bbc وتنبؤ السادات.. كيف أعاد مبارك العلاقات مع العرب بعد كامب ديفيد؟
دائما ما تكتسب سير ومذكرات من يقترب من صنع القرار أهمية كبيرة، ربما لا تعطينا صورة كاملة عن العصر المكتوب عنه، أو تحمل بين سطورها الكثير من الحكي الذاتي سواء كان ذلك بحسن نية أو عمدًا من صاحبها في تبرئة نفسه من أخطاء ذلك العصر.
ولا يزال إلى الآن الغموض يخيم على كواليس الحكم في فترة الرئيس الراحل مبارك، رغم ما كتب من مذكرات وشهادات عن تلك الفترة فإنها لا تقدم صورة كاملة وتعتمد على الشذرات والمواقف.. كان آخر تلك المذكرات: «الرواية.. رحلة الزمان والمكان» لـ د.مصطفى الفقي، سكرتير مبارك للمعلومات.
وبغض النظر عن العبارة عن التي يقدم بها الفقي مذكراته اقتباسًا من كافكا: "خجلتُ من نفسي عندما أدركتُ أن الحياة حفلة تنكرية، وأنا حضرتها بوجهي الحقيقي" إذ تدل من الصفحة الأولى على الغرض الرئيسي من كتابة تلك المذكرات.. لكننا ومن خلال تلك المواقف العابرة التي رصدها الفقي في مذكراته بين مبارك وأطراف مختلفة، نحاول الوصول إلى جزء أكبر من الصورة عن ذلك العصر الهام والمفصلي في تاريخ مصر والمنطقة.
ونرصد في الحلقة الأولى: كيف أعاد مبارك العلاقات مع العرب بعد كامب ديفيد
(1)
- مصر تمثل نقطة ضعف لدى العاهل الأردني
- كواليس الاتصال الأول بين مبارك وحافظ الأسد أثناء القطيعة العربية
- لماذا قال السادات عن صدام: «الواد ده متهور ومغامر.. وهبخرب العالم العربي»
- قصة البواب الذي أقرض صدام حسين عندما كان لاجئًا في مصر
بدأ مبارك رئاسته لمصر في وقت كانت في العلاقات مع دول الجوار مضطربة بشكل كبير، خصوصًا بعد كامب ديفيد، وهو ما يمكن اعتباره أول التحديات التي واجهها في حكم مصر.. ليبقى السؤال الأهم عن تلك الفترة: ماذا فعل مبارك أمام ذلك التحدي؟ وكيف كانت طبيعة العلاقات مع الدول العربية أثناء حكمه؟
يتحدث الدكتور مصطفى الفقي، في مذكراته عن علاقة الرئيس الأسبق حسني مبارك بالبلاد العربية وقت عمله بمؤسسة الرئاسة، مشيرًا إلى الدور الكبير الذي بذله الرئيس الأسبق، بإعادة العلاقات المصرية مع البلاد العربية، بعد عشر سنوات من القطيعة العربية لمصر، منذ إبرام اتفاقيات كامب ديفيد بين عامي 1978 و1979.
وعن تلك الفترة يقول أن "الزيارات المتعددة للبلاد العربية مهدت لعودة العلاقات مجددًا ما بين السعودية، وعُمان، والأردن، والإمارات، وليبيا وغيرها من البلاد، كانت اللمسة الأخيرة لعودة العلاقات بشكل كامل، وقت القمة العربية بالدار البيضاء في عهد الملك الحسن الثاني في العام 1989".
وبالطبع يلقى الضوء على دوره "الكبير" بحسب تعبيره في عودة العلاقات مع الأردن في عهد الملك حسين بن طلال، لأنه قام بكتابة رد على رسالة الملك بأمر من الرئيس مبارك، وهي البادرة الأولى من إحدى الدول العربية بإعادة العلاقات مع مصر، موضحًا: "مصر تمثل نقطة ضعف لدى العاهل الأردني، لدراسته بكلية "فيكتوريا" بالإسكندرية، والتي أخرجت العديد من الشخصيات الكبيرة ذات الحيثيات الثقيلة".
وعن العلاقة مع سوريا أوضح الفقي أن الرئيس السوري حافظ الأسد، ذكر مصر والرئيس مبارك في "هيئة الإذاعة البريطانية" بكل خير وهو ما بلَّغه للرئيس مبارك، ليتم الاتصال بسوريا، مضيفًا: "اعتقد عمال سويتش الرئاسة السورية بعدم جدية الاتصال، إلى أن تم التأكد من رقم الرئاسة المصرية وتم الاتصال بين مبارك والأسد، وكانت نقطة الالتقاء بينهما عبر انتمائهما لسلاح الطيران بالجمهورية العربية المتحدة، ومشاركتهما في النصر الكبير بحرب تشرين (أكتوبر) من العام 1973".
تم اللقاء الأول بين (مبارك والأسد) بدمشق، عقب سنوات من المقاطعة بين البلدين إذ حضر مع الرئيس مبارك، كبار الكتاب والصحفيين وكان للمؤتمر الصحفي خطوة مهمة في لم الشمل مجددًا بين البلدين.
بطريقة مشابهة عادت العلاقة بين الرئيس العراقي صدام حسين، والرئيس مبارك من خلال تأسيس "مجلس التعاون العربي" في مارس من العام 1989، بين مصر "مبارك"، والعراق "صدام"، والأردن "الملك حسين"، واليمن "عبدالله صالح"، ويشير الفقي إلى أن الرئيس السادات كان قد قال عن صدام: "هذا الولد سيخرب الدنيا وسيخرب العالم العربي، وابقوا قولوا إن السادات قال هذا، الواد ده متهور ومغامر، وهيعمل أمور خطيرة جدًا".
حدث كلام السادات بالفعل، بوقوع صدام في فخ الحرب مع إيران التي فتح له السادات مخزن الأسلحة، واتهمه بأنه يتاجر معه في بيع السلاح، وحرب الكويت كانت بداية النهاية لعصره، ثم القشة التي قصمت ظهره، دخول أمريكا العراق في العام 2003 والقبض عليه وإعدامه في العام 2006.
أكد الفقي أن صدام حسين، عند زيارته لمصر عقب عودة العلاقات مع مصر، سأل عن بواب العمارة، الذي كان يقرضه وقت أن كان لاجئًا عراقيًا في مصر وقت الرئيس جمال عبد الناصر، عند فراره من نظام عبد الكريم قاسم الذي حاول قتله في عملية اغتيال فاشلة.
كان البواب يقرض صدام حسين، لحين وصول الإعانة له وكان شديد المحبة لمصر، وكان حريصًا على معاملة العمالة المصرية بالعراق بشكل جيد جدًا، وربطته صداقة بالرئيس مبارك حتى جاءت مشكلة دخول العراق للكويت، في العام 1990 مما أدى لانقسام الصف العربي وتأرجح العلاقات بين البلدين.