4 مناورات عسكرية.. صحيفة لندنية تسلط الضوء على استراتيجة القاهرة للتعامل مع التهديدات المتحملة
يشارك الجيش المصري في أربع تدريبات عسكرية متزامنة مع قوى إقليمية ودولية مختلفة وفي اتجاهات متعددة، ويرى المحللون أن القوات المسلحة تسعى جاهدة لإعادة رسم أبعاد مساحتها الحيوية من خلال الابتعاد عن المنظور التقليدي لصناع القرار في مجال الأمن القومي.
بدأت المناورات العسكرية المشتركة، التي أجرتها القوات المسلحة المصرية والإماراتية والبحرين والأردن، تحت مسمى "سيف العرب"، الثلاثاء الماضي، في قاعدة محمد نجيب العسكرية غربي مصر، وامتدت شمالا، ومن جهتها، أطلقت القوات البحرية المصرية، تدريبات مشتركة لأسطولها الشمالي في البحر المتوسط مع القوات البحرية الفرنسية، وهي التدريبات الثانية من نوعها هذا الشهر.
كما انطلقت قوافل السفن والفرقاطات المصرية إلى أقصى الشمال مروراً بالمضيق الدولي للدردنيل والبوسفور الخاضعين للسيطرة التركية إلى البحر الأسود للمشاركة في تدريبات "جسر الصداقة 2020" مع البحرية الروسية، فيما شاركت وحدات من القوات الجوية المصرية وعناصر من قوات الصاعقة المصرية في مناورات مشتركة أطلق عليها اسم "نسور النيل 1" مع الجيش السوداني في قاعدة مروي الجوية السودانية.
يشير الانتشار الشامل للقوات المسلحة المصرية في التدريبات باستخدام أسلحة مختلفة في مناطق بعيدة ومع شركاء دوليين مختلفين إلى أن هناك وعيًا بخطورة التهديدات المتنوعة التي تواجه مصر، وفقًا لصحيفة آراب ويكلي اللندنية.
وترى القاهرة أن مثل هذه التهديدات صادرة عن العديد من المصادر المحتملة التي لا ترتبط بالضرورة بحدود الدولة. ويرون بشكل خاص أن تركيا تهدد المصالح المصرية في ليبيا ومنطقة شرق البحر المتوسط ، بالتزامن مع التحركات التركية والقطرية المشبوهة للغاية في منطقة القرن الأفريقي والتطورات في إثيوبيا التي تؤثر على مستقبل الصراع المائي بين دول حوض النيل.
الاستكشاف الاستراتيجي
ويرى الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم أن مصر تستكشف المناطق الجيوسياسية التي يمكن أن تأتي منها التهديدات المباشرة، والتي تجاهلتها لسنوات بسبب استمرار تركيزها على الجبهة الشرقية مع إسرائيل وقطاع غزة. يبدو أن القوات المسلحة المصرية تدرس طرقًا متعددة للتعامل مع أي صراعات مستقبلية، في ظل الاضطرابات الحالية في مختلف المناطق في المنطقة وغياب الرؤية الواضحة بشأن مستقبل التوجهات الدولية تجاه القضايا الحيوية.
وقال مسلم إن "الاحتكاك مع قوى متعددة في اتجاهات من المرجح أن تشهد تصعيدا يصب في مصلحة تعميق خبرة الجيش المصري وتدريب رجاله على استخدام الأسلحة الحديثة وتنسيق الجهود العسكرية مع الجيش المصري. حلفاء في مناطق مختلفة، في حالة حدوث صراع يمكن أن يؤدي إلى تحالفات سياسية وعسكرية بدلاً من قوتين منفردتين تواجهان بعضهما البعض في ساحة المعركة ".
ظهر مثل هذا السيناريو في التدريبات المصرية المتعددة مع قبرص واليونان وفرنسا، وهي دول تشترك في جوانب مختلفة من التقارب السياسي في مواجهة التنمر التركي في شرق البحر المتوسط. كما يتجلى في التدريبات المشتركة مع دول المحور العربي المعتدل وهي السعودية والإمارات والأردن والبحرين للتعامل مع التهديدات الإيرانية في البحر الأحمر وتأمين مضيق باب المندب وتأمين السلامة. الملاحة في قناة السويس.
واستخلصت الصحيفة أن اتجاه الجيش المصري جنوبا نحو السودان يدعم إمكانية تشكيل تحالف ثنائي في مواجهة الخلافات المحتملة على مياه النيل التي قد تصبح حقيقة واقعة، وقد يمتد التحالف ليشكل حاجزًا أمنيًا ضد تهديد الإرهاب القادم من القرن الأفريقي، والذي يمثل خطرًا مشتركًا للبلدين.
وأوضح الخبير الاستراتيجي اللواء عبد الرافع درويش، أن مصر تسعى لإعادة رسم حدود مساحتها الحيوية في الجنوب وتكثيف تعاونها مع دول مثل أوغندا وجنوب السودان وتنزانيا وإريتريا.
وأضاف إن هذه المساحة قد تتسع لتصبح فضاء عسكرياً مشتركاً في مواجهة أي تهديدات قادمة من تلك المنطقة بسبب كثافة القواعد العسكرية هناك التابعة لدول معادية لمصر وعلى رأسها تركيا. وأشار درويش إلى أن القاهرة تحاول تجنب الأخطاء التي سمحت لتركيا بالتسلل إلى المنطقة والبدء في تهديدها مباشرة عبر حدودها الغربية مع ليبيا.
وترغب القاهرة في كافة الأوقات لإرسال رسالة قوية وواضحة بأنها مستعدة للجوء للخيار العسكري من خلال التأكيد على إمكانية مواجهة الأخطار في الجنوب دون تغيير استراتيجيتها، بمعنى أنها ستعتمد على المناورات وتكثف التنسيق والتعاون العسكري والاستخباراتي مع دول الجنوب دون السعي إلى إنشاء قواعد عسكرية مصرية هناك، لمواجهة تدهور الوضع الأمني في اليمن والتهديدات الحوثية المستمرة على طول الساحل الغربي لليمن، تعمل القاهرة على تأمين مساحتها الحيوية على جانب البحر الأحمر مع دول الخليج.
ومن المتوقع أن تكون هناك درجة كبيرة من التكامل العسكري مع دول الخليج لضمان حماية العمق العربي لأمنها القومي، ويرى الخبراء أنه من غير المعقول فصل المناورات المصرية العربية المتتالية على ساحل البحر الأحمر عن إعادة الترتيب الدولي للوضع في تلك المنطقة بما في ذلك التعاون الجديد بين الدول العربية وإسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني. حيث يُنظر إلى إيران على الأرجح على أنها ستستخدم أسلحتها الإرهابية لتهديد حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب.
كما أن اهتمام القاهرة بتأمين البحر الأحمر ومبادرتها لترسيم الحدود البحرية مع السعودية له أبعاد اقتصادية مهمة في ظل رغبة القاهرة في التنقيب عن الغاز والنفط داخل حدودها الإقليمية. قد تكون هذه الاعتبارات هي الدافع لافتتاح قاعدة بحرية تشكل دعامة للأسطول البحري الجنوبي المتمركز على امتداد ساحل البحر الأحمر.
ردع التهديدات
أجرى الجيش المصري مؤخرًا مناورات بحرية مع البحرية البريطانية تضمنت تدريبات لحماية السفن التي تحمل حمولات مهمة، إلى جانب التدريب على عمليات الاعتراض البحري وفقًا للمواثيق والقوانين الدولية، وتوفير الحماية الجوية للوحدات البحرية.
وقالت نهى بكر، عضو المجلس الاستشاري للمركز المصري للدراسات الإستراتيجية، للصحيفة اللندنية: "هناك وعي بالمخاطر الأمنية المتعددة العابرة للحدود التي لا تتوقف فقط على أطراف الفضاء القومي، الذي لا يخلو من دفعت القاهرة إلى أن تكون أكثر استباقية في خلق نوع من التآزر العسكري بينها وبين الدول الحليفة، لأن الأخطار تتخذ الآن أشكالًا متنوعة، مثل القرصنة والإرهاب والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى المخاطر العسكرية التقليدية".
وأوضح عماد جاد، باحث العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن مصر تعمل على توسيع مساحتها الحيوية لتعزيز دورها كقوة إقليمية رئيسية. من خلال الوصول إلى أقصى الشمال مثل البحر الأسود وجنوباً إلى القرن الأفريقي، لم تعد القاهرة ترى أن أمنها القومي يقتصر على حدودها الجغرافية. علاوة على ذلك، فهي تتطلع إلى تحويل سنوات من الجهود الدبلوماسية إلى تعاون فعال يضيق الخناق على الأخطار التي تهدد مصالحها ومصالح حلفائها.
وأضاف: هناك حاجة ملحة لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، بالنظر إلى وجود عدد من الملفات المفتوحة التي يتطلب إغلاقها وجود قوة عسكرية عربية تتعامل مع تداعيات الحروب الأهلية التي عصفت بمختلف الدول العربية. . ولهذا تجد القاهرة نفسها مضطرة لتوسيع نطاق قاعدة تحركاتها الخارجية من أجل الحفاظ على استقرار أوضاعها الداخلية، التي ستكون أيضًا مهددة.
ورفض جاد التكهن بمستقبل التحركات العسكرية المصرية وقال إنها مرتبطة بحجم الانتهاكات التي قد تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري. ومع ذلك، فقد أثار احتمال تحركها غربًا إذا تجاوزت تركيا الخط الأحمر (سرت - الجفرة) الذي رسمته القاهرة في ليبيا، أو في حالة المزيد من التنسيق العسكري التركي القطري في ليبيا مما يؤدي إلى إنشاء جيش دائم أو قواعد هناك.