الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"ابن أفريقيا".. ما دور السينما في تفجير الحفار الإسرائيلي "كينتينج"؟

فيلم ابن أفريقيا
فيلم ابن أفريقيا

يأتي شهر مارس من كل عام، بنفحاته الربيعية وذكرياته العطرة في إنعاش ذاكرة الأمة بصفحات مليئة بالفخار في الزود عن أرض مصر من كافة الأخطار عبر سواعد أبنائها المخلصين في كافة المجالات، وخاصةً في المجال العسكري المليئ بصفحات ذهبية من نسور وصقور مصر الكبار.


في نوفمبر من العام 1969، قرأ الرئيس جمال عبد الناصر خبرًا بإستئجار إسرائيل لحفار إنجليزي يُدعى "كنتينج" اشترته شركة أمريكية كندية، تحرك من الموانئ الكندية عبر جرار هولندي بمصاحبة دعاية فائقة كعادة بني صهيون في الترويج لمشاريعهم، وذلك لعزمهم بالتنقيب عن البترول بخليج السويس كضربة قاصمة للمصريين بإلتهام ذهبهم الأسود أمام أعينهم، ولإحراج الزعيم جمال عبد الناصر، وتعويض إخفاق إقصائه من الحكم عقب هزيمة 1967.


(نوال أبو الفتوح و مديحة كامل في لقطة من فيلم ابن أفريقيا)

قرر الرئيس جمال عبد الناصر إيقاف وصول الحفار إلى خليج السويس، عبر اجتماعه برجال المخابرات العامة المصرية، برئاسة اللواء أمين الهويدي وتم التوصل لقرار بتتبع خط سير الحفار، الذي أطلق عليه اسمًا كوديًا وهو "الحج" من خلال سيره بالساحل الإفريقي حتى وصوله لخليج السويس عبر مضيق باب المندب مرورًا بالبحر الأحمر.


(نبيلة عبيد وفونزو أديولو في لقطة من فيلم ابن أفريقيا)

تم وضع خطة متكاملة برئاسة اللواء محمد نسيم المعروف بـ"نديم قلب الأسد"، وذلك بالتعاون مع القوات البحرية المصرية في ضرب الحفار عبر رجال الضفادع البشرية، ووضع أربعة خطط مُحكمة في حالة إخفاق واحدة منهم، فالمحطة الأولى بدكار بالسنغال،  والثانية بأبيدجان بساحل العاج، والثالثة ببورت هاركوت بنيجيريا وذلك بتدميره عبر قوات الصاعقة البحرية، والرابعة بضربها جويًا بالبحر الأحمر.


(أبطال عملية الحفار في 8 مارس 1970)

أثناء تجهيز قوات الصاعقة البحرية للذهاب لنيجيريا، تم عمل تمويه مبطن لوصولهم من خلال الإستعانة ببعثة سينمائية تصور في أحراش أفريقيا، فيلمًا مصريًا نيجيريًا بعنوان "ابن أفريقيا" تأليف الممثل المصري المقيم بلبنان سيد المغربي، وإخراج حلمي رفلة، وبطولة كلاً من: نبيلة عبيد، مديحة كامل، نوال أبو الفتوح، فونزو أديولو، بوكي أجاي، دانيال آلالاد، بولاجي إكيكوبجن، ومواليه سورزلاند.


(خبر بالأهرام عن تدمير الحفار)

كان الغرض من هذا الفيلم تمويهًا سياسيًا أكثر منه فنيًا، لتمرير الخطط المرصودة بمحو هذا السلاح الصهيوني من الوجود، ولذلك نكتشف أنه لولا تلك العملية الوطنية التي صاحبت هذا الفيلم، ما تذكرنا اسمه على الإطلاق وظل في طي النسيان على الدوام، لسطحيته الفنية والكتابية في وقت انتشار الأفلام التجارية عقب حرب الأيام الست، الخالية من المضمون الهادف والمتعة الفنية.


(الحفار بعد تدميره في 8 مارس من العام 1970)

أنتج الفيلم مرةً أخرى بنفس الممثلين النيجيريين، بالإضافة للفنانة مديحة كامل باللغة السواحلية، وعرض الفيلم الذي صور في وقت وجيز بمصر في 15 يناير من العام 1970، وعملية التتبع المرصود للحفار مستمرة ما بين اليأس والرجاء.


(رواية الحفار لصالح مرسي)

لم يلحق رجال الضفادع البشرية بضرب الحفار بدكار السنغالية، لخوف السفير المصري بدكار بحدوث مشكلات دبلوماسية بين البلدين عقب تدميره، وتم الاستعداد لإيقاف الهدف المتحرك بميناء أبيدجان، عبر دعم السفير المصري هناك.


(مديحة كامل في فيلم ابن أفريقيا)

قام اللواء محمد نسيم بتحديد ساعة الصفر يوم 8 مارس من العام 1970، باستغلال زيارة بعثة الفضاء الأمريكية بقيادة نيل أرمسترونج لأبيدجان، وانشغال الوسائل الإعلامية والجهات الأمنية بتلك الزيارة لمصافحة الذين صعدوا للقمر في العام 1969.


(اللواء محمد نسيم)

تم إرسال ثلاثة من الضفادع البشرية لأبيدجان مع إنتظار وصول الخمسة الآخرين، ونجح الثلاثة بقائدهم في ضرب الحفار بالقرب من القصر الرئاسي، وكانت أسمائهم : ملازم أول حسني الشراكي، ملازم أول محمود سعد، وضابط الصف أحمد المصري، وقائدهم خليفة جودت.


(أمين الهويدي رئيس المخابرات المصرية وقت تنفيذ عملية الحفار)

انتظر نسيم لحظات التفجير وهو بشرفة غرفته بالفندق، متيقنًا بإيمان المخلصين وعزم المجتهدين بإنفجار الحفار وأبناءنا بالطائرة في طريقهم للقاهرة، والذي وقع بقوة ضارية مسدلاً الستار على حلم بني صهيون بإغتراف الذهب الأسود المصري.

تم تجسيد هذه العملية في رواية (الحفار) للكاتب الكبير صالح مرسي، والتي كشف من خلالها النقاب عن تلك العملية السرية في العام 1986، ثم حولت لمسلسل تليفزيوني في العام 1996 بعنوان (الحفار)، وجسد قصة الفيلم تحت عنوان "امرأة في الأحراش" للنجمة دلال شوقي، ويقصد هنا النجمة نبيلة عبيد بطلة "ابن أفريقيا".

بعد ضرب الحفار، قامت القوات الجوية الإسرائيلية في يوم 9 أبريل من العام 1970 بالرد على تلك الهزيمة المدوية بضرب أهداف مدنية أبطالها شباب الغد، في مدرسة بحر البقر بمحافظة الشرقية، وضرب مصنع أبو زعبل وبداخله من يديرون تروس الوطن في أوقات المِحن.

إذا كان الفيلم قد فشل بتسجيل اسمه في صفحات الخلود السينمائية، فالتعويض جاء بتسجيله في صفحات الفخار الوطنية، مساعدًا في إيقاف بني صهيون عن نهب الثروات المصرية.