الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

حوار| محمد الغيطي: مبارك أفسد الحياة الثقافية وغياب «أسطوات الكتابة» وراء ضعف الدراما (2-2)

الرئيس نيوز

-  تعرضنا لمخطط تآمري سحب بساط الريادة الفنية من تحت أرجلنا

-  الورشة أسوأ أشكال الإنتاج الدرامي.. وهناك مجموعة أرزقية واخدين الكتابة سبوبة

-  نور الشريف ومحمود ياسين وعزت العلايلي مثلث الثقافة في الفن المصري

-  غياب قطاعات الإنتاج أكبر جريمة في حق مصر

-  الدراما التركية تزوير فاضح للتاريخ من أجل تحقيق مكاسب سياسية

-  عصر السوشيال والتريند صدر «فنانة المؤخرة» في الواجهة

-  الصدفة فقط قادت بناتي لدخول مجال الفن

يواصل الكاتب والإعلامي محمد الغيطي في حواره مع الرئيس نيوز، تقيمه للمشهد الثقافي، دون مواربه أو تلميع، فبعد حديثه عن هموم السياسة والإعلام، خلال الجزء الأول والتغيرات التى طرأت على المشهد الإعلامي خلال السنوات الأخيرة، وكيف تسبب فراغ المشهد السياسي في عدم وجود تواجد حقيقي للأحزاب، يدخل معانا في عالمه الخاص كمؤلف درامي، ليشرح لنا حال الفن والثقافة، والأسباب التى أدت إلى تراجع تأثير الدور المصري، بعد أن كانت السينما والدراما أحد أهم أدوات القوى الناعمة لمصر في الشرق الأوسط.


أكد الغيطي، مثلما هو الحال مع الإعلام، تغيرت عملية صناعة النجم، فالفوضى التي حدثت بعد ثورة 25 يناير، أثرت بكشل كبير على ملف الدراما الذي شهد تدهورا كبيرا، مشيرا إلى أنه على الرغم من أنه مؤمن جدا بثورة يناير وأهدافها وكان من الداعمين والمشاركين بها، إلا أن ما جرى أخرج أسوأ ما في المجتمع بسبب فترة حكم مبارك.

يقول الغيطي: "في محكمة التاريخ مبارك ارتكب أكبر وأكثر أخطاء أدت لانهيار المجتمع، كما أنه تفنن في القضاء على الفن والثقافة بشكل عام"، موضحا أن أي مجتمع في العالم هو مجتمع هوية في الأساس، ومصر الدولة الوحيدة التي لديها علم باسمها هو "علم المصريات" وهوية المجتمع تأتي من مبدعيه ومثقفيه، وخلال فترة حكم مبارك حدث انهيار كبير في هويتنا بسبب انهيار الثقافة.

قاطعناه.. ولكن مثقفي عصر مبارك كانوا نتاج أنظمة سابقة عن حكمه؟

ياريت مثقفي عصر عبد الناصر كانوا استمروا، نظام عبد الناصر كان به عدالة اجتماعية على المستوى الاقتصادي، وديكتاتوري على المستوى السياسي، ولكن في ملف الثقافة والقوى الناعمة، فعبد الناصر كان مع حرية الإبداع وكان قارئ ومثقف ويدعم الثقافة، وما جرى في السبعينيات مع محاولات السادات استقطاب الإخوان ليضرب بهم المثقفين واليسار، هو ما جعل منظومة الثقافة في عهد عبد الناصر تنهار في السبعينيات.

عندما جاء مبارك كان يكره المثقفين ويكره القراءة، فالرجل كان لا يقرأ أكثر من 4 أسطر فقط، بل أنه كان ينظر للمثقفين نظرة دونية ويتهمهم ببيع مبادئهم، حتى أن الرجل وصل به الأمر لعدم إقامة عيد للفن طيلة فترة حكمه، ولكن لا ننكر أن الإذاعة المصرية كانت تقوم بدور حقيقي في اكتشاف وصناعة النجوم مثلا في مجال المزيكا والغناء ومجالات أخرى كثيرة، ولذلك يمكن أن نقول صناعة النجم كانت تسير وفق شروط وقواعد وقنوات شرعية، بعكس ما يحدث الآن، زمان كان المعيار القيمة مع شويت تسويق.

