الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

د.شهاب دغيم يكتب: حكومة المشيشي.. حكومة من في الأخير؟ 

الرئيس نيوز

بعد سقوط حكومة الياس الفخفاخ بسب تضارب المصالح والفساد اختار رئيس الجمهورية وزير الداخلية ومستشاره القانوني الأسبق هشام المشيشي ابن الادارة والمستقل سياسيا لترأس حكومة الفرصة الأخير او ما اطلق عليها بحكومة الإنقاذ. حكومة تشكلت في وضع سياسي واقتصادي واجتماعي مهتز يشارف الإفلاس.. حكومة أريد لها أن تكون بعيدة عن الأحزاب السياسية المتناحرة فقط حازت على دعم المنظمات الوطنية من اتحاد شغل واتحاد الاعراف وتشكلت في الظاهر من كفاءات مستقلة من بعض الكوادر العليا للدولة والسياسيين المستقلين. 

حكومة اختارها الرئيس واعتبرها البعض حكومة الرئيس في إشارة الى بعض الوزارات التي تديرها شخصيات مقربة من محيط الرئيس... القطيعة مع رئيس الجمهورية ؟ العلاقة بين قرطاج و القصبة سرعان ما تدهورت بسب ما اعتبره المشيشي تدخل الرئاسة في صلاحيات رئيس الحكومة خاصة عبر رفض قيس سعيد تعيين بعض الأسماء المحسوبة على المنظومة السابقة في ديوان حكومة المشيشي واتخاذ موقف حاد منه بلغ حد تقريعه امام الجميع بنشر رئاسة الجمهورية فيديو لقاء المشيشي برئيس الجمهورية على شبكة الفايسبوك. 

 التدخل كان سببا رئيسيا في الجفاء السياسي بينهما ويعتبر البعض ان قيس سعيد هوالذي دفع بالمشيشي للجوء لحزام سياسي معاد لقرطاج أي حركة النهضة الاخوانية وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة الرافع لخطاب التشدد. توتر العلاقة بين المشيشي ورئيس الجمهورية لم تعد في خانة الاسرار رغم حرص رئيس الحكومة على تاكيد علاقته مع رئيس الجمهورية قيس سعيد التي وصفها ” بالطيبة جدا، و اعتبرها مؤسساتية تقوم على علاقة يحكمها الدستور” نافيا ما يروج حول توتر العلاقة بينهما وعن بوادر الخلافات بينه وبين الرئيس سعيد فان التوتر تجلى أخيرا بوضوح في بلاغ سابق للحكومة بشأن التعامل مع رئاسة الجمهورية أي التفاعل مع رئيس الجمهورية عن طريق رئيس الحكومة. تقول عنها الحكومة انها مسألة إجرائية وتنظيمية لا غير ويعتبرالملاحظون السياسيون انها تترجم عن اهتزاز في علاقته بالرئيس قيس سعيد.

 أزمة حقيقة بين رئاستي الجمهورية والحكومة تجلت إثر إقالة وزير الشؤون الثقافية وليد الزيدي الذي تمسك به الرئيس سعيد رغم إعفائه من قبل رئيس الحكومة المكلف في وقت سابق. علاقة يعتقد مراقبون ان لا ضابط لها الا الدستور فضلا عن الجانب البروتوكولي والتنظيمي للأدوار والصلاحيات. حكومة النهضة ام حكومة المشيشي ؟ المشيشي اختار حزاما سياسيا معاديا لرئيس الجمهورية بمنطق براغماطي بحت اي ضمان استقرار حكومته وتطبيق برامجها يستحيل بعده على المشيشي الحفاظ على معادلة صعبة تتمثل المحافظة على حياد وسياسية حكومته بعيدا عن تاثيرات اطراف الصراع وفي نفس الوقت نيل دعم الأحزاب التي منحته الثقة. اختيار قد يدفع به والبلاد نحو احتدام الصراع السياسي من جهة بين أحزاب تدور في فلك رئيس البرلمان وأخرى داعمة لرئيس الجمهورية. 

