محلل أمني: الإدارة الأمريكية سبب تكثيف هجمات الحوثيين ضد السعودية
أصبحت الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد المملكة العربية السعودية أمرا معتادا من جانب الحوثيين الذين استولوا على العاصمة اليمينية صنعاء في عام 2014، وذلك بسبب تدخل التحالف الذي تقوده المملكة لدعم الشرعية في اليمن منذ مطلع عام 2015.
ويقول ماركو توليو لارا، المحلل الأمني بشركة "لو بيك" لاستشارات الأمن الجيوسياسي، ومقرها في الشرق الأوسط، في تقرير نشرته مجلة ذا ناشونال انتريست الأمريكية، إنه كان هناك عبر السنين زيادة في مثل هذه الهجمات، لكن من الممكن تفسير التكثيف الحالي الذي شهد هجمات يومية تقريبا بعامل واحد؛ وهو التغيير الأخير فى البيت الأبيض والتغير في سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه التدخل السعودي في اليمن.
وكانت الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب تمارس حملة "أقصى ضغط" ضد إيران، والتي شملت اتخاذ موقف متشدد ضد الحوثيين.
وكانت السعودية، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يتمتعان بدعم ترامب وبقدر كبير من حرية المناورة من جانب واشنطن، ولكن مع انتخاب جو بايدن، تغيرت الأمور.
وكان بايدن أوضح قبل الفوز بالرئاسة أن الولايات المتحدة لن تدعم التدخل السعودي في اليمن بعد الآن.
وفي حقيقة الأمر، فإنه بعد أقل من شهرين من توليه منصبه، ألغى بايدن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، وأنهى الدعم العسكري الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية- رغم الاحتفاظ بالمشاركة في المعلومات الاستخبارية مع الرياض للدفاع عن المملكة ضد هجمات الحوثيين- وتردد أن مسؤولين أمريكيين عقدوا اجتماعا مباشرا مع الحوثيين في العاصمة العمانية مسقط.
وعلى الرغم من اللهجة الاسترضائية من جانب الإدارة الأمريكية، كثف الحوثيون هجماتهم ضد السعودية، بدلا من الحد منها.
ويرجع هذا لاحتمال أن الحوثيين رأوا أن تصرفات بايدن يمكن التكهن بها وأنها دليل على الضعف.
ويرى لارا أنه من المحتمل أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب وتجاهله للمساءلة الإنسانية، إلى جانب الدعم الكامل الواضح للسعودية كان مثار قلق للحوثيين، وربما كان السبب في التراجع عن الهجمات ضد السعودية، خاصة في أيام ترامب الأخيرة في منصبه.
من ناحية أخرى، فإنه في ظل النهج الدبلوماسي لبايدن والتخلي عن الدعم العسكري للسعودية، يحاول الحوثيون، الذين تدعمهم إيران، انتهاز هذه الفرصة بكل ضراوة ممكنة لتكبيد السعودية أضرارا وخسائر حتى يتمكنوا من كسب نفوذ قبل إجراء أي مفاوضات.
وفي هذا السياق، فإنه إلى جانب تكثيف هجمات الحوثيين ضد السعودية، هناك جهد مكثف منهم للسيطرة على مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة اليمنية في شمال اليمن.
ورغم الخسائر الكثيرة التي تكبدها الحوثيون في الأسابيع الماضية، فإنهم لم يظهروا أي إشارة على وقف هجماتهم.
وفي حقيقة الأمر فإن الاستيلاء على مدينة مأرب سيمنح الحوثيين نفوذًا كبيرًا قبل المفاوضات نظرًا لقربها من العاصمة صنعاء التي يسيطرون عليها، وبصفة خاصة نظرا لما تتمتع به من احتياطيات النفط والغاز.
ويمكن القول إنه طالما أن الحوثيين يرون أن تحقيق الانتصار العسكري في مدينة مأرب في متناول اليد، فإنهم سوف يواصلون حملة الهجوم البري تجاه المدينة والهجمات ضد المملكة، مع تجنب مائدة المفاوضات طالما لم يحققوا قدرا كافيا من النفوذ.
وبطبيعة الحال، لم يبد أنه من الممكن تحقيق الاستيلاء على مدينة مأرب وتدعيم حكم الحوثيين في اليمن بهذه الدرجة في أي وقت قبل الآن، في ضوء حقيقة أن الولايات المتحدة أوقفت التعاون العسكري الذي يهدف لدعم القدرات الهجومية الجوية السعودية.
وعلى أية حال، لا يعنى ذلك القول إن الاستيلاء على المدينة سوف يكون سهلا، فبالرغم من التقدم البري الأخير للحوثيين، ما زالت المدينة صامدة بفضل قواتها القبلية والهجمات الجوية السعودية المستمرة.
وقال لارا إنه مع أخذ كل هذه الأمور في الاعتبار، سوف يتعين على الولايات المتحدة تكثيف جهودها الدبلوماسية، ومن المحتمل أن يتم ذلك من خلال سلطنة عمان.
وتردد أن الاجتماع الذي عقد في مسقط بين مسؤولين أمريكيين ومفاوضين حوثيين يعتبر جزءا من أسلوب " العصا والجزرة" من جانب بايدن، ولكن حتى الآن لم تظهر سوى " الجزرة".
والشكل الوحيد لــ "العصا" يمكن أن يكون العقوبات التي فرضت مؤخرا على اثنين من القادة العسكريين للحوثيين، لكن الأمر سوف يحتاج ما هو أشد من ذلك بكثير لدفع الحوثيين لوقف الأعمال العدائية وقبول التفاوض.
والخيار الآخر أمام حكومة الولايات المتحدة في وجه هذه الهجمات المستمرة- والأكثر تأثيرا- ضد السعودية والقتال للاستيلاء على مدينة مأرب، هو استئناف الدعم العسكري للحملة التي تقودها السعودية.
ومع ذلك فإن ذلك سيكون على حساب خسارة شخصية لبايدن، ومن ثم فإنه ليس من المحتمل تحقيقه في هذا الوقت.
من ناحية أخرى، من المحتمل أن يواصل الحوثيون حملاتهم على الجبهتين بشن هجمات على الأراضي السعودية والسعي للاستيلاء على مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة التي تدعمها السعودية والتي مازالت أكثر استقرارا وسط الفوضى التى تشهدها، ولكن مصيرها معلق في الميزان، إلى جانب مصير الدولة كلها.