ولكن ما الذي تغير حاليا؟

ما يحدث في عصر السموات المفتوحة والسوشيال ميديا في عملية صناعة النجوم هو أمر مخجل جدا، فمثلا تجد فنانة تتحدث عن مؤخرتها تصبح نجمة وحديث للمجتمع (التريند كده حاجة قمة الإسفاف) لك أن تتخيل أنها أصبحت نجمة لأنها تتحدث عن مؤخرتها وليس عن فيلمها ولا مسلسلها، ومثال أخر مما نشاهده عندما تجد مخرج يقف خلف زوجته ويدعمها ، وفجأة تصبح مفروضة على الشاشة وعلى المشاهدين ، وما نمر به فى الفترة الحالية غير مرضى على مستوى الإنتاج من حيث الكم والكيف، أصبح أقل انتاجا في الدراما والسينما، هذا بخلاف المسرح الذي مات فعليا، والأغنية أيضا، وذلك كله نتاج مخطط من دول أخرى تسعى لسحب البساط الريادى من مصر، و أرادت أن تكون منبر للإبداع الغنائي وسحبت البساط من تحت أرجلنا وهذا حدث في المسرح أيضا.

اقتصار الإنتاج على مجموعة محددة من الشركات سواء في السينما أو الدراما أدت إلى تضرر أكثر من 70% من العاملين في هذا المجال، فمصر خلال 2010 فقط أنتجت 70 مسلسلا وفي التوقيت الحالي لا يزيد الإنتاج عن 25 عملا، وهذا أدي لركود وفقر وسط العاملين في المجال، وفي النهاية النتيجة ليست بالقدر الكافى من الرضا.

أيضا ملاحظ أن هناك حالة تراجع فى مصدقية النقد، ولم يعد هناك نقد حقيقي موضوعي يقول رأي صادق في هذه الأعمال سواء (حلوه أو وحشة.. قوية ولا ضعيفة.. متقنة الصنعة ولا أي كلام).


وما رأيك في ظاهرة ورش الكتابة التي فرضت نفسها على الساحة مؤخرا؟

ورش الكتابة ليست بجديدة وموجودة في العالم كله، ولكن بنظام وأطر وقواعد وستجد مثلا أن ماركيز وأول من كتب عن الورشة وفن كتابة السيناريو، لكن في مصر الأمور بتمشي بالحب وبطريقة خاطئة، يجيبوا مجموعة شباب لا يعرفوا حاجة عن الثقافة ولا التاريخ ولا قواعد الكتابة وأساسياتها ودون خبرة ويقولولهم اكتبوا، فأغلبهم لا يمتلك أدوات السيناريست المعروفة، وهذا يسبب أخطاء كثيرة في المحتوى أو سرقة لأفكار وتشويهها.

لكن ..البعض يرى جانب إيجابى فى دعم الشباب وإتاحة فرص لأجيال أصغر؟

الإبداع ليس له سن محدد ولا عمر معين، فمثلا هاريسون فورد لازال يكتب ويخرج حتى الآن، ولكني فقط أرفض عملية إقصاء أجيال لصالح أخرى، فما حدث إقصاء وستجد أن الكثير من الأسماء البارزة في صناعة الدراما غائبين عن الساحة تماما وأذكر منهم مثلا يسري الجندي ومحمد جلال عبد القوي وإنعام محمد علي ومحمد فاضل والأجيال التي عملت بعدهم، كل هذا من أجل تشغيل الورش، وأنا لست ضدها كما قلت، ولكن طريقة عملها نفسها بها مشكلة، ولا مانع من عملهم بجانب الكبار والأساتذة، ويجب أيضا أن يتم تقييم عملهم ومتابعته ونقده.

للدراما نوعين من المدارس الفن للفن والفن للمجتمع.. لأي نوعية تميل في أعمالك؟

للأسف المدرستين ساحوا على بعض بسبب تغير الوسائط وظهور المنصات وخاصة غير المصرية، فالأعمال التي تقدم مؤخرا أصبحت تميل للتمرد على التابوهات والإلحاد والسخرية من الله سبحانه وتعالى وتمجد في المثلية والشذوذ، وللأسف علينا أن نساير التقدم في الشكل والصورة والتنوع ولكن مع مراعاة المجتمع المصري وعاداته وطرح القضايا والموضوعات التي تخدم تثبيت الهوية المصرية، الأصل في الدراما أنها تعرض ولا تفرض، بمعنى أنه لا تمنع عملا ولا تفرض نوعية محددة من الموضوعات ولكن المهنية والحرفية هي تقديم كل شيء في إطار لا يضر بالمجتمع.

