بعد نجاح وساطتها بين أمريكا وطالبان.. هل تحلحل قطر الأزمة بين واشنطن وطهران؟
بدا أن قطر تحاول تقديم نفسها للإدارة الأمريكية الجديدة؛ بمحاولة الوساطة بين واشنطن وطهران، فيما يتعلق بالعودة لمخرجات الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشكل منفرد العام 2017، وذلك على غرار ما قامت به من وساطة بين حركة طالبان الأفغانية وأمريكا، الأمر الذي أنهى صراعًا ممتدًا منذ نحو عقدين بين الجماعة الأصوالية من جهة، والقوى العظمي من جهة أخرى.
الخطوة القطرية، من المؤكد أنها ستلقي بظلالها على منطقة الخليج، وتحديدًا السعودية والإمارات، اللتان ترغبان في تشديد العقوبات على إيران بوصفها دولة تثير القلاقل في المنطقة، بالتدخل في شؤون دول المنطقة.
وخلال وقت سابق أعلن الرئيس الأمريكي الجديد، جون بايدين، نيته العودة إلى الملف النووي، لكن بعد التفاوض على بعض الملفات أبرزها برنامج طهران البالستي، وعودة إيران للتزاماتها الموقعة عليها في الاتفاق النووي.
تسهيلات غير ضرورية
مسؤولون قطريون، قالوا اليوم الخميس، لموقع "أكسيوس الأمريكي"، إن بلادهم تسعى لتسهيل الحوار بين الولايات المتحدة وإيران، وتعمل على عودة الجانبين إلى الاتفاق النووي؛ لتخفيف التوترات، فيما أشار الموقع الأمريكي إلى أنه على عكس العام 2012، يعرف الكثيرون في إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن نظراءهم الإيرانيين وكيفية الاتصال بهم، لذلك قد لا تكون التسهيلات القطرية ضرورية.
لفت الموقع إلى أن سلطنة عمان كانت هي من لعب هذا الدور بين عامي 2012- 2013، وسهلت المحادثات السرية بين طهران وواشنطن، التي مهدت الطريق للاتفاق النووي العام 2015، وأن القطريين يريدون أن يلعبوا هذا الدور هذه المرة.
زيارة قطرية
وخلال الأسبوع الجاري، زار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إيران الاثنين الماضي، وقال إن بلاده تعمل على تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران وخفض التصعيد بينهما، والتقى وزير الخارجية القطري في طهران بالرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، لمناقشة إمكانية إعادة التواصل مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. كما أوصل للرئيس روحاني رسالة من أمير قطر.
شروط إيرانية
بدوره قال روحاني، إن إيران لن تنفذ بالكامل التزاماتها بموجب الاتفاق النووي إلا بعد أن ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات المتعلقة بالمجال النووي التي فرضتها إدارة ترامب، بينما أكد آل ثاني لروحاني أنه يأمل في أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات وتعود إلى الاتفاق، مضيفا أن قطر ستحاول المساعدة في تحقيق ذلك.
كما رحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بالجهود القطرية لتسهيل إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وقال سعيد خطيب زاده، في مؤتمر صحفي: "قطر بالتأكيد واحدة من أصدقاء إيران المقربين في المنطقة، وهناك مشاورات وثيقة للغاية بين إيران وقطر على شتى الأصعدة.
ضوء أخضر
خبير العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية في مركز الأهرام، أحمد سيد أحمد، قال لـ"الرئيس نيوز": "قد تكون الوساطة القطرية بين أمريكا وإيران بضوء أخضر من كل من واشنطن وطهران نظرًا للعلاقات الجيدة بين قطر وكل من واشنطن وطهران، خاصة أن قطر تقاربت مع إيران خلال الفترة الأخيرة، كما أن لديها تجارب سابقة فى دبلوماسية الوساطة كما حدث فى الوساطة بين أمريكا وطالبان".
تابع: "لقطر رؤية مختلفة عن دول الخليج خاصة السعودية والإمارات، وهي تميل نحو الحوار مع إيران وإدماجها فى الترتيبات الإقليمية، كما أن ادارة بايدن الجديدة أعلنت رغبتها فى الحوار والعودة للاتفاق النووى الإيرانى الذي انسحب منه الرئيس ترامب".
أضاف الباحث في مركز الأهرام: "كانت سلطنة عمان لعبت دورا مهما فى الوساطة بين أمريكا وإيران فى التوصل إلى الاتفاق النووى العام ٢٠١٥، فى عهد الرئيس أوباما وكان بايدن نائبا له، وبالتالى قد تساعد كل تلك العوامل فى الوساطة القطرية بين أمريكا وإيران"،
تحديات الوساطة
وعن التحديات التي تواجه الوساطة القطرية، قال الدكتور أحمد سيد أحمد: "هناك تحديات وعقبات كبيرة أمام الوساطة القطرية بين أمريكا وإيران، أولها محدودية الدور القطرى فى الوساطة حيث أنه مرتبط بتعقيدات كثيرة أبرزها حالة العداء التاريخى بين أمريكا وإيران لأكثر من أربعة عقود، فضلًا عن التناقض الأيديولوجي بينهما"، أما ثان هذه التحديات فيقول الباحث في مركز الأهرام: "المشروطية التى تضعها كل من واشنطن وطهران للعودة للاتفاق النووي، الأمر الذي يجعل من الصعوبة نجاح أى فرص للحوار بين الحانبين".
