طارق الشناوي يكتب: مصر مارمينا والباقي فوتوشوب
قبل أيام قلائل شاهدنا ضحكات متبادلة بين أبونا تواضروس والإمام الأكبر أحمد الطيب، وفى السنوات التى خلت كثيرا ما تتبعنا الأنبا شنودة (بابا العرب) يتبادل النكات مع الإمام الأكبر الشيخ سيد طنطاوى.
كثيرا ما تكرر هذا المشهد لرجل الدين المسلم ممسكا بالمصحف ورجل الدين المسيحى ممسكا بالصليب وهما يتعانقان، الأفلام الروائية والتسجيلية تحتفظ بشىء من هذا القبيل، خاصة عندما تتناول ثورة 19، مشيرة إلى وحدة الهلال مع الصليب، تلك كانت وستظل لقطات (كارت بوستال)، فقدت مع الزمن الكثير من ألقها وجدواها أمام ما يجرى من أحداث طائفية على أرض الواقع، إلا أن مشهد الشيخ طه وهو يدعو أهالى الحى لإنقاذ كنيسة (مارمينا) من العدوان الغاشم الذى أراد اغتيال من ذهبوا لعبادة الله، ومشهد البطل صلاح وهو يمسك بالإرهابى ويطرحه أرضا وغيرها، تلك الصور هى التى ستبقى أكثر فى الذاكرة، لم ولن ينقذ الكنيسة فقط يقظة رجال الأمن، فى كل دول العالم لا تكفى القوة المسلحة، الضمير الوطنى هو طوق النجاة الوحيد، المصرى الذى يرى أى ما كانت عقيدته أن الكنيسة بيت من بيوت الله هو الجدير فقط بالانتماء لهذا الوطن.
هناك مصر أخرى زائفة، تُطل علينا بين الحين والآخر، يقتحم فيها قلة من المسلمين كنيسة بحجة أنهم يفكرون فى رفع صليب، أو لأنهم فى طريقهم لوضع جرس، أو لأن صوتهم قد ارتفع قليلا وهم يرددون (باسم الأاب والابن والروح القدس الله واحد أمين).
مصر من المؤكد ليست هى هذا الشيخ الذى كفر قبل بضعة أشهر المسيحيين، وخرج بعد ذلك قبل ساعات فى أحد الجرائد يقول إن تهنئة المسيحيين صحيحة شرعا، من أنت؟ هؤلاء الذين تدعوهم لتهنئة الأقباط يفعلونها بدون توجيه منك، لأنهم ببساطة يعرفون دينهم أعمق وأفضل منك، بعضهم لا يعرف القراءة والكتابة، ولكن يدركون بالفطرة أن الله لو شاء لخلقنا جميعا على شاكلة واحدة فى اللون والجنس والعرق والدين، خلقنا الله شعوبا وقبائل لنتعارف وحتى تستمر الحياة، التنوع هو الضمان الوحيد لاستمرار الكون.
مصر تؤمن أن من يغتال المختلف دينيا وكأنه قتل الناس جميعا، من الذى جعل قطاعا مهما كان هامشيا من المسلمين لا يتقبل أن يستمع إلى صلاة أخرى، أنه هو نفس الشيخ الذى قال له تزوج قبطية وانكحها كما تشاء ولكنك فى الصباح يوم عيدها، إياك أن ترتكب هذه المعصية وتقول لها (كل سنة وأنت طيبة).
مصر التى روى لى المخرج عاطف سالم، الذى كان متزوجا من سيدة مسيحية، وهو لم يكن يعرف الكثير من الطقوس الإسلامية مثل الصلاة والصوم وغيرهما، فتولت هى تعليم ابنتيه فروض الدين الإسلامى.
أنتظر أن أرى الأحد القادم فى الكنائس المصريين جميعا، ليحبطوا محاولات من أراد بث الذعر فى نفوس الأقباط حتى لا يذهبون للكنيسة يوم عيدهم.
أعلم أن التشويه عميق والجرح نافذ، هناك من أفسد النفوس فى المدرسة والجامع، ولكن الومضة المضيئة داخل المصرى لاتزال قادرة على أن تواجه كل هذه التشوهات، القلب لا يزال أخضر لم تصبه الشيخوخة، طالما أسمع فى أعماقى صوت الشيخ طه وهو يهتف تحت قبة الجامع انقذوا الكنيسة، نعم هذا البلد يعبر عن أجمل ما فيه وقت الشدة، وتلك هى فرصتنا الذهبية لكى نقول للعالم ملحمة كنيسة (مارمينا) هى مصر الحقيقية، والباقى (فو توشوب) زائف!!.