الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

د. شهاب دغيم يكتب: الرئيس التونسي في ليبيا.. هل تكون عودة الدبلوماسية البراجماتية؟

الرئيس نيوز

يقوم رئيس الجمهورية قيس سعيد بزيارة رسمية اليوم إلى ليبيا، وهي الأولى لرئيس دولة عقب انتخاب سلطة تنفيذية جديدة بالبلاد، وكان سعيد، قد هنأ رئيس الحكومة الليبية، عبدالحميد دبيبة ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، بنيل الحكومة الجديدة ثقة مجلس النواب.

زيارة تاريخية لأنها الأولى لرئيس تونسي منذ 2012، حيث أدى المنصف المرزوقي الرئيس المؤقت السابق زيارة إلى ليبيا  في أول زيارة خارجية له..  تونس التي فقدت الكثير اقتصاديا وسياسية في ليبيا منذ سنوات الانفلات الأمني، وخاصة انحياز حكومات تركيا الإخوانية إلى طرف دون آخر في الصراع الليبي. 

قيس سعيد الذي تميزت مواقفه من الصراع الليبي بالاعتدال ودعوة الفرقاء إلى الحوار والحكمة، قام بدور تعديلي عندما أخذ مسافة من سلطة طرابلس السابقة واصفًا إياها بالشرعية المؤقتة، خاصة بعد سنوات من الانبطاح التونسي  لحلف الإخوان الذي يتزعمه "أردوغان"، ومواقف الرئيس التونسي غير بعيدة عن المواقف الجزائرية، إذ كان الرئيس التونسي  يقوم بدور تعديلي بين الفرقاء الليبين، وكان  يؤكد على أن الموقف التونسي ثابت من المسألة الليبية"، داعياً إلى إيجاد تسوية سياسية شاملة لهذه الأزمة تحفظ وحدة ليبيا وسيادتها في إطار حوار "ليبي ليبي" جامع تحت مظلة الأمم المتحدة.

سعيد سعى دائما لتقريب وجهات النظر بين الليبيين للدفع نحو تحقيق الاستقرار في هذا البلد الشقيق. 

أمن وتاريخ واقتصاد مشترك

ليبيا تعتبر الشريك الاقتصادي والتاريخي الأهم لتونس، وتعتبر أحد أهم المفاتيح  في السياسة التونسية الخارجية، فقد انعكست التطورات الأمنية بها خلال السنوات الأخيرة على الاستقرار في تونس، تمتد الحدود البرية على أكثر  500 كم  وكان للوضع العام بليبيا ارتدادات على الأمن القومي التونسي، ونظرًا للقرب الجغرافي والتداخل الاجتماعي والتأثير الاقتصادي المتبادل، كان لما يحدث في ليبيا دور في إرباك الوضع الأمني في تونس خاصة خطر المجموعات الإرهابية المسلحة التي باتت تهدد كامل المنطقة العربية.

أما اقتصاديًا فدخول ليبيا في دوامة الصراعات المسلحة أثر سلبا على المعاملات التجارية والاقتصادية بين البلدين، شكلت  تاريخيا ليبيا سوقًا أساسية للبضائع التونسية، وتواصل الأزمة الليبية جعل تونس تخسر إحدى أهمّ أسواقها المغاربية والعربية، كما اضطر العمال التونسيون إلى الهروب من دائرة الصراع فضلًا عن ملف الإرهابيين التونسيين الذين شاركوا في عمليات عنف وإرهاب ضد مدنيين وضد الدولة الليبية.

يذكر أن تونس قد تسلمت يوم 11 مارس الجارى، دفعة تتكون من خمسة أطفال وثلاث نساء أيضا من عائلات مقاتلي داعش؛ قادمين من ليبيا كدفعة أولى، وذلك بعد أن برأهم القضاء الليبي. 

تصفية حسابات داخلية وتموقع إقليمي

إعلان الزيارة لم يكن مفاجئًا إثر تحركات عربية أخرى للتموقع في ظل التحول السياسي الليبي الجديد، خاصة وأن تونس تعيش أزمة اقتصادية حادة وإمكانيات الشراكة الاقتصادية يمكن أن تكون أحد حلول الأزمة التونسية. 

داخليًا، يرى الكثيرون أن الرئيس قيس سعيد استبق غريمه السياسي  راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي، الذي كانت له حظوة متميزة لدى الحكومة السابقة القريبة من الإخوان،  فضلًا عن كون ليبيا  البوابة الإقليمية الأهم في حركة دبلوماسية رتيبة وباهتة وسط أصوات تونسية داخلية تندد بالعزلة التونسية منذ تولي الرئيس التونسي مقاليد الحكم سنة 2019. 

ليبيا ستكون أول محطة في إطار جولة عربية  تقود سعيد إلى مصر ثم إلى المغرب حسب مصدر مقرب للرئاسة، زيارة ديبلوماسية برائحة تصفية حسابات داخلية والمسك بصلاحيات الرئيس الدستورية، التي باتت مهددة بتدخلات الغنوشي الدولية والديبلوماسية، وتغييب كلي لرئيس الحكومة هشام المشيشي. 

سياسيًا فإن هدف دعم المسار الديمقراطي في ليبيا  الذي جاء في بيان الرئاسة التونسية  يبدو سرياليًا لبعض، الذين يتساءلون كيف لتونس التي  تتخبط في مشاكل نظام سياسي هجين وأزمة  حكومية خانقة وانسداد أفق كل حوار بين أطرافه الحاكمة أن تدعم المسار السياسي الليبي على هشاشته والذي يبدو أكثر واقعية وربما اكثر افقا للتطور.  

وبعيدًا عن السياسة و عن الاقتصاد تبقى العلاقات التاريخية بين الشعبين قوية وثابتة تستمد شرعيتها من المصير المشترك.

ليبيا هي رسالة دبلوماسية  وسياسية  للداخل وللخارج، فتونس التي  تنظر للملف الاقتصادي وإعادة إعمار ليبيا بكل حماس وتأمل في عقد صفقات الشركات التونسية وقطاعات من الصناعات التونسية كانت حاضرة في ليبيا قبل سنوات عدم الاستقرار، حضور اقتصادي تنافسه تركيا التي أخذت نصيب الأسد في علاقة بالحكومة السابقة ومصر التي لا تخفي أيضا رغبتها  الاستثمار في السوق الليبية.

زيارة سعيد مهمة في تاريخ العلاقات التونسية الليبية وفي عهدة قيس سعيد الرئاسية، إذ تعتبرها أوساط أنها أول اختبار ديبلوماسي ودولي واقليمي.. زيارة ستطرح اسئلة متعددة حول التعاون الأمني والاقتصادي واعاة صيغ الشراكة.  

ليبيا ستكون الامتحان الأكبر للنجاعة الدبلوماسية التونسية اقتصاديا خاصة في ظل اتهامات بالفشل الديبلوماسي  في علاقة  بجلب لقاحات فيروس كورونا.

زيارة يرى محللون  أنها إن اقتصرت على فريق الرئيس الاستشاري فقط في تغييب لحكومة المشيشي التي يدعو الرئيس لاستقالتها وتغيب رجال الأعمال والفاعليين الاقتصاديين ستكون مبتورة وغير ذات جدوى خاصة في مسألة التعاون بين البلدين وتحريك ملفات الشراكة والتنسيق بين القطاعات الاقتصادية الحيوية.. فهل سينجح سعيد في زيارة يعلق عليها التونسيون  والصناعيون ورجال الأعمال آمالا كبيرة؟