الأحد 06 أكتوبر 2024 الموافق 03 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«ميراث الغضب 3».. كيف أنقذ تحالف حافظ الأسد مع إيران نجله بشار؟

الرئيس نيوز

في مارس من العام 2011 انفجرت الأزمة السورية، التي بدأت بثورة وانتهت بحرب أهلية لتقضي خلال ما يقرب من 7 سنوات على سوريا وما فيها، وسط اتهامات للزعيم الراحل حافظ الأسد بأنه زرع بذرة “ميراث الغضب”، الذي انفجر في وجه ابنه بشار.
طوال ما يقرب من  30 عاما، وقف الأسد الأب بين يدي التاريخ، تتأرجح رؤى الباحثين حوله ما بين إنصاف واتهام، بين ما يمكن وصفه بنجاحات سياسية وما يمكن اعتباره جرائم إنسانية ومجتمعية، ارتكبها في حق الكثير من أبناء أهل الشام.
هل دفع بشار الأسد ثمن جرائم والده، في البلد العربي الوحيد حتى الآن، ذات النظام الجمهوري، التي نقلت فكرة توريث الحكم من حيز التنظير إلى حيز التنفيذ دون أدنى شرعية؟، وهل ما تعانيه سوريا حاليا هو نتاج وتراكمات مرحلة حافظ الأسد واستمرار سياسية إملاء الوصاية على الشعب السوري؟.
يجيب على الأسئلة السابقة وغيرها الدكتور مصطفى عبدالعزيز مرسي سفير مصر في سوريا سابقا ومساعد وزير الخارجية الأسبق، في كتابه “حافظ الأسد.. بين الواقع والأسطورة”، الصادر مؤخرا عن “الدار الدولية للاستثمارات الثقافية”، والذي يتناول فيه شخصيته وعصره وكيف تعامل مع شعبه ودول الجوار.
في الحلقة الثالثة من الملف يفتش الكاتب في سياسات حافظ الأسد الخارجية، كاشفا أن الهدف الرئيسي من هذه السياسات كان رغبة الأسد في تحويل سوريا إلى قوة إقليمية فاعلة ونشطة بعدما ظلت لسنوات مجرد مفعول بها وتتنازع السيطرة عليها عدة قوى إقليمية ودولية.
وكان تصور الأسد لتحقيق هذا الهدف ما أوضحناه في الحلقات السابقة، بأن يحكم قبضته على الداخل، حيث كان يرى أن دور سوريا وقوتها الإقليمية ستكون انعكاسا لقوة الاستقرار الداخلي.
ونقل الكاتب وصف الخبير السياسي الدكتور مصطفى اللباد في أحد أبحاثه،الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات عام 2010، لسوريا قائلا: تختزل سوريا في طياتها فسيفساء المشرق العربي عرقيا وطائفيا، ويتكثف في موقعها الجيوبولتيكي كل توازناته، وأصبحت على هذا النحو الرافع الحصري للأدوار الإقليمية في المشرق العربي، بحيث يبدو الصراع الراهن عليها-كما كان دائما في الماضي- مجسدا لجوهر الصراع في المنطقة.
ويشير الكاتب أن سياسة الأسد الأب الخارجية كانت تمثل سعيا لإعادة هيكلة النظام الإقليمي القائم- وقتئذ- وهو الذي جعله يصطدم بمصالح القوى الإقليمية والدولية المهيمنة.
ويكشف الكتاب عن أن أول القوى الإقليمية التي عمل الأسد على تعزيز علاقته بها كانت إيران، فقد كان يستهدف تحالف الدولتين وقتها تشكيل منظومة إقليمية فاعلة في المنطقة، تغير من علاقات الدول في هذه المنطقة، وتمكن البلدين من مواجهة مجموعة من المخاطر والتهديدات.
وعلى الرغم من أن عدة أطراف إقليمية ودولية سعت إلى تقويض هذا التحالف فإنها لم تنجح في ذلك وامتد إلى مرحله بشار، وإن تغيرت بعض مكوناته وعوائده بالنسبة لكل طرف.
