الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

إكرام لمعي يكتب: سامي عنان أزمة أم فرصة

الرئيس نيوز

عندما فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ظهر خالد على ولم يظهر حمدين صباحى كالعادة، وهذا أمر إيجابى ثم كانت المفاجأة بأن يقوم الفريق سامى عنان ــ المُقال هو ووزير الدفاع طنطاوى من الرئيس محمد مرسى حينما كان رئيسا للجمهورية ــ بترشيح نفسه لرئاسة مصر، وبمجرد أن رشح الرجل نفسه حدثت ردود فعل تلقائية من صحفيين ومذيعين تلفزيونيين توضح أن هناك مشكلة تفجرت لم تكن متوقعة، فإذا بالناس يتذكرون أحد المذيعين الذين لا يشتهرون إلا فى أجواء التراجع الثقافى والعلمى والأدبى والذين لهم سوابق فى فضائح أناس مشهورين لسبب أو آخر ليعلن بصوت عال أنه يرفض ترشيحه واستخدم تعبير «هاعورك» وهذا الفيديو قديم عندما كانت هناك إشاعة بأن سامى عنان سيرشح نفسه فى المرة السابقة وذلك لمنعه من الترشح.
ويعنى المصطلح المستخدم هنا أنه سوف يعلن عن سامى عنان أشياء وأحداث مخجلة فى حياته السابقة، ثم تمت إثارة أنه لابد أن يستقيل أولا من الجيش لأنه حتى اليوم هو تحت الاستدعاء، ولذلك عليه أن يستأذن من الجيش بإعفائه من كونه «تحت الاستدعاء» ليصبح مدنيا فيحق له أن يترشح وبالفعل تم القبض عليه للتحقيق معه فى الأوراق التى قدمها يذكر فيها أنه لا علاقة له بالجيش. ثم هناك من تحدث أن هناك اتفاقا بينه وبين الإخوان وأن الإخوان يعضدون ترشيحه لكن الإخوان أعلنوا أن لهم شروطهم لكى يتم تعاونهم معه أو تعضيدهم له، وبالطبع شروطهم معروفة وتعجيزية.
***
هذه الجوقة التى ارتفعت أصواتها وموسيقاها هى أولا جوقة هاوية وليست محترفة، فالرئيس السيسى له إنجازاته الملحوظة وله مواقفه مع المسيحيين التى لا تنكر وغير المسبوقة فى التاريخ المصرى هذا فضلا عن الإصلاح الاقتصادى الذى بدأه والمشروعات الكثيرة التى أنجزت أو فى طريقها للإنجاز، إذن الرئيس السيسى ليس بحاجة لأن تدافع عنه جوقة معروف عنها أنها «لمن غلب»، كل هذه الأمور تثبت للعالم الخارجى أن مصر ليست دولة ديمقراطية، وأتوقع أن يتدخل الرئيس السيسى فى هذا الأمر، ذلك لأن العالم الخارجى يتربص بنا، ونحن علينا أن نفوت عليهم هذه الفرصة وأن نثبت للعالم أننا ديمقراطيون بحق وممارساتنا فى النور. فإذا فعلنا ذلك سوف نحول أزمة سامى عنان إلى فرصة، لذلك نحن أمام ظاهرة جيدة مبدعة خلاقة، فرصة لكى يرى العالم أن لدينا ديمقراطية صحيحة وليست مجرد دعاية. فهذا الترشح سوف يخلق حالة تنافسية حقيقية، لكن إذا قدم سامى عنان تنازلا عن الانتخابات قبل موعدها فسوف يمثل ذلك مشكلة لأن العالم كله سيدرك أنه تقدم بهذا التنازل بسبب الضغوط والتهديدات.
لا شك أن الشعب المصرى فى أشد الحاجة ليرى عملية انتخابية نظيفة يعبر فيها كل مرشح عن نفسه دون أى ضغوط خارجية أو تهديدات بفضائح وزلات قديمة أو جديدة أو إجراءات روتينية كان يجب أن يتخذها لكنه أغفلها… إلخ هذه الطرق التى أعتبر معظمها غير شريفة وغير أخلاقية إلا التى تلبس الشكل القانونى.. بالعكس، من الأفضل أن تعلن المخالفة القانونية وأن يتقدم المرشح بما هو مطلوب منه وأن يجاب لطلبه قبل انطلاق الانتخابات، هنا يستعيد الشعب المصرى ثقته فى حاكميه أو قل تستمر ثقته فى حاكميه أكثر قوة، وأنا متيقن بأن هذا الأمر لن يمر على الرئيس السيسى.
