الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

في ذكرى ميلاده.. قصة الصراع الكبير بين خيري شلبي ووالده

الرئيس نيوز

في 31 يناير عام 1938، ولد الكاتب المصري خيري شلبي، في ريف مصر، أحب القراءة منذ طفولته، عشق السير الشعبية وغناء الحكواتي، فأصبحت الكتابة جزءا من حياته في مراحله المختلفة.

ترك شلبي تراثاً مكثفاً من الكتابات، ومن رواياته: السنيورة، والأوباش، والشطار، والوتد، والعراوى، فرعان من الصبار، موال البيات، والنوم، وبغلة العرش، وصالح هيصة، وغيرها من الأعمال التي تحول بعضها إلى مسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية.

وفي ذكرى ميلاد الراحل خيري شلبي، نعود بالذاكرة معه إلى أيام صباه الأولى، وكيف كانت الكتب تسبب له كثير من المتاعب في المنزل، وذلك وفق ما قَصه في إحدى أعداد مجلة "فصول" عام 1992، تحت عنوان "لا حرية لكاتب في مجتمع غير حر".

يحكي شلبي في مقاله عن علاقته مع والده وكيف اشتعلت الخلافات بينهما بسبب الحب الأول للقراءة، وأنها تسببت له في مشاكل كثيرة، في البداية، كان حب القراءة بدافع من الأب الذي حثه على قراءة الأدب لتحسين أسلوبه في دروس الإنشاء وللارتفاع بذوقه الأدبي، ونصحه بتخصيص كشكول ينقل فيه مقتطفات مما يعجبه، ولتلخيص ما يقرأ من كتب، ومع استغراق الابن في هذا العالم، بدأ الأب في التعبير عن ضجره واعتراضه.

قال شلبي: "انقلب والدي علي ضد هذه العادة، وبات أول من يحارب كل كتاب خارج كتب المنهج الدراسي، فالويل لي كل الويل إذا ضبط معي كتاب مزوق الغلاف، خاصة إذا كان الكتاب رواة أو مجموعة قصص أو ديوان شعر، عذره في ذلك أن هذه الكتب هي التي تعطلني عن المذاكرة وتفتح ذهني على ما يجب ألا أعرفه في هذه السن المبكرة، إذ أن هناك أشياء إذا ألم بها الإنسان في صغره ثقلت عليه وأفسدت مزاجه وأصابت توازنه بالخلل"، هكذا كان يرى الأب أن القراءة أصبحت خطراً على صبيه.

تصاعد الموقف في حياة الطفل خيري شلبي، وكان الأب يوجه نصائح بسيطة في البداية للابتعاد عن القراءة بهذا النهم الشديد، ثم تحولت النصائح إلى حرب ضارية ضد أي كتاب أدبي يمتلكه الصبي، وتزامن هذا الغضب مع الرسوب في أحد امتحانات السنة الثانية بمعهد المعلمين العام.

وصف شلبي مشهد غضب والده وقال: "كان يوماً عصيباً، يوم بلغته النتيجة في سورة الغضب العارمة اندفع يجري نحو الداخل فظننته يبحث عن سكين يذبحني بها، وكم كانت دهشتي عظيمة حين رأيته يفتح الدولاب وينتزع منه أكواماً من الكتب الثمينة الحميمة التي اشتراها بحر ماله.. وكوم كل ذلك في حوش الدار وهو يلهث ويتعثر في قبقابه الخشبي، ثم أشعل النار وهو يهذي، (مالي أحرق مالي وعمري، والسبب هذا الوغد الذي لم يقدر كفاحي من أجل تعليمه، ضياع الكتب وإن كانت عزيزة أفضل من ضياع ابن ولو كان بليداً ساقطاً)".

تسبب هذا الموقف في كثير من الصعوبات لكاتبنا خيري شلبي، لكي يستطيع قراءة كتاب واحد، فقد أصبح والده أكثر شدة وحزماً في التعامل معه، ومراقبة ما يطلع عليه، خاصة في فترات الدراسة والامتحانات، لكنه تعلم طرق كثيرة لإخفاء الكتاب الأدبي عن أعين جميع من في الدار وعلى رأسهم والده، على حد قوله.

صادف فشل الصبي، خيري شلبي، رسوب صبيين آخرين من القرية، وقد عرف عنهما حب القراءة خاصة الشعر والروايات؛ ما تسبب في منع الآباء أبناءهم من القراءة خوفاً عليهم من نفس المصير، وساءت سمعة الكتاب الأدبي في القرية.

وقال شلبي عن هذه الفترة: "إلا أن هذا التحريم كان أكبر حافظ للأبناء على البحث عن مثل هذه الكتب لمعرفة أسرارها، ولماذا هي تشغل الطالب عن دروسه، ففي الشهور الطويلة التي مكثتها في بلدتنا بعد الفشل الدراسي، كنت لا أكف عن إعارة واستعارة الكتب الأدبية، بل بفضل هذه الكتب كنت أتعرف كل يوم على أصدقاء جدد سرعان ما أشعر نحوهم بالألفة والحميمية، إذ كنا جميعاً نمارس هواية محببة سيئة السمعة"، ولقب نفسه أنه "ممن أدركتهم حُرقة الأدب"، وتعني أن الأدب يصرف الإنسان عن كل شيء ما عداه.