وفي عام 1979 عندما نجحت الثوره الإيرانية الإسلامية في إسقاط نظام الشاه حدث تغييرا جوهريا في توجهات إيران الإقليمية والدولية، فقد أعلن قادتها رفضهم للممارسات السياسية الغربية و الأمريكية، وقطعت إيران الثورة علاقتها بإسرائيل، وتبنت تأييد القضية الفلسطينية، فأسرع الأسد إلى إعلان دعمه واعترافه بالنظام الجديد في طهران، الأمر الذي وفر مناخا سياسيا مواتيا لاتطلاق علاقات جديدة بين البلدين.
وقد جاء سقوط الشاه في إيران في وقت كان يشعر فيه النظام السوري بالعزلة السياسية لا سيما بعد توقيع مصر اتفاق السلام مع إسرائيل، حيث شعر الأسد بأن الربيع السياسي الذي انبثق عن حرب أكتوبر، التي عززت من شرعيته، بدأ مرحلة الأفول وافترق شركاء حرب أكتوبر، وهو ما تسبب في أزمة نفسية عميقة للرجل، الذي اعتبر أن سوريا تُركت بمفردها لتواجه العواصف الإقليمية و الدولية وزاد من إحساسه بالمخاطر و التهديدات الإسرائيلية و الضغوط الأمريكية، ثم جاءت الثورة اﻹيرانية لتنتشله من هذه الحالة.
التغيرات التي حدثت في المنطقه فتحت شهية الأسد للعمل على تحويل سوريا إلي قوة إقليمية وهو ما عبر عنه فاروق الشرع وزير خارجيه سوريا الأسبق بقوله “كان تسريع الرئيس الأسد بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي في 8 أكتوبر 1980 تمثل ردا على هذا المتغير الجديد، حيث ستُخرج الحرب العراقية الاإيرانية، العراق لفترة طويلة من الحسابات الاستراتيجية العربية بعد ان تم إخراج مصر من الحسابات الاستراتيجية في الصراع العربي الإسرائيلي”.
ويضيف الشرع “عودة الإمام المنفي آية الله الخميني من ضواحي باريس في مطلع عام 1979 مظفرا إلى إيران أنعشت الآمال لدى حافظ الأسد، بينما كان وضع صدام حسين في موقف صعب لأن السلطة العراقية لم تراهن على هذه الثورة الإيرانية في الأساس و إلا لما أبعدت الخميني خارج العراق قبل حدوثها بعدة أشهر فقط”.
وقد أثار إقدام حافظ الأسد على بناء علاقة ذات طبيعة خاصة بين سوريا وإيران كثيرا من الجدل و النقاش في الأوساط العربية، فقد جعل من سوريا التي كانت تردد من عاصمتها دمشق أنها قلب العروبه النابض والمدافع عن قضايا العرب، تقف ضد عراق صدام حسين في حربه مع إيران وتنحاز إلى الثانية بشكل كامل.
ووفقا للكتاب فقد جاء أول تصريح رسمي سوري حول الحرب العراقية الإيرانية بعد اندلاعها بشهر ونصف على لسان الرئيس حافظ الأسد أثناء حضوره تخريج دفعة من المظليين العسكريين حيث تناول الوضع في المنطقة وأدان الحرب على إيران، كما أدان صدام حسين شخصيا،معتبرا أن الحرب على طهران مؤامرة ضد الأمة العربية وفند ما ادعاه صدام من أن حربه هدفها الدفاع عن الأمة العربية قائلا إنه “لو كان ذلك صحيحا لشاورنا قبل إشعال المعركة، فهذه حرب لا مبرر لها”.
وجاء تطور دولي جديد تمثل في انتهاء القطبية الثنائية بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 ما أفقد النظام السوري دعما مهما و حليفا استراتيجيا وزاد من دواعي تمسك حافظ الأسد بتحالفه مع إيران لاعتباره أمرا حيويا في ظل هذا التغيير الذي أحدث تطورات جوهرية.
ثم جاء اجتياح العراق للكويت اغسطس 1990 ، الأمر الذي جعل النظام السوري يشعر بالخطر على امنه فقد كان نظام حافظ الأسد يخشى من صدام، خاصة مع تردد شائعات عن نية صدام لضرب سوريا ردا على مشاركات دمشق في قوات تحرير الكويت.
وسافر الأسد إلى طهران للتشاور مع حلفائه فطمأنوه بأن مشاركته مع عدوتهم أمريكا في تحرير الكويت لن تؤثر على تحالفهما، لأن الهدف هو إنزال الهزيمة بالنظام العراقي المعادي لكليهما.
