التيارات الإسلامية بالجزائر.. تاريخ من الانقسام حول المرجعيات والقيادة
كما هي العادة خيم الانقسام على أحزاب التيار الإسلامي في الجزائر، لتكون مسودة الدستور التي تم الاستفتاء عليها مطلع نوفمبر الجاري، وتجهز الهيئة الوطنية للانتخابات إعلان نتيجتها بـ(نعم)، خير شاهد على ذلك الانقسام.
جميع محاولات لم شمل التيار الإسلامي في الجزائر بعد الحراك الشعبي الذي أنهى حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقه، في مايو 2019، فشلت، ليتضح أن الهرولة نحو المصالح الحزبية الضيقة هي القاعدة الحاكمة لتلك الأحزاب التي لطالما رفعت شعار "واعتصموا".
قوى ثلاثة
في الداخل الجزائري هناك أبرز ثلاثة تيارات أو أحزاب إسلامية رئيسية، هي حركة "مجتمع السلم" الإخوانية، وحركة "البناء الوطني"، و"جبهة العدالة والتنمية". وقد تباينت مواقف تلك الأحزاب من مسودة الدستور، على الرغم من اجتماعهم على أراء أن تلك المسودة "خطر على الهوية والثوابت" بحسب وصفهم.
قادة حركة "مجتمع السلم" الإخوانية، هم من يحملون لواء معارضة مسودة الدستور، لكنها لم تعلن مقاطعة الاستفتاء، وقالت إنها ستصوت بـ"لا" على المسود، وتقول الباحثة في شؤون الحركات الأصولية، أميرة الشريف، لـ"الرئيس نيوز": "حركة مجتمع السلم تدرك أن المقاطعة بمثابة إخراج لها من المشهد لذلك هي تريد الحفاظ على الحد الأدني من تواجدها مع تسجيل تحفظها"، موضحًا أن التيار الإسلامي لا يزال يطارده شبح الصدام مع الدولة كما حدث في التسعينات، لذلك هو يريد تجنب العودة إلى ذلك المربع بأي شكل من الأشكال.
أكدت الشريف أن التيار الإسلامي في الجزائر منقسم على نفسه منذ بدايات ظهوره، وأن الانقسام الحالي ليس وليد اللحظة، حتى وإن حكمته المصلحة السياسية، ومدى الموازنات مع السلطة. تابعت: "عندما تم تأسيس "رابطة الدعوة الإسلامية" في العام 1989؛ كانت مظلة للتيارات الإسلامية كافة في الجزائر، وكان من رموزها وقتذاك (محفوظ نحنان المراقب العام لإخوان الجزائر – عباس مدني – عبد الله جاب الله – علي بلحاج – محمد السعيد)، وتم الادعاء وقتها أن هدف الرابطة حماية الحركة الإسلامية من التشرذم والتمزق، ورفم ذلك تشرذمت التيارات والأحزاب الإسلامية ودخلت في صدام مع الدولة كعادتها.
أضافت الشريف: "رغم تأسيس الرابطة إلا أن علي بلحاج دعا إلى تشكيل "الجبهة الإسلامية الموحدة"، إلا أنَّ عباسي مدني اقترح لها اسمًا آخر هو "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وتم أُعلن عنها في 18 فبراير 1989، لكن عبدالله جاب الله قرر تأسيس حزب "حركة النهضة الإسلامية" (في مارس 1989)، في حين رفض الشيخ محفوظ نحناح الفكرة في البداية ثم عاد وأسس حزب "حركة المجتمع الإسلامي" في مايو 1991. ورغم محاولات منع التشرذم إلا أنه ظهر التباين بين الحركات الثلاث في الأفكار والمرجعيات والتوجهات والتعامل مع الأحداث السياسية والفاعلين في المشهد".
اختتمت الشريف حديثها بالقول: "أكبر شاهد على انقسام التيارات الإسلامية في الجزائر عدم تمكنهم من تشكل موقف ورأي موحد إزاء مسودة الدستور".
موقف "البناء الوطني"
حركة "البناء الوطني"، وهي تيار إسلامي محافظ، تقول بعض التقارير إنه دأب على اتخاذ مواقف داعمة للسلطة الحاكمة أيما كانت، أعلن موافقته على مسودة الدستور، لتخرج عن سرب أجنحة التيار الإخواني في الجزائر. ويعد ذلك القرار معارضا لمواقف أغلب مكونات التيار الإسلامية في البلاد التي عارضت المشروع.
رئيس حركة "البناء الوطني" عبدالقادر بن قرينة، قال خلال مؤتمر صحفي عقده رئيس الحركة، "تعلن حركة البناء الوطني، بناء على قرار مجلس الشورى وهو أعلى مؤسسة في الحزب، التصويت بنعم على مشروع تعديل الدستور". وأضاف: "القرار جاء لحماية مسار التحول الوطني في ظل استمرار الدولة الوطنية مع التأكيد على استدراك المخاوف والتحفظات التي عبرت عنها الساحة السياسية لاحقا أثناء وضع القوانين التطبيقية لما ورد في الدستور".
المتابع لكلمة بن قرينة، يستشعر التماهي التام مع السلطة الحاكمة، وربطت تقارير بين موقف الحركة، ومدى قربها من النظام، فالحركة ينتسب إليها رئيس البرلمان سليمان شنين.
تحفظات الإسلاميين
وتتحفظ الأحزاب الإسلامية في الجزائر على مسودة الدستور، وتعد الفقرة الثالثة من المادة 51، من أبرز نصوص مشروع الدستور التي ينتقدها الإسلاميون، وتنص على أن "الدولة تحمي المسجد من أي تأثير سياسي أو إيديولوجي"، ما قد يمنع إمام المسجد من الحديث عن مسائل فقهية كالربا وغيرها بحسبهم.
كما يرفض الإسلاميون الفقرة الأولى من المادة 71، التي تنص على أن "الأسرة تحظى بحماية الدولة"، إذ ينتقدون إسقاط دور المجتمع في حماية الأسرة والإبقاء على دور الدولة فقط. وإضافة إلى ذلك، يوجهون انتقادات لخلو المشروع من نص صريح حول اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع.