الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

بعد أنباء التقارب مع تركيا.. ماذا ستجني مصر من الخطوة؟

الرئيس نيوز

حالة من الترقب تسود الأوساط المصرية والتركية على السواء، لما سيتمخض عن المباحثات الدائرة حاليًا بين القاهرة وأنقرة، الرامية إلى التوصل إلى حلول للقضايا محل النزاع بين البلدين، وأدت إلى قطيعة بينهما منذ العام 2013.
وتأوي أنقرة عناصر إخوانية متورطة في جرائم عنف وإرهاب وقعت إبان ثورة 30 يونيو 2013 التي أنهت حكم الإخوان، كما دعمت تركيا تلك العناصر ودشنت لهم فضائيات يتخذونها منابرًا للهجوم على مصر وسياساتها.
ومنذ نحو 6 أشهر وتركيا تغازل مصر من أجل المُصالحة وتقريب وجهات النظر، خاصة في ملف شرق المتوسط الصاعد في الاكتشافات الغازية والبترولية؛ إذ ترغب أنقرة في ترسيم حدودها البحرية في شرق المتوسط مع مصر؛ لإنهاء عزلتها في تلك المنطقة الاستراتيجية.
فيما تشترط مصر لتحسين العلاقات مع تركيا، اتخاذ خطوات تعزز الثقة بين البلدين عبر التوقف عن الممارسات الشاذة في المنطقة، فضلًا عن التدخل في شؤون مصر الداخلية. وتحتل تركيا شمال وشمال شرق سوريا، فضلًا عن انتهاك سيادة العراق بشن هجمات على معاقل حزب "العمال الكردستاني" في شمال العراق.

ملفات عديدة
وتتشابك مصر مع تركيا في العديد من الملفات، بينها الملف الليبي وملف شرق المتوسط، فضلًا عن رعاية أنقرة عناصر تنظيم الإخوان، ورجحت مصادر أن يكون الملف الأخير هو أول الملفات التي سيتم الابتداء بها؛ لكونه السبب الرئيس في إفساد العلاقة بين الدولتين.
وبالفعل خاطبت أنقرة إدارة الفضائيات التي تبث من أراضيها بينها (الشرق ومكملين) بضرورة الإلتزام بالمعاير المهنية، والحفاظ على ميثاق شرف العمل الصحفي، ما اعتبره مراقبون بداية للجم تلك الفضائيات التي مارست دعاية سوداء ضد مصر ونظامها خلال الفترة الأخيرة.

37 ألف إخواني
الباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية، منير أديب، يقول وهو يتحدث مع "الرئيس نيوز": "أعتقد أن هناك مستويات مختلفة للتعامل مع الإخوان المتواجدين في تركيا، فهم وأُسرهم يبلغ تعدادهم، نحو 37 ألفًا، منهم نحو 10000 شخص لهم علاقات مباشرة بتنظيم الإخوان، أو هم قيادات تنظيمية بمستويات مختلفة، أما الذين صدر بحقهم أحكامًا قضائية؛ لتورطم في جرائم تحريض وعنف وإرهاب، يصل عددهم نحو 500 شخص، وظني أن هؤلاء قد تسلمهم أنقرة للقاهرة؛ إذا ما وصل التقارب بين الدولتين إلى مرحلة متقدمة".
يتابع أديب: "بقية هؤلاء الأشخاص منهم من حصل على الجنسية التركية، وبالتالي يتمتعون بالحقوق التركية من الإقامة والرعاية، وهؤلاء لن تسلمهم أنقرة، لكن ربما تسقط مصر عنهم الجنسية"، يضيف أديب قائلًا: "بقية الأشخاص الذين لم يتورطوا في أعمال عنف، ولم تصدر بحقهم أحكام قضائية، وكذلك لم يحصلوا على الجنسية التركية، ربما يتم البحث عن ملاذات آمنة لهم بعيدًا عن تركيا وقطر"
وعن هذه الملاذات، يُرجح الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أن تكون (ألمانيا - فينا - النمسا - باكستان - صومالي لاند - ماليزيا – لندن) وهي العاصمة التي تعد حاضنة تاريخية للتظيمات الأصولية.

فشل خارجي
المحلل السياسي التركي، جودت كامل، يقول لـ"الرئيس نيوز": "أردوغان يسعى للتقارب مع مصر، لأساب داخلية وخارجية".
يوضح أن ما له صلة بالأسباب الخارجية، يرتبط بفشل أردوغان في غالبية الملفات التي انخرط فيها أخيرًا، ويأتي على رأسها، فشل في احتلال شمال وشمال شرق سوريا، وفشل في شمال العراق؛ فالعملية الأخيرة التي أطلقها ضد حزب العمال الكردستاني؛ لتحرير الجنود الأسرى فشلت، وكذلك تورطة في إرسال جنود مرتزقة إلى ليبيا، وفلشه في تحقيق الهدف من إرسالهم إلى هناك".
يتابع المحلل التركي: "الفشل الأكبر لأردوغان كان في البحر المتوسط؛ إذ فشل في الدخول في صفقة غاز مع مصر واليونان، وهو يريد الحصول على حصة في شرق المتوسط، وهذا لن يتم إلا بالترسيم البحري مع مصر".
لفت كامل إلى أن أردوغان يريد مُخاطبة إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدين، القاسية عليه، من خلال التصالح مع مصر؛ فإذا ما تحقق لأردوغان ما يريد من تقارب مع القاهرة فإن ذلك سيُعد بوابة خلفية له للتصالح مع السعودية والإمارات، وبذلك يبعث رسالة إلى بادين مفادها أنه لا يزال يملك التاثير والقوة في المنطقة.
يقول جودت كامل: "أردوغان لم يعد له أي مؤيدين في المنطقة، لذلك يتبع حاليًا سياسة تصفير المشاكل مع جيرانه، وتأتي مصر من أوائل هؤلاء الجيران المُهمين في المنطقة التي يرغب أردوغان التعامل مهم".

أسباب داخلية
وعن الأسباب الداخلية التي دفعت أردوغان إلى الإقبال على خطوة التقارب مع مصر، يوضح المحلل السياسي التركي أن الأزمة الاقتصادية في تركيا تأتي على رأس هذه الأسباب.
يضيف قائلًا: "الخلافات مع دول الجيران ودول المنطقة، أثرت سلبًا على الوضع الداخلي، فأردوغان فقد شعبيته، وأخر الإحصائيات التي تظهر شعبية حزب أردوغان "العدالة والتنمية"، وحليفة حزب "الحركة القومية"، تُظهر أن الحزبين حصلا على 32 % وهذه النسبة لن تعطيهم أغلبية البرلمان، لذا يريد أردوغان عمل مناورة، لتعظيم هذه النسبة".
يتابع كامل قائلًا: "أردوغان رأى أن هذه المناورة ستكون خارجية، وهي بالتصالح مع مصر، التي ستفتح له الباب أمام المصالحة مع السعودية والإمارات، وأنه سوف يلعب على الدعاية الانتخابية القائمة على المشاعر الدينية والقومية، التي تدعي أنه توحد وتصالح مع الدول الإسلامية (مصر – السعودية – الإمارات).

فوائد مصرية
وعن الأهداف التي من المرجح أن تُحققها مصر جراء تلك المصالحة أو التقارب مع تركيا، يوضح المحلل التركي أن مصر ستتمكن من استعادة العناصر المتورطة في أعمال عنف وإرهاب وتتخذ من تركيا ملآذ آمن لها، فضلًا عن وقف المنصات الإعلامية الموجودة في تركيا، وتابع قائلًا: "هذا سهل فعله على أردوغان، ولن يخجل منه على الإطلاق".
يضيف جودت: "التصالح مع تركيا سيعود بالإيجاب على مصر، وسيمكنها من حل بعض المشاكل التي تواجهها، فترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط بين الدولتين، سيعود بمصالح جمة على البلدين، فمناطقهما الاقتصادية ستتضاعف، في شرق المتوسط الغني بالاكتشافات البترولية والغازية".
أما عن تاثير التصالح على الملف الليبي، يقول المحلل التركي: "التصالح بين الدولتين سيحقق لهما مصالح كبيرة في الملف الليبي، وسيصبح للدولتين الكلمة العليا في ذلك الملف".

موقف اليونان
وعن رد فعل اليونان وقبرص من التقارب المصري التركي، يقول جودت كامل: "من المؤكد أنه سيمثل مصدر قلق لهما، لكن أوروبا عامة تبني علاقاتها على المصالح المشتركة، وإذا ما رأت أن ما قامت به مصر وتركيا يصب في مصلحتهما سيتقبلوا الأمر".
يتابع جودت: "العلاقات المصرية اليونانية تاريخية، ولطالما كانت جيدة جيدًا، ومصر دولة مهمة بالنسبة لليونان، ولن تُقبل آثينا على فقدان صديق قوي مثل مصر، لذلك أرى أن اليونان ستتقبل الأمر؛ خاصة أن القاهرة ستؤكد لها أن الترسيم البحري بينها وبين تركيا لن يلحق أي ضرر بها، ولن يؤثر على العلاقات بينهما".

خطوة إيجابية
كان وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، نفى يوم أمس الجمعة، وجود أي تقارب في الوقت الحالي بين القاهرة وأنقرة. معتبرًا أن الخطوة التركية بإلزام قنوات معادية لمصر تبث من أراضيها، بمواثيق الشرف الإعلامي، خطوة إيجابية وتلقى ترحيباً في مصر، لكن المهم، وفق قوله، أن تتبعها خطوات أخرى توفر المناخ الملائم لبدء مفاوضات بين البلدين.
شدد الوزير في تصريحاته، على أن كل دولة يجب أن تبحث عن مصالحها ومصالح شعبها، مضيفاً أن الخلافات السياسية بين مصر وتركيا لا تصب في مصلحة الشعبين، وأكد أن بلاده لا تعادي أحداً بل تعمل على تطوير علاقاتها مع الجميع على أساس التفاهم والحفاظ على المصالح المشتركة.
يقول هيكل أيضًا: "إن ما يتعلق بالتقارب بين مصر وتركيا هو مشوار طويل، كلامي مخصص في الجانب الإعلامي، وتحديداً حول الخطوة التركية التي ترتبط بالقنوات الموجهة للداخل المصري بشكل خاص"، مضيفًا: "نحن لا نصف تلك القنوات بأنها قنوات مصرية، إنما نقول إنها قنوات معادية، حيث يوجد داخل الدولة المصرية معارضة، وبالتالي تستطيع القنوات المعارضة العمل من الداخل، لكن ما كان يحدث في الخارج، هو محاولة دائمة لتحويل أي إجراءات للدولة المصرية تصب في مصلحة الناس إلى إجراءات عدائية، بحيث تبث حالة من التوتر لدى الإنسان المصري".
تابع الوزير: "الناس في مصر فطنت إلى تلك القنوات، وبالتالي لم تكن مشاهدتها بالشكل الذي يأمله القائمون عليها، إنما في النهاية، من ناحية المبدأ، نقول إنه ليس من الجيد أن تبث قناة من دولة وتكون مهمتها مُهاجمة دولة أخرى طوال الوقت، وأنا أرى ذلك عملاً عدائياً".