الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

«بحر إيجه على شفا الحرب».. «رعونة أردوغان» تدفع تركيا لمواجهة غير محسومة بشرق المتوسط

الرئيس نيوز

نشر مركز منتدى الشرق الأوسط البحثي الأمريكي تقريرًا أعده بوراك بكديل، المحلل السياسي المقيم في أنقرة، أكد فيه أنه خلال القرن العشرين، خاض الأتراك وخصومهم التقليديون على الشاطئ المقابل لبحر إيجه؛ اليونانيون، أربع حروب تقليدية: حرب البلقان الأولى (1912-1913)؛ والحرب العالمية الأولى (1914-1918)؛ والحرب اليونانية التركية (1919-1922)؛ وحرب قبرص (1974)، لذا، ليست هذه هي المرة الأولى التى يكون فيها بحر إيجه على شفا الحرب.

وأكد بكديل أن "السلام" عبر بحر إيجه ظل باردًا إلى شديد البرودة باستثناء فترات وجيزة من الدفء النسبي، ويبدو أن الأتراك واليونانيين يعيشون في منازل مجاورة مبنية على نزاع دموي استمر قرونًا.

وكتب تشارلز كينج، في كتابه منتصف الليل في قصر بيرا أن ولادة اسطنبول الحديثة، عن السنوات الأولى بعد سقوط الدولة العثمانية شهدت انخفاض الأقليات غير المسلمة من 56٪ في عام 1900 إلى 35٪ في أواخر العشرينيات، وفي أزمير قلت النسبة من 62٪ من غير المسلمين إلى 14٪ ، وكان ذلك أشبه بالثورة الديموغرافية التي غيرت كل شيء تقريبًا في أحياء الأقليات القديمة في إسطنبول، في اتجاه الاندفاع ومغادرة البلاد، حيث  ألقى اليونانيون والأرمن واليهود محتويات منازلهم وشققهم في سوق الأغراض المستعملة، على أمل الحصول على مبلغ صغير على الأقل من النقود قبل ركوب سفينة أو قطار متجهين إلى اليونان.

وأصبحت تركيا ككل أكثر إسلامًا، وأكثر تركية، وأكثر تجانسًا بسبب هروب الأقليات غير المسلمة من المدن - مما كانت عليه في أي وقت مضى، وظهرت بعض العائلات التي كانت ستصبح الدعامة الأساسية لاقتصاد إسطنبول عن طريق مراقبة الثروات المتغيرة وترجمة الروابط السياسية إلى ميزة اقتصادية بمجرد طرح الشركات اليونانية وغيرها من شركات الأقليات للبيع، ولم يكن هناك شيء غير أمين بالضرورة في تعاملاتهم، لكنهم استندوا إلى نقل ضخم للثروة تكمن أصوله في تفضيل الجمهورية للنقاء القومي على الكوزموبوليتانية القديمة لرأس المال الإمبراطوري الذي اتسمت به دولة بني عثمان.

بعد ثلاث حروب في بداية القرن، اندلعت التوترات التركية اليونانية في قبرص، حيث عاش القبارصة الأتراك واليونانيون جنبًا إلى جنب وفي سلام حتى بعد الخمسينيات من القرن الماضي، عندما بدأوا في ذبح بعضهم البعض، وأدت الفتنة العرقية إلى العملية العسكرية التركية في يوليو 1974، والتي انتهت باحتلالها للثلث الشمالي من الجزيرة وظلت قبرص منقسمة على أسس عرقية منذ ذلك الحين.

وفي عام 1996، اقترب الجيشان التركي واليوناني من اشتباك ساخن بشأن مطالبات السيادة على جزيرة صغيرة في جنوب بحر إيجه، وبعد سنوات قليلة من الوساطة الأمريكية الناجحة، تذكر قلة من الأتراك أو اليونانيين اسم الجزيرة غير المأهولة التي تبلغ مساحتها 9.9 فدان: إيميا (كارداك باللغة التركية).

وتبدو التوترات الحالية، الممتدة من بحر إيجة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ، أكثر خطورة من لعب مراهقين في شد الحبل فوق قطعة صخرية قد تودي بحياتهم أجمعين، حيث المح الرئيس التركي في في خطاب ألقاه مؤخرًا في اسطنبول، إلى معاهدة سيفر لعام 1923 التي، مع مواثيق أخرى، أنشأت حدود تركيا الحديثة.

