محمد أحمد شبيب.. قارئ يوم انتصار العاشر من رمضان
شهر رمضان هو شهر الانتصارات والمنجزات على
مر العصور، نظرًا لما يحمله من نفحات نورانية تضفي على المجهود البشري الكثير من
البركات والرحمات والخير والسداد نحو الهدف المنشود.
تنطبق تلك الكلمات على حدث عظيم، منقوش في
الصدور والعقول عبر نبع التاريخ المصري الحديث، وهو نصر العاشر من رمضان من العام 1393
ه، السادس من أكتوبر من العام 1973.
كانت النفوس حائرة ما بين اليأس والرجاء في
أوقات المحن، والشكوك تحوم حول عبور المستحيل لتحرير البقعة الطاهرة "سيناء..
أرض الأنبياء" من براثن العدو الصهيوني، والمناوشات والمراوغات وحالة الحيادية
تحتل سطح المشهد المصري الحزين.
مر على شهر رمضان في العام 1393 ه، 1973 م تسعة أيام والكل سارح في ملكوته ودائرته، دون
التفكير في يوم الفرج المنتظر، من بين هؤلاء الناس، شابًا مرتديًا الزي الأزهري
يستعد في فجر السادس من أكتوبر لقراءة قرآن الفجر، بمسجد الحسين للإعلان عن فجر
جديد من شهر رمضان الفضيل.
هذا الشاب هو القارئ محمد أحمد شبيب، الذي
إستعد لتلك اللحظة بمراجعة ورده اليومي ليتمكن من التلاوة الصحيحة في فجر أعظم
الشهور.
وقف
شبيب أمام دولابه حائرًا لاختيار أفضل الملابس وكأنه ذاهب إلى يوم عُرسه ليصدح
بكلمات الفرقان العظيم في رحاب الحسين رضي الله عنه وأرضاه أمام أثير إذاعة القرآن
الكريم.
توجه شبيب إلى مسجد الحسين قبل الفجر بوقت
كاف، للتأهب والاستعداد للتعطر بخير الكلام أمام العالم أجمع عبر أثير الإذاعة
المباركة، وتم إبلاغه بالآيات التي ستتلى وهي آيات الشهادة بسورة آل عمران والتي
تقول : "وَلَا
تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاٰتًۢا ۚ بَلْ
أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".
قرأ شبيب الآيات البينات وكررها بتضرع وخشوع،
شاعرًا في نفسه بنفحات ما ستهل في هذا اليوم على الجميع بالبشرى والسعادة
والطمأنينة والسرور ببركة الذكر الحكيم.
لم
يكن يعلم الشيخ الجليل، بأن هذا اليوم هو يوم النصر المنتظر والذي بشر به دون أن
يدري بكلمات الوحي كنوع من التأهيل والإعداد لموكب الفرح المرجأ منذ هزيمة حرب
الأيام الست في العام 1967.
"ما
طال ليل إلا وجاء من بعده الفجر"، حكمة إرتبطت بقارئ إستثنائي في ظرف تاريخي
عظيم، أكسبه لقبًا لن يمحى من التاريخ لصلابة الذكرى العطرة، وهو لقب "قارئ
النصر".
بعد
صدور بيان النصر في الساعة الثانية ظهرًا، مر اليوم كالنسمة العليلة حتى جاء آذان
المغرب محتفيًا بقدوم الفرج والأمل، ليروي الصائمون ظمأهم البيولوجي والمعنوي.
قرأ
الشيخ محمد أحمد شبيب بعد ذلك بقصر عابدين مساء يوم النصر وكرر الآيات المبشرات،
لكن تلك المرة قرأها بصفة توكيدية وليست تنبؤية، شاعرًا بمزيج من الفخر والرهبة
لجلالة اللحظة الفارقة في تاريخ مصر الحديث.