شروط أمريكية
أشار أحمد سيد أحمد إلى أن هناك تناقض كبير فى الرؤية بين الموقفين الأمريكى والإيرانى، فعلى الرغم من أن إدارة بايدين أعلنت رغبتها فى الحوار والعودة للاتفاق النووي، إلا أنها قالت إنها عودة مشروطة أى أن تقوم ايران بتنفيذ كل إلتزاماتها فى الاتفاق النووي أولا قبل العودة ورفع العقوبات، كما أن العودة الأمريكية ليست كما كانت فى عهد أوباما، لكن العودة وفق رؤية جديدة تقوم أولا على تعديل الاتفاق النووى الحالي وإضافة بنود جديدة لمعالجة ثغرات الاتفاق السابق المتعلق ببند الغروب أى تخصيب اليورانيوم.
أوضح أن التخصيب كان مرتبطًا حتى العام ٢٠٢٥، وبالتالى منع إيران فى التعديل الجديد من تخصيب اليورانيوم بشكل دائم لمنع امتلاكها سلاح نووى، مضيفًا: "كذلك الربط بين الملف النووى الإيراني والملفات الأخرى خاصة البرنامج الباليستى، ودعم الإرهاب فى المنطقة وزعزعة الاستقرار عبر دعم وتمويل حلفاء طهران خاصة المليشيات المسلحة فى العراق، مثل "عصائب أهل الحق"، و"النجباء"، و"حزب الله العراقى"، واستخدامهم لتصفية حساباتها مع أمريكا.
لفت الباحث في مركز الأهرام إلى أن أمريكا تربط كذلك العودة للملف النووي بضرورة وقف الدعم الإيراني للمليشيات المسلحة فى سوريا، ووقف دعم ميليشيا "حزب الله" فى لبنان، ووقف دعم ميليشيات الحوثي الانقلابية فى اليمن، وتزويدها بالأسلحة والصواريخ الباليستية التى تستهدف بها المملكة السعودية.
رفض إيراني
وعن الشروط الإيرانية، فيقول الدكتور أحمد سيد أحمد: "طهران ترفض هذه الشروط الأمريكية، وتطالب برفع العقوبات الأمريكية أولا قبل العودة لالتزاماتها فى الاتفاق النووى، كما أنها ترفض التفاوض حول برنامجها الباليستى ودورها الإقليمى"، لافتًا إلى أن واشنطن تريد إشراك الدول الحليفة فى المنطقة خاصة دول الخليج مثل السعودية والامارات كذلك إسرائيل فى اية مفاوضات مستقبلية مع إيران وهو ما ترفضه طهران".
اختتم الباحث في مركز الأهرام حديثه بالقول: "فى ظل هذه التعقيدات من الصعب الحديث عن فرص نجاح الوساطة القطرية الا إذا أقدمت ايران على تنازلات حقيقية وهو أمر مستبعد، كما أن السعودية والامارات مع الحوار والتفاوض مع ايران، لكن فى وجود ضمانات بعدم امتلاك إيران سلاح نووى، ووقف دعمها للارهاب، ووقف التدخل فى شؤون المنطقة، وهو ما تتفهمه واشنطن والدول الأوروبية الأعضاء فى الاتفاق النووي مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والتى تؤيد أيضا الرؤية الأمريكية".
بتوجيه أمريكي
الباحث في الشؤون الإيرانية، سالم الصباغ، رجح أن تكون الوساطة القطرية جاءت بضوء أخضر من واشنطن؛ لإيجاد مخرج لها ولايران من الطريق المسدود، والمأزق الذي أوصل ترامب الأتفاق النووي اليه، بل والمنطقة كلها، وتابع في تصريحات لـ"الرئيس نيوز": "قطر وغيرها أصغر من أن تتصرف وحدها في مثل هكذا قضية كبرى، فأمريكا تعتبر المنطقة العربية منطقة نفوذ ومصالح تتعلق بالأقتصاد والطاقة".
تابع: "الأكيد أن أمريكا وإيران تبحثان عن مخرج من هذا المأزق بعد فشل العقوبات الأمريكية في تغيير الموقف الأيراني الثابت بضرورة إلغاء العقوبات قبل بحث أي نوع من الحلول مع أمريكا أو حتى أوروبا"، لافتًا إلى أن السعودية والإمارات في مأزق خطير في الحرب مع اليمن، خاصة بعد إعلان أمريكا أنها ستدفع إلى وقف الحرب اليمنية وإعادة تقييم العلاقة مع السعودية، واختتم حديثه بالقول: "القضايا كلها مشتبكة".