هل هناك أزمة فى لغة كتابة السيناريو؟

مؤخرا أصبحت لغة الحوار في الدراما متشابهة ولا تفرق بين مثلا دكتور جامعي أو بواب أو ميكانيكي، فجميعهم يتحدث بنفس الأسلوب وهذا غير منطقي، ولكن من الشطارة أن تقدم كل شخص في إطار لغة حواره ولكن برقي، وستجد أن مثلا أعمال أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحسن زايد وكتاب كبار آخرين بها كافة الشخصيات والنماذج المجتمعية ولكل منهم أسلوب حوار ولا يوجد ما يخدش الحياء أو كلمات نخجل من سماعها عبر التليفزيون، وهذا يوضح الفرق بين (أسطوات المهنة وغيرهم)، فالأمر الآن أصبح مجموعة أرزقية واخدين الكتابة سبوبة، منذ أيام صادفني أحد الشباب من الكتاب الجدد وأبلغني أنه يكتب في ورشة كتابة بها 4 غرف كل غرفة لمجموعة شباب يكتبون مسلسل، وهذا يؤكد أننا وصلنا للحضيض وعمرنا ما شاهدنا هذا في الدراما المصرية.

وما رأيك بظاهرة تعريب الفورمات الأجنبية في الدراما المصرية؟

لست ضد هذا الأمر، ولكن لدينا في المجتمع حكايات من الممكن أن تكون أفضل لو قدمناها دراميا، وستجد أن هناك أعمالا في هذا الإطار نجحت مثل جراند أوتيل وطلعت روحي وهي أعمال كان هناك عوامل لنجاحها منها اختيار الأماكن مثلا والورق نفسه كان مميزا ومكتوب بحرفية شديدة فتامر حبيب سيناريست شاطر وموهوب، وإنتاجيا أيضا تم توفير كافة الإمكانيات التي تساهم في النجاح، والمخرج نفسه محمد شاكر خضير أعتبره أشطر أبناء جيله، واختيار كاست العمل، كل هذا التفاصيل ساهمت في نجاح هذه الأعمال، وهناك أعمالا أخرى لم تحق أي نجاح ولا داعي لذكرها.

هل ترى أن هناك موضوعات معينة غائبة عن الدراما المصرية مؤخرا؟

في الحقيقة أنا ضد فرض أي نوع من الدراما على الكتاب، ولكن ما أعرفه وما كان يحدث في عهد الراحل ممدوح الليثي وقطاع الإنتاج، هو عمل خطة للدراما (خطة منوعة) بين الديني والتاريخي والاجتماعي والكوميدي وكل الموضوعات الأخرى التي يمكن أن تمس المجتمع وتعبر عنه، حتى الأطفال كانوا دائما على هذه الخريطة بأعمال درامية خصيصا لهم، والغريب أننا منذ سنوات طويلة جدا توقفنا عن الإنتاج للأطفال منذ توقف صوت القاهرة تقريبا، وأضيف أيضا أن هذه القطاعات الإنتاجية تعمل بقواعد مهنية ولا توقع عملا قبل قراءته ومراجعته كاملا وإجراء المناقشات حوله بين الصناع، بعكس ما يحدث الآن، فتجد أن مخرج بدأ تصوير مسلسل لا يملك منه إلا ورق لأربع أو خمس حلقات فقط.


وماذا عن غياب القطاعات الإنتاجية الكبرى مثل مدينة الإنتاج وصوت القاهرة وقطاع الإنتاج.. وتأثير ذلك على صناعة الدراما؟

بالطبع تأثرت الدراما المصرية والعربية كثيرا بغيابهم، كانوا فعلا ضابطين السوق، وإلغاء قطاع الإنتاج في المدينة وتوقف صوت القاهرة وقطاع الإنتاج بالهيئة الوطنية للإعلام يعد أكبر كارثة سيحاسب عليها المتسبب في ذلك، فهو خطأ في حق مصر وعندما سألت أسامة هيكل عن أسباب توقف قطاع الإنتاج بالمدينة كان رده أنها بتخسر وقلت لها بتخسر بسبب الإدارة ومن الممكن أن تربح كثيرا.

هل تفوقت تركيا وسوريا والأردن في ملف الدراما التاريخية؟ وكيف تخدم هذه الأعمال في ملف السياسة؟

هذا ما نقوله منذ سنوات، وكنت أول من طالب بمقاطعة الدراما التركية في مصر وكنت السبب الرئيسي في اتخاذ MBC قرار بمنع عرض دراما تركية، ولا يمكن تجاهل هذه النوعية من الأعمال الدرامية التي بالفعل تحقق رواج سواء سياسي أو حتى سياحي لتركيا وأفكارها، حتى أن مسلسلات مثل حريم السلطان وأرطوغل تزيد حلقاتهم عن 100 حلقة في محاولة لتمجيد فكرة الخلافة العثمانية، والواقع أن كل هذه الأعمال تزيف الحقائق وتزور التاريخ.

