الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«دعاة عصر السادات».. كيف تمت صناعة التشدد في مصر (1)

الرئيس نيوز

- اتصالات السادات بالإخوان بدأت بعلم عبد الناصر بعد النكسة لترميم الجبهة الداخلية 

- مبررات السادات في التقارب لجماعة الإخوان كانت مختلفة تمامًا عما حدث في عصر عبد الناصر

السادات كان يتصور أنه سيستخدم الإخوان ولن يستخدموه



"كيف كان يمكن أن يكون شكل الحياة في مصر لو لم يتخذ الرئيس السادات قراره بإعادة إحياء جماعة الإخوان المسلمين؟.. وما تأثير الدعاة الشعبيين في نشر أفكار جماعة الإخوان لدى المواطن العادي؟".. بدأ الكاتب الصحفى وائل لطفى كتابه "دعاة عصر السادات" الصادر مؤخرًا عن دار العين للنشر،  بهذين السؤالين، فى محاولة للوصول إلى إجابة سؤال أهم: كيف تمت صناعة التشدد فى مصر؟.

وخلال استضافته في "الرئيس نيوز " للحديث عن كتابه الجديد، الذي يعد استكمالا لمشروعه الذي بدأ منذ 15 عامًا حول تحليل ظاهرة التطرف، قال لطفي: "فى 2005 أصدرت مجموعة (الدعاة الجدد) لكنه عومل وقتها كجريمة فلا أحد يكتب عنه أو يناقشه، بسبب وجود رهبة وقتها من انتقاد هؤلاء الدعاة، فضلا عن وجود نوع من أنواع النفاق للإخوان المسلمين، وإحساس صامت أنهم قادمين إلى حكم مصر ، حتى أن أكبر برنامج  في مصر والذى كنت أعمل به كأحد أفراد إعداده ، قال المذيع الرئيسي أنه مع الدعاة الجدد بشكل واضح، وأصبح طرف حاد في النقاش دفاعا عنهم".

يكشف مشروع وائل لطفي الذي بدأ بـ"الدعاة الجدد" مرورًا بـ"دعاة السوبر ماركت" وأخيرًا "دعاة عصر السادات"، عن تغير نظرة المجتمع تجاه تلك القضية على مدار سنوات، إذ يقول: "أصبح هناك حالة انكشاف زيف هؤلاء الدعاة وكلنا مدينين لثورة 30 يونيو  لحالة الوعي ولوسائل التواصل الاجتماعي، التي تنتقد زيجات  دعاة السلفيين وثرواتهم.. وأفخر أنى كنت أحد المناهضين لهذة الفئة من قبل ثورة يناير 2011،  وكان وقتها ما أكتبه محل استغراب من هذا المجتمع.. فمجلة روز اليوسف والفجر كان لديهم رؤية مبكرة وكاشفة".



وجد الكاتب نفسه مضطرا إلى السفر عبر بوابة الزمن إلى سبعينات القرن الماضي ليرصد ويجمع أطراف شهادات من أصحابها، الذين كانوا شهود عيان على بداية منح قبلة الحياة للجماعات الإسلامية فى مصر، ليتقاطع معها من حين لأخر، ليؤكد واقعة أو ينفيها ويفسر دلالاتها فى ضوء ما نشهده الأن.. 

وعن تلك الرحلة لفهم أصول التطرف والتشدد في مصر.. يقول لطفي:

لا يمكننا فهم ما جرى في السبعينيات والثمانينيات  من دون العودة إلى الجذور القريبة، والجذور القريبة هنا؛ هي ما حدث بعد كل من نكسة يونيو ١٩٦٧، ووفاة الرئيس عبد الناصر ١٩٧٠.

سنجد أننا إزاء وجهتي نظر تتقاسمان فهم وتفسير ما جرى في مصر  ولمصر، وجهة نظر ترى أن الدولة  المصرية اتجهت يمينا، كأثر مباشر لنكسة يونيو، ومن ثم فإن فتح الأبواب للإسلاميين لم يكن قرار السادات بنسبة 100%، ووجهه نظر أخرى ترى أن السادات يتحمل مسئولية ما جرى بشكل كامل، وأنه دفع نتيجة اختياره في النهاية.

ومن خلال رحلتك في البحث.. متى بدأت التحركات من النظام تجاه الجماعة؟
ما حدث فى السبعينات هو مجموعة من المحطات بدأت بالصفقة بين الرئيس السادات وجماعة الإخوان ، فالاتصالات بدأت منذ كان السادات نائب للرئيس عبد الناصر عام  1969، إذ قام بعقد لقاء مع مجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين فى منزل صديقه محمود جامع فى طنطا، وهو طبيب إخوانى وصديق شخصي  للسادات ولعب معه دور كبير فى الاتصالات بالجماعة، وهذه الواقعة تم ذكرها بوضوح من قبل  محمود جامع واللواء فؤاد علام  في كتابه "الإخوان وأنا"، الذي ذكر أن اللقاء كان بعلم جمال عبد الناصر.

وأرى أن ميل عبد الناصر للتواصل مع الجماعة فى تلك الفترة ربما كان هناك بسبب التفكير فى ترميم الجبهة الداخلية تبعها سلسلة من القرارات بإخراج العناصر التائبة من الإخوان أو  العناصر التى لديها استعداد للتفاهم، وتعد هذه إحدى الصفحات المسكوت عنها فى التاريخ الناصرى، خروج عناصر إخوانية عديدة من السجون، وتم منحها أراضى من أراضى الإصلاح الزراعى وتم تسوية وضعها الاجتماعى والمهنى وبالتالى تركت الجماعة ظاهريا.