***
إن تاريخنا يمتلئ بأمور كثيرة من هذا النوع لو كنا تجنبناها لصرنا من أفضل أمم الأرض، أتذكر أنور السادات الذى أراد أن يفتح تجديد مدة الرئاسة لأكثر من مرتين كل مرة ست سنوات، فعقد الاتفاق بينه وبين الإخوان المسلمين فى أن يقر البرلمان مادة دستورية جديدة أو تعدل المادة الدستورية التى تقول «الشريعة الإسلامية أحد المصادر الأساسية للتشريع» إلى أن «الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى أو الرئيسى للتشريع» مقابل موافقة البرلمان على فتح مدد الرئاسة ومع الأسف الشديد اغتيل السادات قبل أن يتم المدة الثانية التى كان يريد أن يفتحها وكأنه سيعيش إلى الأبد ومازالت المادة الدستورية كما هى ومجرد الحديث عنها يعتبر جريمة مع أنها تتناقض مع المادة الأولى فى الدستور القائلة «جمهورية مصر العربية دولة مدنية حديثة»، وقد أضيف أيضا إلى المادة الثانية «ولغير المسلمين الاحتكام لشرائعهم» وهكذا تصبح المادتان الثانية والثالثة يتناقضان مع الأولى فى الدستور والمعروف أن الذين اغتالوه هم الذين أطلق سراحهم وعضدهم لكى يقفوا ضد ما أسماهم الحرامية فى وصفه انتفاضة الحرامية عام 1977 أولئك الذين قاموا بمظاهرات الخبز بعد رفع الأسعار. وبالاتفاق مع محمد عثمان محافظ أسيوط أطلق هذه الجماعات ضد كل طالب اشتراكى أو شيوعى أو وطنى غير راض عن حكم السادات وأيضا عندما رأت الولايات المتحدة الأمريكية أنه لابد أن يشارك الإخوان المسلمون فى الحكم قرر حسنى مبارك الذى كان رئيسا للجمهورية فى ذلك الوقت بالترشح على ألا يزيدوا على ثمانين عضوا بالبرلمان وقد تم ذلك وأظن أنهم وصلوا إلى ثمانية وثمانين مرشحا أما عندما أراد حسنى مبارك أن يورث ابنه سيرا على خطى حافظ الأسد فى سوريا فقد كرر إعادة ترشيح نفسه حتى بعد أن اجتاز الثمانين من العمر وكان هذا سببا رئيسيا فى انطلاق ثورة الربيع عام 2011.
***
هذا التاريخ من الفضائح السياسية المتتالية وضعت مصر فى ذيل القائمة للدول الديمقراطية، والسؤال الذى يجب أن نجيب عنه جميعا إذا كان السيسى هو أفضل المرشحين فهل علينا أن ندمر كل منافسيه؟ وعندها سيكون فوزه تحصيل حاصل. أم أن إعلاء القانون وتشجيع الحياة الديمقراطية وإزالة الحواجز من أمام المرشحين الذين بالقطع لن يصل أحدهم لقامة السيسى لأنه فعل ويفعل ويكفى أنه خلص البلاد من حكم الإخوان، ونحن لا نريد للسيسى أن يحصل على فوز «تحصيل حاصل» لكن نريده فوزا حقيقيا لا تشوبه شائبه، أتذكر جيدا ما حدث مع الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون وهو يعد من أعظم رؤساء أمريكا حيث فاز فى الانتخابات الرئاسية بفارق ضخم عن منافسه فى الدورة الأولى والتى فيها أعاد العلاقات مع الصين بالسياسة التى أطلق عليها سياسة «البينج بونج» حيث لعب الفريق الأمريكى مع الصينى، ثم تم التجديد له لمدة ثانية بفارق ضخم عن منافسه.
وفى لقاء صحفى سئل عن أن هناك من يقول إن الفريق الرئاسى الذى كان يدير ترشيحك والعملية الانتخابية كان يتجسس على فريق الرئيس المنافس فهل كنت تعلم مثل هذا الأمر؟ وهنا أجاب نيكسون إطلاقا لم أكن أعلم أن فريقى الرئاسى يتجسس على الفريق المنافس لكن بعد تحقيقات كثيرة ومتنوعة أخذت وقتا طويلا جاءت نتيجة التحقيقات أن ريتشارد نيكسون كان يعلم جيدا أن فريقه يتجسس على فريق منافسه وهنا كان قرار المحكمة عزله من منصبه، إن قوة القانون هذه وسلطانه على أكبر رأس فى الدولة هو الذى يجعل الولايات المتحدة نموذجا لكل الدول فى الديمقراطية وسيادة القانون، وهذا يجعل كل أمريكى أو غريب على أرض أمريكا آمنا مطمئنا لأنه يثق أن قوة القانون فى هذا البلد وما يشبهها من البلاد هو الضمان الوحيد لمستقبل آمن ولذلك الكل يعمل ويجتهد وهو آمن، هناك حاجة حقيقية ونحن فى قلب الفوضى التى تعم الشرق الأوسط أن نقدم عملية انتخابية نظيفة حرة ديمقراطية تنقل بلادنا إلى مصاف الدول الكبرى التى تعلى القانون والديمقراطية. فهل نحول أزمة عنان إلى فرصة لتحقيق تلك الأمنية، أم تجرفنا الأزمة فنتخبط ونصبح نموذجا للدولة غير القادرة على ممارسة الديمقراطية بشكل كامل ورائع ومتجدد؟