الواقع والتاريخ يقول إن مصر لم تعيش مرحلة أسوأ من مرحلة الحكم العثماني، ونجد أن هناك من يروج أفكار بأن محمد علي هو صانع النهضة الحديثة ويجمل صورته وهو في الواقع كان يصف المصريين بالرعاع وكان سفاحا حقيقيا، وأتعجب مما تقوله لميس جابر عنه وكأنها كانت من أسرة محمد علي، وعلينا أن نواجه ذلك بدراما مصرية تاريخية قوية.

مؤخرا اتجه عدد من المنتجين المصريين للعمل في السوق الخليجي وإنتاج دراما خليجية..هل تابعت هذا الأمر؟

هناك 70% من شركات الإنتاج والمنتجين إما أغلقوا أو هاجروا أو نقلوا شركاتهم إلى الخليج، وحقيقية تقليص الإنتاج الدرامي أثر على الشركات والمنتجين وعلي الصناعة كما وكيفا.

جمعتك صداقة بعدد كبير من النجوم.. وبما أن حوارنا يدور حول الثقافة.. في رأيك الشخصي من أبرز النجوم المثقفين الذين تعاملت معهم؟

في الحقيقة أرى بشكل شخصي أن محمود ياسين ونور الشريف وعزت العلايلي رحمة الله عليهم جميعا هم (مثلث الثقافة) في الفن المصري، نماذج فنية مميزة جدا وعلي قدر كبير من الاطلاع، وعلي المستوى الإنساني أيضا كانوا قمة الرقي ويمكنني أن أقول إن طباعهم وأخلاقهم كانت الأقرب إلى الكمال، وكان يمكن أن تناقشهم في كافة الأمور سياسة وفن وثقافة وطب وعلم نفس وتاريخ، كانوا حقيقة موسوعة متنقلة.

ولما اشتغلت مع الجيل الجديد شوفت مهازل كتير، ولك أن تتخيل أنني عندما حولت رواية عبث الأقدار للراحل نجيب محفوظ إلى مسلسل كان مرشحا لبطولتها عمر الشريف، ولكن لأسباب ما تم تغييره، وقمت بترشيح عزت العلايلي، وقبل أن يوافق طلب مني أن يقرأ دكتور زاهي حواس ويراجع الأحداث، وهذا يظهر مدى اهتمامه بالعمل وإيمانه بأنه سيقدم تاريخ ويجب أن يقدم بشكل صحيح، أما هذه الأيام فلا أحد يراجع وتجد الشوتات والكادرات والأفكار منحوتة حرفيا ولا يهتم أحد.


على ذكر الأديب العالمي نجيب محفوظ وأعماله.. مؤخرا أعلن الفنان أحمد حلمي عن تقديم سيرة أديب نوبل في فيلم.. ما تعقيبك؟

في الحقيقة أحمد ممثل موهوب جدا، (عفريت تمثيل بجد) ولكن لا يمكن أن أحكم على العمل قبل مشاهدته، وبصفة خاصة مع تقديم هذه الشخصيات سواء سينمائيا أو دراميا، ومنذ ما يزيد عن 10 سنوات لم نقدم دراما سيرة ذاتية لمثل هذه الشخصيات الثرية بالأحداث والرسائل المهمة التي من الممكن أن تخدم المجتمع، ودراما السيرة الذاتية تعاني مأساة حقيقية وأقاتل منذ 10 سنوات لتقديم سيرة نجيب الريحاني في مسلسل عن حياته من الصعلكة وحتى وفاته وما بعدها، فهذا الفنان هو أغني فنان ترك ميراث بعد وفاته.

قبل أن نختم.. حدثنا عن علاقتك الفنية مع بناتك ميار ومي الغيطي؟

كنت ضد دخولهم مجال الفن وأصدقائي المخرجين كانوا يفرضون رغبتهم علي بضمهم لأعمال وهم أطفال، ولم يكن احتراف حقيقي على الإطلاق، حتى فوجئت بتامر حسني يطلبني ويأتي لزيارتي بصحبة المنتج نصر محروس ويطلبان أن تنضم ميار لفيلم كابتن هيما بعد أن شاهدها تامر في عرض مسرحي مدرسي، وكان هذا الفيلم هو أول احتراف حقيقي للفن.

أما مي فكانت عازفة ورسامة وتكره التمثيل أصلا، وشاركت في مسرحية أطفال فقط من أجل أن تغني غربي وشاهدها مجدي أبوعميرة ثم طلبها للمشاركة في مسلسل القاصرات، ولا أتدخل إطلاقا في عملهم مؤخرا، حتى أنني أفاجأ بمي تشارك في أفلام قصيرة وتحصد جوائز بمهرجانات دولية مثل شيكاغو لسينما المعاقين.