وقال  أردوغان بدون مواربة: "سيفهمون أن تركيا لديها القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لتمزيق الخرائط والوثائق اللأخلاقية المفروضة عليها، إما أن يفهموا ذلك بلغة السياسة والدبلوماسية أو من خلال التجارب المؤلمة في ساحة المعركة.. قبل قرن من الزمان، إما دفناهم في الأرض أو ألقيناهم في البحر.. آمل ألا يدفعوا نفس الثمن الآن".

روبرت إليس، الذي يكتب عن تركيا، قام بتذكير الجمهور بما قاله عبد اللطيف شينر، وهو حليف قوي لأردوغان وأصبح الآن نائبًا عن المعارضة، في مقابلة قبل ست سنوات: أن أردوغان سيكون مستعدًا لجر تركيا إلى حرب أهلية للحفاظ على قبضته على السلطة.

ونشر متين كولونك، النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، في 28 أغسطس خريطة لـ"تركيا الكبرى" توضح مدى طموحات تركيا الانتقائية وتشمل مناطق اليونان وبلغاريا وقبرص وسوريا والعراق وجورجيا وأرمينيا، وفي بيان يهدد بالمثل، نصح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار اليونان بشكل استفزازي بالتزام الصمت "حتى لا تصبح مزّة (وجبة خفيفة) لمصالح الآخرين".

وأرسل خطاب الحرب الذي تتبناه حكومة أردوغان عدة رسائل بأطوال موجية مختلفة إلى الجانب الغربي من بحر إيجه وما ورائه، حيث عززت اليونان ترسانتها العسكرية وقواتها لتكون مستعدة للصراع المفتوح مع تركيا، وفي 13 سبتمبر، قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس إن اليونان ستحصل على 18 طائرة مقاتلة فرنسية جديدة من طراز رافال لتحل محل مقاتلاتها القديمة من طراز ميراج 2000، وشراء أربع طائرات هليكوبتر تابعة للبحرية وأربع فرقاطات جديدة، وتجديد أربع فرقاطات أخرى، مؤكدا أن  تخطط لتمديد فترة التجنيد الإلزامي إلى 12 شهرًا بدلاً من الأشهر التسعة الحالية.

وأضاف بكديل أن الصراع المفتوح في منطقة بحر إيجة وما حولها هو ضد المصالح الغربية، ومع ذلك، فإن الدول الغربية ليست على حق عندما لا تظل غير مبالية أو خاضعة للتهديدات التركية، ففي 1سبتمبر، أعلنت واشنطن أنها رفعت جزئيًا حظر توريد الأسلحة المفروض على جمهورية قبرص (اليونانية) منذ 33 عامًا، وهي خطوة أدانتها تركيا على الفور.

 وفي خطوة ذات صلة، سافر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى قبرص في 12 سبتمبر في محاولة للتوسط في حل سلمي للتوترات مع تركيا في شرق البحر المتوسط، وقال بومبيو للصحفيين في نيقوسيا "ما زلنا نشعر بقلق عميق حيال عمليات تركيا الجارية في مسح الموارد الطبيعية في المناطق التي تؤكد اليونان وقبرص سلطتها على شرق البحر المتوسط"، وخلال زيارته، وقعت الحكومتان القبرصية والأمريكية مذكرة تفاهم احتجت عليها أنقرة بعبثية، زاعمة أنها قد تضر بالسلام والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط.

إن صراع بحر إيجه وتداعياته يثير قلق الاتحاد الأوروبي، حيث أعربت مجموعة MED7 لدول جنوب أوروبا، التي استضافتها فرنسا في 10 سبتمبر، عن دعمها الكامل وتضامنها مع اليونان وقبرص فيما يتعلق بالانتهاكات المتكررة لحقوقهما السيادية من قبل تركيا. يجتمع المجلس الأوروبي يومي 24 و25 سبتمبر لمناقشة ما إذا كان سيفرض عقوبات على تركيا.

وتحظى اليونان بدعم دولة متوسطية ثقيلة وبالغة التأثير هي بالتأكيد: مصر  فضلاً عن دعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن.

يمكن لأردوغان أن ينتصر في الحرب الخامسة في الداخل فقط، إذا تجنب صراعًا عسكريًا، فسيكون قد أنقذ تركيا من حرب خاسرة، في الداخل، قد تجلب له سياسته الخارجية الحازمة، وأخلاقه المتشددة وخطابه الحاد الذي يتحدى العالم بأسره، المزيد من الأصوات وشعبية إضافية. ستكون حرب أردوغان الخامسة حربًا بلا فائزين لكن تركيا أردوغان ستكون الخاسر الأكبر.