"لستم فرنسا يا أعداء الدين".. إجهاض الإسلام السياسي في قبرص الشمالية يغضب أردوغان
أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موجة جديدة من التوترات بين أنقرة والقبارصة الأتراك بسبب معارضته لحكم قضائي يراه عكس جهوده لتعزيز التعليم الإسلامي بين الشباب القبارصة الأتراك، تمامًا كما فعل في تركيا.
في ظل حكم حزب أردوغان "العدالة والتنمية"، شهدت تركيا توسعًا كبيرًا في التعليم الديني، حيث تعهد أردوغان بتربية "أجيال متدينة". ومع ذلك، فإن محاولته لتوسيع رؤيته إلى جمهورية شمال قبرص التركية، التي لا تعترف بها سوى أنقرة، قوبلت بمقاومة في مجتمع يتبع فهماً معتدلاً للغاية للإسلام وغالبًا ما يوصف بأنه واحد من أكثر المجتمعات علمانيةً في طول العالم الإسلامي وعرضه.
وقبل بضعة أيام، في 15 أبريل الجاري، قضت المحكمة الدستورية القبرصية التركية بأنه لا يمكن تنظيم الدورات القرآنية في شمال قبرض خارج إشراف وزارة التعليم، مما أثار غضب أردوغان وتبعه تهديدات من أنقرة، حيث تناولت وسائل الإعلام الموالية لأردوغان الخبر على أنه حظر لدورات القرآن على خلاف الحقيقة كعادتها.
نبع الجدل من تعديل قانوني لعام 2017 في شمال قبرص أنشئت بموجبه لجنة الشؤون الدينية، كجزء من إدارة الشؤون الدينية الحالية. تم تفويض الهيئة بإجراء وتنظيم دورات قرآنية، وإصدار الشهادات، وعقد اختبارات الكفاءة للمسؤولين الدينيين وتحديد المواعيد وفقًا لذلك.
وقضت المحكمة، بناء على التماس من إحدى النقابات العمالية، بأن دستور قبرص يتطلب أن تكون جميع أشكال التعليم تحت إشراف ورقابة وزارة التعليم، وبالتالي شطب التعديل باعتباره غير دستوري.
على الرغم من أن الحكم كان فنيًا في الأساس، إلا أن أنقرة ردت بنبرة شديدة لأنها اعتبرت بوضوح أن هذه الخطوة بمثابة تحدي لجهودها لإبراز صورة قوية للإسلام السياسي في شمال قبرص.
واتهم أردوغان بعض نقابات العمال القبارصة الأتراك بأنهم "أعداء للدين" وحث شمال قبرص على تبني ممارسات تركيا "بالكامل" في التعليم الديني.
وأعلن أنه لن يتسامح أبداً مع الخطوات التي تعرقل التعليم القرآني للأطفال في شمال قبرص. وطالب المحكمة بأن ترجع بسرعة عن ما وصفه أردوغان بـ"خطأها وإلا سنتخذ خطوات مختلفة"، وقال متذمرًا إن فكرة العلمانية ليست كما يتصورونها، و"شمال قبرص ليست فرنسا".
وسرعان ما انضم كبار المسؤولين الحكوميين إلى جوقة الانتقادات، بما في ذلك وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الذي كان في زيارة مقررة إلى شمال قبرص. ووصف دولت بهجلي، الذي يرأس حزب الحركة القومية، الشريك الفعلي لحزب العدالة والتنمية في الائتلاف، الحكم بأنه "فضيحة تصب في مصلحة القبارصة اليونانيين" - في إشارة إلى انقسام قبرص على مدى أربعة عقود بين مجتمعاتها اليونانية والتركية.
وفي محاولة يائسة لاسترضاء أنقرة، تعهدت الحكومة القبرصية التركية باتخاذ الترتيبات القانونية اللازمة للحفاظ على الدورات القرآنية.
وأكد الصحفي فهيم تستكين في تقرير نشره موقع المونيتور الأمريكي أن القبارصة الأتراك ليسوا غرباء عن التدخل السياسي التركي، لكنهم يخشون بشدة التوجه المخطط لتعزيز التدين على أساس الإسلام السني.
وبالنسبة لكاتب العمود القبرصي التركي حسن قهوجي أوغلو، فإن فورة أردوغان ترقى إلى حد تهديد جميع القبارصة الأتراك وتقوض ادعائه بأن جمهورية شمال قبرص التركية هي دولة مستقلة ذات سيادة ويجب أن تظل كذلك في أي تسوية تخص الجزيرة المقسمة. وكتب قهوجي: "هذه الدولة العلمانية التي لم يعترف بها أحد باستثناء أنقرة يتم تحويلها فعليًا إلى مختبر لسياسات التحول الديني لحزب العدالة والتنمية".
جاء هجوم أنقرة على شمال قبرص قبل أيام فقط من بدء جولة جديدة من المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن الصراع القبرصي في جنيف في 27 أبريل، حيث يستعد الجانب التركي للضغط من أجل حل الدولتين. ومع ذلك، كما أشار قهوجي أوغلو، فإن لهجة أردوغان المستبدة، وخاصة دعوته لشمال قبرص لتبني أساليب تركيا بالكامل، عززت الشكوك حول ما يدور في رأسه حقًا، أي أن اقتراح الدولتين قد يكون مقدمة لضم تركيا لشمال قبرص.
وقال ميتي هاتاي، الباحث القبرصي البارز في معهد أبحاث السلام في أوسلو، للمونيتور إن كلمات أردوغان كانت بمثابة صدمة حقيقية للقبارصة الأتراك. ورأى الفقهاء أن لغته عدوانية وتمثل اعتداء على استقلال القضاء. ويعتقد الكثيرون أيضًا أنه وجه ضربة قوية لشرعية جمهورية شمال قبرص التركية قبل اجتماع جنيف، حيث سيضغط الجانب التركي من أجل الاعتراف باستقلال جمهورية شمال قبرص التركية. وعلق هاتاي: "الناس يتساءلون كيف ستسعى تركيا إلى احترام كيان لا تحترمه تركيا نفسها".
سعى أردوغان إلى بناء شبكة من الأتباع المطيعين له في شمال قبرص، على غرار القاعدة الشعبية المخلصة لديه في تركيا. وفي نزاعات أخرى على مر السنين، انتقد القبارصة الأتراك لانتقادهم سياسات أنقرة، واصفا إياهم بالجحود على الرغم من "إطعامهم من قبل تركيا". على ما يبدو، يعتقد أن المشكلة تكمن في الطبيعة العلمانية وذات العقلية المستقلة لسكان الجزر ويرى العلاج في جعلهم أكثر تقوى.
وأشار هاتاي إلى أن "أسلوب الحياة العلماني للقبارصة الأتراك أزعج حزب العدالة والتنمية منذ فترة طويلة وتسارعت عملية بناء المساجد منذ عام 2005. في محاولة لتشكيل المزيد من القبارصة الأتراك المتدينين، أصبحت فصول الدين في المدارس إلزامية، وافتتحت كلية دينية وأخذ آلاف الطلاب إلى دورات قرآنية في تركيا خلال الصيف "، مضيفًا أن معظم هؤلاء الطلاب هم من أبناء مستوطنين من تركيا. وبحسب هاتاي، تم بناء 45 مسجدًا جديدًا في قبرص التركية منذ عام 2002، مقارنة بتسعة فقط في خلال الثلاثين عاماً السابقة لذلك التاريخ.