 وإن كانت نوايا عبد الناصر اتجاه الإخوان لم تخرج عن محاولة حفظ تماسك الجبهة الداخلية، فإن مبررات السادات فى ميله للجماعة مختلفة.

وما هي تلك المبررات التي دفعت السادات إلى التقارب مع الإخوان وعقد ما تطلق عليه "صفقة"؟

هناك ثلاث اعتبارات حركت السادات اتجاه الإخوان، الطبيعة المحافظة والمتدينة، والتى مثلت فرقا واضحا بين شخصيته وشخصيات زملاؤه فى تنظيم الضباط الأحرار، فلم يكن هو الوحيد الذى ربطته علاقات بالجماعة ولكن الأخرين وعيهم النقدى تجاوز الإخوان مثل جمال عبد الناصر،  أو غلب ولائهم للتنظيم ولائهم للجماعة مثل كمال الدين حسين الذى كان عضو بالجماعة ومتأثر بأفكار الإخوان، أو اعتنقوا أفكار أخرى مثل خالد محى الدين، الذى أصبح يساريا فى طريق بحثه عن الحقيقة.

ولابد أن أشير إلى أن السادات حافظ على تركيبته المحافظة وكان ممثل مصر فى المؤتمر الإسلامي،  بالطبع لا يمكن التشكيك فى وطنيته، ولكن كان  له علاقة خاصة بالمملكة السعودية أثناء توليه منصب  نائب الرئيس. 

ويمكن أن نرصد أبرز الخطوط العريضة فغي شخصية السادات وتركيبته كالتالي: أولا طبيعته المحافظة، ثانيا تغيرات إقليمية، ورهان على الولايات  المتحدة الامريكية التى تنصح باستخدام الدين كاوسيلة لمقاومة  الشيوعية، التي يرغب في البعد عنها، والسعودية تساعده في هذا وتدعمه،  وفق ما سرده هيكل في كتابه "خريف الغضب" عن لقائه بالملك فيصل والاتفاق، وهى واقعة  موثقة.. 

وأخيرا رغبته في إحداث التوازن السياسي الداخلي، خاصة مع تحدى الناصريين له وتحدى مراكز القوى والشباب الناصري واليساري في الجامعات، هو ما دفعه دفعا إلى التفكير في التحالف مع الإخوان المسلمين  للتوازن مع التيار الناصري واليساري في المجتمع.



لكن.. هل كان السادات يعلم توابع صفقته مع الإخوان؟  

في تقديري السادات كان يتصور أنه سيستخدم الإخوان ولن يستخدموه، وأنه قادر على السيطرة عليهم، و من يستمع للخطاب الأخير للرئيس السادات فى مجلس الشعب سيجد أنه خطاب لا يخلو من رومانسية و مثالية، فقد كان يريد أن يتحول مجلس الشورى إلى مجلس للأسرة المصرية، وكان ينوى تعيين عمر التلمساني فيه ليجتمع مع البابا شنودة  لتتجلى صورة اللحمة الوطنية، وأخلاق القرية والأسرة  وأنه كان يروج لفكرة أنه كبير الأسرة المصرية وليس سياسي عادى ويستطيع احتواء كافة الفرقاء فى المجتمع ويستخدم كل الأطراف ضد بعضها البعض.
وكان متخيل أنه قادر على السيطرة.. لكنه فقد تلك السيطرة بعد مبادرة السلام وقيام الثورة الإيرانية، التي  أثارت شهية الإخوان للحكم،  وقدرتهم على تحريض الشارع ضده.. 

 كما أن إبرامه لمعاهدة السلام التي كان سابق عصره فيها، لاقت عدم قبول أو ترحيب في الشارع المصري، فحاولت استغلال هذا الرفض الشعبي لصالحها.

بسؤاله عن الشخصيات التي اعتمد السادات عليها خطته لإعادة إحياء الجماعة.. 

قال: هناك اسمين بارزين اعتمد عليهما السادات.. الأول محمود جامع وهو طبيب من المحلة، والثانى هو محمد عثمان إسماعيل من القيادات المحلية للاتحاد الاشتراكى فى أسيوط،  والذي يعرف السادات منذ أن كان رئيس مجلس الأمة، وعندما وقع الخلاف بين السادات وباقى أعضاء التنظيم بعد وفاة عبد الناصر، انحاز إسماعيل بشكل واضح إلى السادات حتى أنه حمل سلاحه وبات في حديقة منزل السادات لحمايته.. 

وفى هذة الفترة لم يكن السادات مسيطر بشكل كامل على أجهزة الدولة فكان يعتمد على الولاءات الشخصية، ويقول  اللواء فؤاد علام  فى شهادته أن الأجهزة حذرته من عثمان إلا أنه عمد إلى ترقيته وعينه محافظ بدرجة وزير. 

 يتعرض محمود جامع  في كتابه لمفاوضات السادات مع إخوان الخارج، ويقول إنه وجه الدعوة لهم للعودة إلى مصر، وأن ذلك كان خطوة مباشرة أعقبت انتهاء صراعه مع رجال عبد الناصر، كا قال جامع إنه سافر للخارج بتكليف من السادات والتقى بمجموعة من قيادات الإخوان كان منهم يوسف القرضاوي، وأحمد العسال وعبد الرؤوف مشهور، وسالم نجم، ويروي جامع أن هذه الاتصالات أسفرت عن الافراج عن قادة الإخوان في السجون، وكان من بينهم  عبد القادر حلمي، وصالح أبو رقيق.

و روى أن السادات أرسل د. سعيد النجار، أستاذ الاقتصاد، للسجن كي يتم مع الإخوان تفاصيل الاتفاق، الذي تضمن أيضا إعادة الجنسية للإخوان الذين سحبت منهم جنسياتهم أيام عبد الناصر.