الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

عمرو غلاب يكتب: الموازنة التشاركية وبناء حياة كريمة

الرئيس نيوز

عندما تحصل على راتبك الشهرى، غالبا ما تعرف أين ستنفق الجانب الأكبر منه ما بين سداد الفواتير والإيجار ومصاريف المواصلات والأقساط وغيرها من المصروفات الحتمية المعروفة مسبقا، وما يتبقى من الراتب بخلاف ما سبق تبدأ التفكير أين ستنفقه: هل تشترى قطعة أثاث جديدة بالمنزل لاستبدال أخرى قديمة أو تالفة؟ أم تقرر السفر مع الأسرة فى نزهة؟ أم تصلح أعطال السيارة التى تؤجلها منذ شهور لحين توفير الميزانية؟ ...إلخ
إذا اتخذت بنفسك القرار وجاء على غير رغبة باقى أفراد الأسرة سيصيبك الكثير من اللوم، أما إذا قررت أن تضع أمامهم الخيارات وتحددون بشكل جماعى أولوياتكم في الإنفاق في هذا الشهر في حدود ما تملكونه من مال، بهذا سيتم إنفاق هذه الموارد في أشياء تلبى احتياجات الغالبية منكم.

ما سبق بشكل مبسط جدا هو ما تعنيه الموازنة التشاركية، حيث يتشارك أفراد المجتمع في تحديد أولوياته في الإنفاق في ظل الموارد المحدودة، فقد تنفق الحكومة مليارات الجنيهات في مشروع ضخم تعتقد من جانبها أنه يفيد هذا المجتمع الذى قد يكون قرية صغيرة، في حين أنه إذا تم سؤال المواطنين من أهل القرية عن أولوياتهم قد تكون شيئا آخر تماما وقد تكون تكلفته أقل كثيرا، وبهذا يكون تم إهدار مبالغ كبيرة في مشروعات لم تلبى رغبات المواطنين الحقيقية واحتياجاتهم في مكان ما.. ولهذا ظهرت الموازنة التشاركية من أمريكا الجنوبية وتحديدا البرازيل في سبعينيات القرن الماضى، لتنتشر في عدد كبير من دول العالم بهدف رئيسى وهو تحقيق أفضل استفادة ممكنة من المال العام من خلال توجيهه لتلبية احتياجات المواطنين ذات الأولوية لهم.

أعى تماما محاولات الحكومة لتطبيق هذا النوع من الموازنة بشكل تجريبى فى الإسكندرية، ورغم أنها خطوات متأخرة لكن من الجيد أنها بدأت، لكن التحدى الحقيقى والنجاح الحقيقى لمثل هذه التجربة هو القدرة على تطبيق هذا النوع من النقاش والحوار ومشاركة المواطن في تحديد أولوياته بمشروع الرئيس القومى لتطوير القرى المصرية بمبادرة حياة كريمة، فهذه المشاركة هي السبيل الحقيقى لتحقيق حياة كريمة تلبى احتياجات المواطن، ولكن من المهم أن يشارك الجميع في الحوار ولا تستبعد الفئات الأضعف لأنها الأولى بالرعاية في الأساس، ويمكن أن تساعد الوسائل الإلكترونية في تحقيق هذا الهدف بشكل أسهل وأسرع خاصة في ظل امتلاك الجميع للهاتف المحمول على مختلف المستويات والفئات والمناطق، وهذا في رأيى البداية الحقيقية لبناء موازنة تشاركية تبدأ من أسفل لأعلى وتلبى الاحتياجات الحقيقية التي يطلبها المواطن وليس التي تقررها الحكومة نيابة عنه، فعندما تسعي الحكومة إلى ذلك فهي لخلق حالة رضا لدى المواطن وهو الهدف الأساسي للحكومة.