رغم تأكيد المشيشي على ان الحكومة المستقلة" لايعني ان تدير ظهرها للأحزاب معتبرا ان تفاعل الحكومة مع جميع الأحزاب صحي وضروري" للبلاد فان الجميع يعتقد اليوم في تونس ان حكومة المشيشي أصبحت حكومة تأتمر بأوامر حركة النهضة الداعم الرسمي لها في البرلمان. فهل سقطت معادلة التوازن التي ارداها المشيشي بين جميع الأطراف امام تهافت حركة النهضة وحلفائها وتخوف الأحزاب الأخرى من سيطرة النهضة الاخوانية على البلاد من جديد؟ احزاب ضد الحكومة... باستثناء النهضة وتابيعيها بدات حكومة المشيشي تفقد ثقة كل الاحزاب الأخرى في البرلمان. فالحزب الدستوري الحر المعروف بعداءه الشديد لحركة النهضة لن يبقل بمساندة المشيشي ويقف منذ اليوم الأول في جبهة المعارضة حتى الأحزاب التي صوتت بعض نوابها لحكومة المشيشي بدات تبتعد عن الحكومة بعد ارتماء المشيشي في أحضان حركة النهضة وشركائها في البرلمان يعتقد الكثيرون انها فقدت كل استقلاليتها ولم تعد حكومة تكنوقراط كما أرادها الرئيس بل أصبحت حكومة سياسية مدعومة من ترويكا برلمانية جديدة قال عنها غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي ان النهضة هي من تختار مستشاريه وغيرها من المناصب العليا في الدولة معتبرا ان حكومة المشيشي خضعت لابتزاز الأطراف التي صوتت لصالحها في البرلمان وهو ما أفقدها استقلاليتها. 

راي لا يختلف مع مواقف الاحزاب السياسية التونسية المعارضة لحركة النهضة التي تعتبران حكومة المشيشي أصبحت حكومة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة. حركة مشروع تونس وجهت لحكومة المشيشي نفس التهم أي الانبطاح لحركة النهضة في اطار مشروع تنقيح مرسوم دستوري حول تنطيم قطاع الاعلام متهمة المشيشي بانه أقدم عليه فسح المجال لمبادرة ائتلاف الكرامة المتشدد والمقرب لحركة النهضة من أجل تنقيح المرسوم 116 معتبرة ان حكومة المشيشي رضخت بصورة واضحة لمراكز النفوذ المالي والسياسي الممثلة في مجلس نواب الشعب، موكدة على ان ضرب الاعلام - سيقوض أسس الجمهورية ويمهد الطريق للحركات الإرهابية والظلامية والشعبوية المبتذلة للنشاط تحت غطاء قانوني.

فيما أصدرت اليوم ثلاثة كتل يرلمانية وهي الكتلة الديمقراطية المتكونة من حركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي وكتلة الإصلاح وكتلة حزب تحيا تونس بيانا مشتركا شديد اللهجة يشكل بداية قطيعة حقيقية مع حكومة المشيشي عبروا فيه عن استيائهم من سحب رئاسة الحكومة لمشروع حول تنطيم قطاع الاعلام قدمته الحكومة السابقة معتبرة انه انحياز لأطراف نيابية أخرى أي حركة النهضة وانه ضرب لاستمرارية الدولة. هل تجد حكومة المشيشي نفسها مقطوعة عن كل الحساسيات الوسطية والمدنية في البرلمان بعد ان اختارت الاصطفاف وراء حركة النهضة وحلفائها. ازمة سياسية عميقة في الأفق تتزامن مع استفحال الموجة الثانبة من فيروس الكوفيد المستجد الذي يقتل التونسيين ويعزل طبقات مفقرة وسط احساس بغياب الدولة. فهل يكذب المشيشي كل التكهنات ويبدد كل المخاوف ام يرضخ لابتزاز النهضة والأحزاب الداعمة له في البرلمان ؟