأفريقيا".

رفض الوسيط الدولي
تقول الباحثة أماني الطويل، إن أثيوبيا أدركت خطورة وجود وسيط دولي، منذ أن قبلت بتشكيل لجنة خبراء دوليين، تقييم مشروع سد النهضة تكون عضويتها من خبيرين من السودان، وخبيرين من مصر، وأربعة خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية والأعمال الهيدرولوجية والبيئية والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود من ألمانيا وفرنسا وجنوب أفريقيا. وقد خلصت هذه اللجنة إلى تقرير شامل في مايو ۲۰۱۳، أن السد به تحفظات واضحة تتعلق بسلامة السد والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية على الفئات الفقيرة في مناطق إنشاء السد، وتحفظات تتعلق بتأثيره على الموارد المائية لدولتي المصب وقلة تدفق المياه إليهما.
فما كان من أديس أبابا إلا أن رفضت تقرير اللجنة الدولية، ومنذ ذلك الوقت وهي ترفض أي وساطات دولية. وتم الاتفاق بعد ذلك على أن تكون اللجنة من العناصر الوطنية للدول الثلاث دون وجود أية عناصر من الجانب الإقليمي أو الدولي تقوم بأدوار تقييم مواقف الأطراف أو حتي تقريب وجهات النظر وقد امتد هذا الموقف الإثيوبي الرافض للوجود الدولي حتى أكتوبر ۲۰۱۹.

ضغط أمريكي 
تضيف الباحثة أنه بعدما طلبت مصر وساطة دولية طبقا للبند العاشر من إعلان المبادئ الموقع في مارس ۲۰۱۵، وتحت ضغوط أمريكية انخرطت إثيوبيا في مباحثات في واشنطن تحت رعاية أمريكية اعتبارا من نوفمبر ۲۰۱۹، كان مقرر لها الاستمرار شهرين فقط، لكنها أمتدت لثلاث أشهر، وبلورت واشنطن مسودة اتفاقية وافقت عليها أديس أبابا بالفعل ولكنها انسحبت من التوقيع عليها في فبراير ۲۰۲۰ في خطوة لم تكن مبررة، وأحرجت الوسيط الأمريكي إلى حد قول الرئيس الأمريكي السابق إنه لن يستغرب إذا قامت مصر بعمل عسكري ضد السد، وقد امتد الرفض الإثيوبي للوساطات الدولية أو بحث قضية سد النهضة في أطر دولية كمجلس الأمن مثلا.
تقول مديرة البرنامج الأفريقي في مركز "الأهرام": "حتي اللحظة الراهنة، ترفضت إثيوبيا كل أنواع الوساطات، وتتمسك حتي الآن بإطار الاتحاد الأفريقي لعدد من الأسباب منها أنها دولة مقر الاتحاد، وأنه لا الاتحاد ولا الدول الأفريقية لديهما أدوات ضغط فعالة على إثيوبيا، مقارنة بأطراف دولية قد تملاك سلاح العقوبات الاقتصادية.

سد غير آمن 
تحذر الباحثة من أن تقرير اللجنة الفنية الدولية الصادر في مايو ۲۰۱۳، حذر من انعدام معامل الآمان في السد،  وقال في نص التقرير الذي أصدره: "السد إنشاء إسمنتي في نهاية هضبة، على فالق الأخدود الأفريقي العظيم، وتخزن كمية هائلة وضاغطة من المياه على السد".
وبعد تعثر المفاوضات لفترة  تم توقيع  وثيقة الخرطوم في 26 ديسمبر 2015، لبحث الشواغل المصرية من سد النهضة وأسفر الاجتماع عن: التوقيع على وثيقة الخرطوم والتي تعد وثيقة قانونية وملزمة للدول الثلاث والتي تضمنت الرد على جميع الشواغل التي أثارتها الدول الثلاث - وتم الاتفاق على الشركات الدولية التي ستجرى الدراسات الفنية لسد النهضة الإثيوبي، واختيار مكتب ارتليا الفرنسي، بدلا من المكتب الهولندي المنسحب دلتاريس ليعمل مع الشركة الفرنسية بي. أرأل" بنسبة 30 له و70 % للشركة لبي، أرأل، وقد تم الاتفاق على خارطة طريق مستقبلية بهدف السرعة إتمام الدراسات الفنية على أن يكون التوقيع على عقد الأعمال الاستشارية في الأول من فبراير 2016 في الخرطوم، بحضور الوزراء بالدول الثلاث، على أن تنتهي الدراسة المائية خلال فترة لا تتجاوز 3 شهور وقد انعقدت اللجان في نوفمبر عام ۲۰۱6 دون البت في العروض الفنية والمالية لمكتبي الاستشارات. 

ومع تعقد مسار المباحثات المصرية الإثيوبية بشأن سد النهضة أعلنت القاهرة في يناير 2018، عن رغبتها في مشاركة البنك الدولي في أعمال اللجنة الثلاثية، التي تبحث في تأثير إنشاء سد النهضة الإثيوبي على دولتي المصب، مصر والسودان، حيث يتمتع البنك الدولي بخبرات فنية واسعة، تمكنه من تيسير عمل اللجنة الثلاثية. ولكن تم رفض المقترح المصري من الجانب الإثيوبي بينما لم يتفاعل السودان مع المبادرة المصرية ولم يقدم رأيا واضحا ورد فعل واضح تجاهها وهكذا لم يتم الاتفاق مع المكاتب الاستشارية حتى اللحظة الراهنة.
تقول الطويل: "أصبحنا أمام سد الشركة الإنشائية هي الاستشارية وليس هناك رقم لمعامل أمان هذا السد الذي تنقسم وجهات النظر حوله بين أنه مهدد بالتصدع نتيجة ضغوط المياه على إنشاءات هندسية على فالق أرضي و بين صلاحية السد دون الاستناد لدراسات، وهو ما يجعل كل من السودان ومصر أمام قنبلة نووية مائية تهدد الأمن الإنساني للبلدين في حالة انهيار السد لا قدر الله، بينما ما يزال المجتمع الدولي غير عابئ بتداعيات إنشاء سد بهذه الضخامة دون دراسات فنية يعتد بها أو إفصاح كاف من دولة المنشأ".