الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

د. شهاب دغيم يكتب: لماذا بقي الغنوشي؟

الرئيس نيوز

أناصب النهضة الاختلاف العقدي والحزبي لأنني كنت من المعارضين للمثلية السياسية، والتماهي المطلق للنداء ومن بعده لشقوقه مع حركة النهضة لكن اعترف بواقعية أنها الحزب الأكثر تنظيما وانسجاما، فلا أحد يغرد خارج السرب منذ سنوات، ولئن اختلفوا لا شيء يخرج من مونبليزير، ولا أحد يخرج عن طاعة القرارات وإن خرج يبقى ارتطابته العضوي بالحركة.

لكن اليوم الأحزاب التي عارضت الشيخ قادت حربا بالمناولة لأطراف أخرى فقادت حربا لا تعلم نهايتها، ولا مشروعيتها فقط انفعالية سياسية وتهافت علي زعامة الاستقطاب الثنائي.. مناولة لا عقيدة فيها ولا هدف واضح ولا مشروع تكالب علي عدسات الكاميرا معارضة من أجل المعارضة والشهرة.

من يعارض النهضة عليه بمشروع حقيقي للوطن برؤية لشعب يفتقر اليوم إلى أبسط مقومات العيش الكريم، لشعب غارق في المديونية عجز بعضه حتى عن الدواء، أما من ليس له مشروع حضاري وفكري لا يمكن له ان ينازع النهضة  اليوم لأنها ليست الأقوى لكنهم الأضعف.

من ليس له الأغلبية في البرلمان مهما كانت عقيدته لا يمكن له أن ينتصر في نظام هجين مهجن.. واليوم لم يسقط الغنوشي لأن الخونة كما يعتقد البعض لم يصوتوا لكن لأن من يطلق مبادرة عليه أن يعي نتائحها وتبعاتها.. النهضة ليست اليوم في أوج قوتها بل أعتقد أنها "وهن على وهن" وصراعات تخترقها من الداخل؛ بين أجيال قديمة سيطرت على القرار وأجيال شابة تحمل أفكارا جديدة، وأقرب منها للتونسة من السابقين.

التهريج لن يسقط النهضة ولا غيرها.. والانفعالية في السياسة لا تنتصر لكنها تقوي الخصم كسهم لم يصبه، فيعيد تحصين نفسه واعادة إنتاج اليات الدفاع وميكانيزمات الجدل السياسي.. فما هو مشروعكم أمام حركة النهصة.. فتيار عبو الأقرب فكريا للحركة يستثمر زعامة واهية ويريد افتكاك الغاضيين منها والمنفتحين تحت غطاء معاداة النهضة تصطف حتى الأحزاب التي كانت متوافقة، وحكمت معها في الترويكا وفي حكومات أخرى.

 أحزاب يأكلها الصراع الدموي من الداخل، وكتل ضعيفة لا اتفاق بين أعضائها ولا تتجاوز أعدادها العشرات.. كتل غير متجاتسة بلا هويات سياسية وبأهداف متناقضة ومتباينة لا رابط بينها سوى الانتهاز والمحسوبية والمصالح.

أنا البورقيبي الواقعي البراجماتي، أعتقد في سياسة المراحل فلا يمكن للنهضة أن تعود لحجمها الحقيقي بهذه المعارضات المختلفة والمتناخرة المتقاتلة.. ولا يمكن لها أن تحد من سطوة  النهضة بالخيانات والعداءات؛ فالذين صوتوا ضد الغنوشي لا أخوة ولا تجمع بينهم أي عقيدة حزبية قاموا من أجل المصالح فمن يعادي النهضة اليوم منتصر لا محالة ولو إلى حين.

عندما تكون لنا أحزاب متجانسة قوية ديمقراطية حقيقية ولها مشاريع اجتماعية واقتصادية وعلمية للمجتمع ستنهزم النهضة، من تلقاء نفسها أما والحالة وهن وصراعات فلا فائدة ترجى منهم.

النهصة تخسر كل انتخابات مواقعها باستمرار لكن القوة الوسطية والتقدمية مشتتة معادية لنفسها تحمل في عمقها بذور وأسباب الفشل، واليساريون في كل واد يهيمون.. من يريد هزم النهضة عليه أن يكون واقعيا لا انفعاليا وأن يخرج من غوغائية الخطاب وشعبوية الكلمة، وأن يقطع كل صلاته بالأجندات الأجنبية، وأن يكون تونسيا لحما ودما وفكرا.