السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

قبل نقل المومياوات.. قصة أحمد كمال باشا صاحب الريادة في علم المصريات

أحمد باشا كمال
أحمد باشا كمال

في ظل إنتظار تحرك موكب المومياوات خلال الساعات القليلة القادمة، الكل يفخر بمصريته عبر كلمة السر الكامنة في الحضارة المصرية القديمة التي علمت ولازالت تعلم العالم حتى الآن من خلال المومياوات، والمقابر والجداريات، والنقوش المرسومة على الجدران كدليل حي على أن مصر أولاً وستظل في المقدمة، حتى وإن واجهت العثرات الصعبة.


(كتاب ترويح النفس في مدينة عين شمس لأحمد باشا كمال)

من المعروف أن علم المصريات، أهتم به علماء الغرب ما بين ألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا، والنمسا، وإيطاليا، وكانت هناك محاولات عربية لم توثق بالشكل المطلوب في الكشف عن آثار مصر القديمة، من خلال ذو النون المصري، والعراقي ابن وحشية، واختفت الأدلة على ريادتهما لتنتقل إلى "توماس يونج" العالم البريطاني الذي فك جزء من طلاسم حجر رشيد، قبل أن يسبقه في اكتمال الكشف العالم الفرنسي "جان فرانسواه شامبليون" بالمتحف البريطاني في العام 1822.


(العالم الألماني هاينريش كارل بروغش)

أصبح هذا العلم في ماهيته أوروبيًا، فاقدًا لاهتمام أبناءه الأصليين حتى جاء العالم الألماني الشهير "هاينريش كارل بروغش"، أستاذ اللغة الديموطيقية يفتح أول مدرسة للدراسات الأثرية بالقاهرة (مدرسة اللسان المصري القديم) في العام 1869، في عهد الخديوي إسماعيل.


(مومياء الملك سقنن رع تاعا الثاني)

التحق عدد كبير من الطلبة المصريين بتلك المدرسة الحديثة، من بينهم الطالب أحمد كمال حسن أحمد، الشهير بأحمد باشا كمال الذي تتلمذ علي يدي مؤسس المدرسة، حاذقًا للغات الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية، الحبشية، والقبطية، مع تبحره في التاريخ المصري القديم بطاقة تعارفه للجميع.


(جان فرانسواه شامبليون)

ولد أحمد باشا كمال في القاهرة يوم 29 يوليو من العام 1851، لأسرة تنتمي لجزيرة كريت اليونانية، وتعلم مبادئ الحساب وحفظ القرآن الكريم، ثم إنتظم في التعليم النظامي حتى تخرجه من مدرسة اللسان المصري القديم (كلية الآثار الآن).

لم يعمل كمال في مصلحة الآثار، لقصورها على الأجانب، فبدأ حياته العملية في وزارة المعارف معلمًا للغة الألمانية ثم مترجمًا بوزارة المالية عن اللغة الفرنسية ليترك الوظيفة إلى الأبد، وتحين له الفرصة بالعمل بمصلحة الآثار كاتبًا دون إظهاره لمعرفته بالآثار وعلومها، ثم لم يلبث أن شغل وظيفة مترجم ومعلم للغات المصرية القديمة بالمتحف المصري.


(جاستون ماسبيرو)

تولى أحمد باشا كمال كأول مصري، منصب أمين مساعد المتحف في العام 1873 وظل يشغله حتى اعتزاله العمل في العام 1914.


(معجم اللغة المصرية القديمة لأحمد باشا كمال)

قام بتدريس اللغة المصرية القديمة بمدرسة المعلمين العليا، وبالجامعة المصرية الأهلية، وأختير عضوًا بالمجمع العلمي المصري، وعضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضوًا بالمجمع العلمي العربي بدمشق.


(مومياء الملك رمسيس الثاني)

تعددت جهوده ما بين البحث والتأليف والتنقيب والتدريس، باذلاً مجهودات كبرى في كتابة تاريخ مصر القديم بأيدي مصرية، منعًا للتسويف والتزوير الذي انتاب بعض مؤلفات علماء المصريات الأجانب في فترات كبيرة، لأغراض إمبريالية.

ساهم كمال في الكشف عن خبيئة مومياوات الدير البحري بغربي طيبة (الدير البحري 320) في العام 1881، منقبًا عن مومياوات عظماء ملوك مصر وآثارهم من عصر الدولة الحديثة (الأسرات 18، 19، 20) مثل : الملك سيتي الأول، الملك رمسيس الثاني، الملك أحمس الأول، الملك سقنن رع تاعا الثاني، الملك رمسيس الثالث.


(توماس يونج)

علاوة على ذلك، كانت له مساهمات عظيمة في الحفائر التي أجريت في عشرات من المواقع الأثرية وخاصة في مدينة عين شمس وفي مصر الوسطى، ونشر تقارير ضافية عن هذه الحفائر التي أنقذت مصر القديمة من النسيان بذاكرة الأبناء والأحفاد، وقت تولي عالم المصريات "جاستون ماسبيرو" رئاسة المتحف المصري في القرن التاسع عشر.

بذل العالم المصري مجهودات كبرى في العمل المتحفي، وقت نقله لآثار المتحف المصري على مرتين: الأولى عندما نقلت آثاره من بولاق إلى متحف الجيزة سنة 1890، والثانية عندما نقلت من متحف الجيزة إلى المتحف الحالي بوسط القاهرة سنة 1900.

دعا كمال لإنشاء المتاحف في الأقاليم، كي لا تكون قاصرة على العاصمة فقط، فأسس متاحف للآثار بالمنيا وأسيوط، وطنطا.


(محمد خيري في شخصية أحمد باشا كمال بفيلم المومياء)

ترك للمكتبة العربية العديد من المؤلفات في مجال المصريات، منافسًا بقوة مؤلفات علماء الغرب منها : "ترويح النفس في مدينة الشمس"، "معجم اللغة المصرية القديمة"، "الحضارة القديمة في مصر والشرق"، "الدر النفيس في مدينة ممفيس"، "الفوائد البهية في قواعد اللغة الهيروغليفية".

توفي أحمد باشا كمال يوم 5 أغسطس من العام 1923، وجسد الفنان محمد خيري شخصيته في فيلم "المومياء" لشادي عبد السلام في العام 1969، متناولاً قصة كشفه لخبيئة الدير البحري في العام 1881.