رصد الكاتب أهم دوافع الجانب السوري وأهدافه من العلاقة مع إيران وفقا لما لخصه عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري السابق قائلا أهم هذه الأهداف دعم موقف سوريا في الصراع مع إسرائيل وإسقاط النظام العراقي، فضلا عن دعم دمشق في البحث عن دور أكبر بالمنطقة.
وفي المقابل كانت لإيران دوافع وأهداف متعددة من علاقتها مع سوريا أهمها توفير منصة انطلاق للنفوذ الفارسي في المنطقة العربية ومحاصرة نظام صدام حسين و السعي لإسقاطه، فضلا عن رغبتها في دعم النظام العلوي بسوريا.
لقد شكلت سوريا بعلاقاتها الاستراتيجية مع إيران بوابة عبور الأخيرة إلى العالم العربي، و خصوصا إلى لبنان لأن الحرب مع العراق رافقتها قطيعة عربية شاملة لإيران، وحدث تويتر إيراني عربي لاسيما مع دول الخليج ومصر، التي وقفت خلف العراق في هذه الحرب، وأصبحت سوريا هي الممر الوحيد للدعم الإيراني المباشر إلى حزب الله منذ التأسيس كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان.
كما شكلت مع إيران نواة لما عرف بعد ذلك بمحور الممانعة، الذى وقف بجانب حركات المقاومة في المنطقة، خاصة في لبنان و فلسطين.
ويرى الكاتب أن حافظ الأسد استطاع توظيف تحالفه مع إيران في حماية نظامه من التهديدات الأمريكية والإسرائيلية كما أن هذا التحالف ملأ الفراغ الذي حدث بانهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كان بمثابة الحليف الأساسي لسوريا.
وفي المقابل استغلت إيران هذا التحالف في دعم نفوذها في المنطقة العربية، الذي امتد فيما بعد إلى العراق بعد لبنان، عبر الجسر السوري، فضلا عن تحقيق هدف مشترك بين البلدين وهو إزاحة نظام صدام حسين.
وقد طرح الكاتب أسئلة مهمة حول ما يمكن أن يكون أدى له هذا التحالف الإيراني السوري من نتائج كارثية مستقبلا، فحافظ  الأسد الذي كان يتفاخر برفع شعار القومية العربية و الوحدة العربية، تحالف مع دولة معادية، ما أحدث انقساما في الوطن العربي وأضر بفكرة التضامن العربي.
كما تساءل الكاتب: هل ساهم الأسد بغير قصد فيما آلت إليه أوضاع المنطقة العربية من خلل في التوازنات الإقليمية، والإضرار بمصالح عربية لم يكن من المتصور التفريط فيها على هذا النحو، لصالح إيران، التي تحمل حقدا تاريخيا على العرب والعروبة؟، ناهيك عن الانتصارات التي حققتها إسرائيل دون حرب بتحطيم القوة العراقية، ما أدى إلى خلل جوهري في علاقات القوى الإقليمية لصالح إسرائيل؟.
كما أن التحالف السوري مع ايران سمح للأخيرة بالتمدد في المنطقة وعزز مشروعها الإقليمي بشأن الهلال الشيعي، والاعتراف بإيران كطرف إقليمي فاعل في العديد من الملفات الساخنة.
ومن ناحية أخرى ألا يفسر تواصل التحالف السوري الإيراني في مرحلة بشار موقف أغلب دول مجلس التعاون الخليجي من نظامه ومشاركة بعضها في دعم الفصائل المسلحة ضده طوال الأعوام السبعة الماضية، و هو ما يمكن وصفه بالثأر بأثر رجعي من سياسة حافظ الأسد، التي فتحت الباب أمام المشروع الإيراني في المنطقة العربية.
على النقيض يتبقى أن نذكر أن تحالف الأسد الأب مع إيران، هو الذي جعل الدولة الفارسية تقف بكل قوتها خلف ابنه بشار في معركة سوريا الممتدة منذ سنوات.
في الحلقة القادمة وهي الأخيرة يفتش الكتاب في علاقة الأسد بدول الجوار الأردن وإسرائيل وتركيا، ومواقفه من مصر واتفاقية السلام مع إسرائيل.